حالة من التخبّط تعيشها الدول الأوربية. فهي إلى اليوم، لم تستطع تأمين البديل عن الغاز والنفط الروسي. وعلى الرغم من محاولاتها الدؤوبة مع الولايات المتحدة في إيجاد مخرج للأزمة، إلا ان سياسات "الترقيع" عبر اقناع عدد من الدول بزيادة انتاج النفط كالسعودية والامارات، لا تغطي إلا نسبة متواضعة من احتياجات تلك الدول، التي سترزح قريباً تحت سياط البرد والتدهور الاقتصادي مع اقتراب فصل الخريف. وبما ان كل الطرق مشروعة في عقيدة التفكير الغربية، حتى وان كانت ملتوية، تعود منطقة بحر قزوين إلى الواجهة كإحدى الخيارات المطروحة على الطاولة. تلك المنطقة التي تعد خزاناً نفطياً ضخماً، كانت إلى ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي تعتبر حوضاً روسياً-إيرانياً، باتفاق يُعرف بـ "معاهدة رشت".
منطقة بحر قزوين: 170 ترليون من الغاز
تبلغ مساحة بحر قزوين ما يناهز 370 ألف كلم مربع، وتشير التقديرات إلى وجود ما يقارب 34 مليار برميل، واحتياطي يصل إلى 270 مليار برميل، وهي الكمية التي تعادل ثلث احتياطي النفط الموجود في منطقة الشرق الأوسط تقريباً. في حين يصل احتياطي الغاز إلى 170 ترليون قدم مكعب.
تحيط ببحر قزوين الفاصل بين آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز، 5 دول هي أذربيجان وتركمانستان وأذربيجان وروسيا وإيران. وهو ما يجعل أي نشاط "معادٍ" في تلك المنطقة هو تهديد مباشر على الأمن القومي لتلك الدول خاصة طهران وموسكو.
تصدرت هذه المنطقة الاهتمام منذ زمن، نظراً للثروة الهائلة الموجودة بداخلها والتي تعد المحرك الأساس لعالم ما بعد الحداثة والذي يتطور بشكل متسارع خاصة مع بداية القرن العشرين. وقد تم انشاء 11 خطاً لنقل هذا المحزون إلى السوق العالمي. ومن أهم هذه الخطوط:
-خط باكو-نوفارايسيسك: ويمر هذا الخط من باكو في أذربيجان إلى نوفارايسيسك عبر الأراضي الشيشانية-الداغستانية. وبسبب الأزمات التي كانت تشهدها تلك المنطقة بين روسيا والشيشان منذ عام 1991، أنشئ خط أنابيب باكو- جيهان.
-باكو-جيهان: عام 1999، وقعت كل من تركيا وجورجيا وأذربيجان، اتفاقاً يقضي بإنشاء خط أنابيب يمر عبر الأراضي التركية وينتهي عند الميناء التركي جيهان في الاسكندرون. وتبلغ القدرة الاستيعابية لهذا الخط حوالي مليون برميل يومياً ويزيد طوله عن 1700 كلم، فيما تبلغ كلفته حوالي 3 مليارات دولار.
نوفارايسيسك– بورجس- أليكساندربوليس: وهو يمتد بين روسيا وبلغاريا واليونان، وكان الهدف الأول من انشائه التخلص من القيود التي تفرضها تركيا على مرور الناقلات عبر مضيق البوسفور، وتحويل النقل إلى الميناء الروسي نوفارايسيسك.
-خط باكو-تبريز: تعتبر إيران إحدى اهم الخيارات لنقل البترول من البحر إلى الأسواق العالمية. كونه الطرق الأقصر والأقل كلفة. فهي بإمكانها ان تنقل النفط عبر مسارين: النقل المباشر إلى الخليج عبر الأنابيب أو عبر تلقيها النفط من الدول الشريكة الأخرى (أذربيجان، تركمانستان، كزاخستان) من ميناء نيكا، ثم نقلها عبر الأنابيب إلى مصافي البترول في شمال البلاد.
روسيا تراقب تعثّر الخطوة!
تمثل هذه المنطقة خياراً مثالياً بالنسبة للدول الأوروبية. فإضافة للكميات الضخمة الموجودة في باطنها، فهي تحتوي على عدد من شبكات الأنابيب الجاهزة لعملية النقل، والقريبة من البنية التحتية الطاقوية الأوروبية. خاصة وان كازاخستان كانت قد أعربت على لسان رئيسها، قاسم جومارت، في اتصال له مع رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، عن استعدادها "للمساهمة في استقرار أسواق الطاقة". وهنا، تقول الجغرافيا كلمتها، ولصالح روسيا هذه المرة. فصادرات النفطية الكازاخستانية إلى الدول الأوروبية تمر بجميعها عبر الأراضي الروسية. ما يمنح موسكو ورقة رابحة للتأثير على إتمام عملية التبادل هذه، ان أرادت. في حين ان اعتماد تطوير خط أنابيب آخر سيتطلب زيادة في التكلفة والجهد والاتفاقيات وأيّ من الدول الأوروبية لا تمتلك رفاهية الوقت.
بالنسبة لموسكو وطهران، يعد بحر قزوين منطقة شديدة الحساسية الأمنية والاقتصادية، فهو الحد الفاصل بين الحدود الجنوبية لإيران وروسيا. كما يمنح لروسيا حضوراً في منطقة القوقاز. وضمن هذا الإطار، عقدت قمة بحر قزوين أواخر شهر حزيران/ يونيو الماضي، والتي جمعت رؤساء كل من روسيا وإيران وتركمانستان وكازاخستان، وأذربيجان، والتي ناقشت إمكانيات التعاون في مختلف المجالات. وهي الرحلة الأولى التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خارج بلاده بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
بالنتيجة، ستراقب روسيا عن كثب مساعي الدول الأوروبية وواشنطن لتأمين البديل عن نفطها. خاصة التحركات في تلك المنطقة. لن تقف موسكو موقف المتفرج على أي حال، لكنها تشاهد من بعيد تعثّر القيام بهذه الخطوة، نتيجة تجمع عدد من الأسباب:
- ستتطلب الزيادات السريعة في الإنتاج والنقل إلى أوروبا، زيادة موازية في قدرة خطوط الأنابيب الحالية أو التوجه لبناء خطوط جديدة، خاصة خط أنابيب مخصص للغاز يمر في بحر قزوين، وهي الخطوة التي تحتاج لمليارات الدولارات وعدد من السنوات لاستكمال مشاريع البناء.
-تساهم الاتفاقية المشتركة بين الدول الخمسة (والتي وقعت في 15 آب/أغسطس عام 2011، للمساعدة في منع التلوث الناتج عن النفط وتقليله والسيطرة عليه، بدعم من برنامج الأمم المتحدة للبيئة) في عرقلة إتمام مشاريع البنية التحتية النفطية. فإذا أرادت كازاخستان على سبيل المثال، القيام بأعمال الحفر في قاع البحر لتسهيل مرور السفن والمنصات أو تمرير الأنابيب، سيضر ذلك بالسلامة البيئية البحرية، وهو ما قد تستخدمه موسكو سببًا لتأخير التنفيذ.
-بموجب اتفاقية الوضع القانوني، يجب ان يتم تحديد قاع البحر وتربته التحتية بموافقة جميع الدول المجاورة -نتيجة عدم ترسيم الحدود البحرية المشتركة بشكل تام إلى الآن- وهذا الأمر، سيزيد مشاريع البنية التحتية في تلك المنطقة، تعقيداً.
الكاتب: مريم السبلاني