يندرج ملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة على سلم أولويات لبنان في هذه المرحلة تحديداً مع فرض المقاومة للمعادلات لمنع الاحتلال من التنقيب في المساحات المتنازع عليها. وقد سعى لبنان في السنوات الماضية الى استقدام الشركات العالمية لمعرفة حجم الثروة النفطية والغازية التي يمكنه الاستفادة منها، الا أن الصراع مع الكيان المؤقت والعقوبات الأمريكية التي تريد هذه الشركات، حسب سياساتها، أن تنئ بنفسها عنها حال دون تحديد دقيق لحجم هذه الثروة.
في هذا الإطار، تعرض الدراسة الآتية ظهور شركة "توتال" الفرنسية كفاعل أساسي في دبلوماسية الشركات في العالم، وكيف تهتم بمصالحها في الشرق الأوسط، وعلاقاتها المتشعبة والمعقدة في المنطقة وخاصة مع لبنان، وقرار انسحابها من مشاريع الاستثمار مع الكيان المؤقت وسط أزمة ترسيم الحدود البحرية.
نشأة دبلوماسية الشركات: توتال نموذجا
تميز التاريخ المعاصر للشرق الأوسط قبل كل شيء بالوجود البريطاني منذ عام 1819. فضلت الإمبريالية البريطانية انفتاح المنطقة على العالم الغربي في القرنين التاسع عشر والعشرين وبناء العقل التقدمي كما سمي وقتها، في الوعي الأوروبي. وبدأت فرنسا بالظهور في المنافسة فأطلقت اسم بلاد الشام أو الشرق الأدنى، ثم الشرق الأوسط على المنطقة.
بعد المغامرة النابليونية الفاشلة في مصر (1798-1801) والاستيلاء على الجزائر في عام 1830، أصبحت فرنسا، مع حرب القرم، القوة الثانية الموجودة في المنطقة، أولاً في سوريا، ثم بسبب بناء قناة السويس. في عام 1920، عززت قبضتها بفضل نظام الانتداب الذي منحها رسميًا السيطرة على سوريا ولبنان. منذ عشرينيات القرن الماضي، أنشأت أسس سياسة التأثير التي استندت جزئيًا إلى دبلوماسية الشركات من خلال الامتيازات في مجال النفط. في عام 1924، تم إنشاء (Compagnie Française des Pétroles CFP) لإدارة الحصة الفرنسية (23.75%) في شركة نفط العراق (IPC) والشركات التابعة لها في الإمارات. نجحت في بسط نفوذها في إيران عندما استحوذت شركة CFP على حصة في كونسورتيوم البترول الإيراني بعد اسقاط حكومة مصدق في عام 1954.
على عكس الدبلوماسية الاقتصادية، التي تُخضع الاقتصادي من حيث المبدأ للسياسة وتضع البحث عن سلطة الدولة في مركز التحليل، فإن دبلوماسية الشركات تتجاوز هذا المنطق المتمركز حول الدولة. مع العولمة وظهور الشركات متعددة الجنسيات، تمكنت الشركات من تطوير استراتيجياتها الخاصة على نطاق عالمي، بشكل مستقل عن المبادرات الحكومية، في إطار دبلوماسيتها الخاصة، لتأسيس ما يسمى ب "دبلوماسية الشركات" .
بالإضافة إلى التأثير الاقتصادي، فإن لهذه الشركات أيضًا تأثير سياسي وثقافي واجتماعي في المنطقة التي تم تأسيسها فيها. الهدف الأساسي لدبلوماسية الشركات ليس الدفاع عن المصالح الوطنية بالتأكيد، انما حماية مصالحها الخاصة من خلال سياسة التأثير عبر الوطني الخاص. من خلال نشاطها، كانت شركة البترول الفرنسية CFP في طليعة الوجود الفرنسي في الخليج، وخلقت تواصلا وترابطا اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا متعدد الأوجه، لتصبح أصل مجموعة توتال اليوم.
نظرًا لأهمية منطقة الشرق الأوسط في إمدادات النفط، كان من الضروري أن تقوم CFP بالاتصال المستمر بالمنتجين والشركاء. في مواجهة الهيمنة الأنجلو سكسونية، طورت إستراتيجية أصلية للتأثير لتقوية الوجود الفرنسي. فيكتور دي ميتز، الرئيس التنفيذي للشركة، قرر في عام 1946 تعيين أول "ممثل ل CFP في دول المشرق العربي" لضمان تمثيلها على الفور. كانت مهمته هي تمثيل الشركة في الميدان، وإدارة شؤونها الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط وإقامة روابط فعالة مع الشخصيات المحلية. وفقًا لمهمته، كان عليه أن "يعرف وجهات نظر الشخصيات التي سيكون على اتصال بها بشأن المسائل الاقتصادية التي تهم بلادهم والعلاقات الاقتصادية لهذه الدول مع الغرب. كان عليه أن يسعى لنشر الرؤية الفرنسية، لتسهيل التواصل مع الشخصيات الفرنسية. ولذلك عُهد إليه بمهمة حقيقية تتمثل في التمثيل الدبلوماسي الخاص. من عام 1946 إلى عام 1952، وجد جان روندو نفسه-كممثل للشركة في الشرق الأوسط- منعزلاً تمامًا في مواجهة ضخامة مهمته. لم يستطع الاعتماد على دعم الشبكة الدبلوماسية الفرنسية، التي كانت محدودة للغاية في ذلك الوقت. في العراق، لم يكن لدى السفير الفرنسي وسائل العمل التي يتمتع بها نظرائه الفرنسيون في سوريا أو لبنان أو مصر. ومع ذلك، فإن فرنسا علقت أهمية متزايدة على العراق، لأنها تستمد حصة كبيرة بشكل متزايد من نفطها هناك، لكنها لم تحتل موقعًا تقليديًا فيها بأي شكل من الأشكال، وربط المراقبون ذلك بضعف وسائل السفارة الفرنسية وعدم قدرتها على تنشيط حضورها على ارض الواقع. وفسروا ذلك بالرجوع إلى حقيقة أن العراق كان لفترة طويلة محمية خاصة لبريطانيا العظمى. لم يتغير هذا الوضع إلا ببطء منذ نهاية عام 1953 عندما تم تعيين ملحق تجاري للسفير. للاستفادة من وصول هذا الملحق التجاري، أرادت فرنسا تعزيز وجودها في الخليج من خلال تزويد الإمارات، التي كانت لا تزال محميات بريطانية، مع تمثيل قنصلي فرنسي متجول.. لدرس مشروع ضم الإمارات إلى المنطقة القنصلية بالبصرة. لكن هذا الالتزام لم ينجح إلا جزئيًا. لم تعترف وزارة الخارجية بتوسيع الاختصاص القنصلي. لقد اقتصر على الاعتراف بأن القنصل يمكنه الذهاب إلى هناك "من وقت لآخر" وفقط بعد إبلاغ المقيم البريطاني. لذلك حافظت لندن على احتكارها للعلاقات الخارجية للإمارات حتى استقلالها عام 1971، وظلت رحلات القنصل الفرنسي استثنائية.
فكر الفرنسيون في تأسيس اول مركز للتوثيق (CDS) كأداة أولى في خدمة دبلوماسية الشركات. في مواجهة هذا الشغور، اتضح أن جان روندو -المدير التنفيذي للشركة- لم يستطع القيام بمهمته بمفرده، خاصة أنه سرعان ما أدرك أنه لا يستطيع حصر نفسه في المسائل الاقتصادية وأصبح مهتمًا، منذ نهاية الأربعينيات، بالقضايا الجيوسياسية. ولدعم عمله، أنشأ هيكلًا أصليًا: وهو مركز التوثيق والهيكلة (CDS). تم انشاء هذا المركز في عام 1952 لمراقبة التطورات في الشرق الأوسط. بالنسبة إلى جان روندو، اعتقدت الشركات لفترة طويلة أنه يمكنها تجاهل السياسة الخارجية، في حين أثبتت تجربته أن مثل هذا الموقف لم يعد ممكنًا. ووفقا له، "لا يمكن تصور صناعة مزدهرة في أمة متداعية، ولا مشاريع صناعية كبيرة ذات مكانة عالمية طالما أن العلاقات بين الشعوب لا تستند إلى أساس ثابت وتهدد في جميع الأوقات بأن تؤدي إلى صراعات دموية". قاده هذا المفهوم إلى إنشاء هيكل قادر على المتابعة عن كثب، بالإضافة إلى الأسئلة الفنية والمالية، لجميع المشكلات البشرية التي يمكن أن تكون تداعياتها كبيرة على أعمالهم. أراد جان روندو أيضًا جعله أداة لمنع الأزمات بدلاً من كونه منظمة للدفاع عن مصالح معينة. دون أن يدعي أن الاقتصاد يجب أن يكون له الأسبقية على السياسة، فقد اعتبر أنه لكي تلعب الشركة دورًا مفيدًا، يجب أن تعزز تناغمًا اجتماعيًا معينًا وعلاقات جيدة بين الدول المنتجة للنفط والدول المستهلكة له. من الناحية المثالية، سوف يسعى المركز إلى إيجاد حلول للنزاعات. على الأقل، سيكون دوره هو تمهيد الطريق من أجل التمكين من اكتشاف مثل هذه الحلول. وبهذا المعنى، يمكن مقارنته بمركز أبحاث يسعى لاكتساب الخبرة الكافية في قضايا الشرق الأوسط لتكون قادرة على التأثير في سياسة القوى الغربية. يتألف المركز من أكاديميين شبان، مثل هيلين كارير دي إنكوس، وقد قدم ملاحظات حول التنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلدان الرئيسية التي حظيت بتقدير الدبلوماسيين والشركات الراغبة في التأسيس في الشرق الأوسط.
أراد جان روندو منذ البداية دمج الشركاء المحليين (السياسيين والتجار والمثقفين). إن عمل المركز، سواء من وجهة نظر التوثيق أو نشر أفكاره، لا يمكن ممارسته إلا من خلال الاتصالات الشخصية. كتب جان روندو: "لفهم ما يحدث في الشرق الأوسط، يجب أن يكون لديك أصدقاء عرفت كيف تلهمهم بالثقة". للقيام بذلك، عززت الرحلات العديدة إلى الشرق الأوسط الاتصالات وجعلت من الممكن تقديم نفسه أمام المحاورين الدوليي، مستفيدًا من هذا الاهتمام، جعل المركز أداة معترف بها من قبل الأنجلو سكسون وقادرة على تنسيق العمل الغربي في الشرق الأوسط. تابعت جامعة كولومبيا منشورات مركز التوثيق في عام 1954 وعرضت توزيعها. وهكذا كان لأفكار المركز صدى مهم ومؤثر. في سبتمبر 1953، قام المسؤولون الأمريكيون، بمن فيهم تشارلز سبوفورد ، الممثل الأمريكي في مجلس شمال الأطلسي بتنظيم اجتماع في واشنطن لمندوبين أمريكيين وإنجليز وفرنسيين لتنسيق عمل هذه القوى بشكل أفضل في الشرق الأوسط. في تشرين الثاني (نوفمبر) من نفس العام، أجريت اتصالات في طهران مع هربرت هوفر جونيور، المبعوث الخاص لوزارة الخارجية. أتاحت هذه المحادثات للحزب الشيوعي الصيني المشاركة في مباحثات بين خبراء النفط بهدف تسوية التأميم والحصول على مشاركة في كونسورتيوم النفط الدولي الجديد الذي أقيم في إيران، والذي كان حكرًا على البريطانيين حتى ذلك الحين، إثر الانقلاب المنظم، بالاشتراك بين وكالة المخابرات المركزية والمخابرات البريطانية ضد حكومة مصدق في إيران. كان لدبلوماسية الحزب الشيوعي الصيني، من خلال مركز التوثيق، العديد من التداعيات السياسية من خلال فرض نفسها كمرجع دولي في شؤون الشرق الأوسط والتأثير، إلى حد ما، على التمثيلات الأنجلو سكسونية.
لإكمال عمل مركز التوثيق وتعزيز النفوذ الفرنسي، أرادت الشركة إدخال المهندسين الفرنسيين في المنشآت النفطية جنبًا إلى جنب مع الأنجلو سكسون وبالتالي زيادة الوجود الفرنسي في البلدان المنتجة. في العراق، تم النص على هذا الاحتمال في الاتفاقية المشتركة بين المجموعات لعام 1928، لكن البريطانيين احتكروا المناصب الرئيسية هناك وبقي جهد كبير يتعين القيام به لتجنيد الأفراد الفرنسيين. في بداية عام 1955، اقتصرت المستعمرة الفرنسية حول حقول البصرة الواقعة على شط العرب في العراق، بين نهري دجلة والفرات، على حوالي خمسة عشر شخصًا نصفهم من الراهبات. إذا كانت هذه الأرقام تمثل حدود المؤسسة الفرنسية، فيجب ملاحظة أن الشركة الفرنسية وضعت أحد مهندسيها، Léo Teyssot على رأس حقل البصرة النفطي. إنه أحد الفرنسيين النادرين الذين عرفوا كيفية التكيف مع البيئة الأنجلو سكسونية التي عملوا وعاشوا فيها. تم الاعتراف بنجاحه من قبل الأنجلو سكسون، الذين عينوه مديرا إداريا في كركوك، بعد أن كان مديرا لمدة خمس سنوات في البصرة (1948-1953). على الرغم من أن حالته استثنائية، فإن ممارسته الإدارية تشهد على استراتيجية فيكتور دي ميتز لتعزيز التعاون مع الشركاء الأصليين لمواجهة القومية المتصاعدة. لم يكن لدى شركات النفط سوى فرصة للحفاظ على نفسها ومواصلة أنشطتها من خلال الاندماج قدر الإمكان مع السكان المحليين والتجارة. وهكذا، مارس L. Teyssot سياسة تهدف إلى إعفاء شركة النفط العراقية (IPC)بشكل منهجي من جميع العمليات التي لم تكن مرتبطة بشكل خاص باستخراج النفط ونقله وتفويضها للشركات المحلية. لقد أقام بمهارة روابط مهمة بين الشركة وسكان البصرة وحصل على دعم مفيد. في إيران، يمكن لكل شركة مشاركة في الكونسورتيوم إعارة المهندسين بنسبة قريبة من النسبة المئوية لمشاركتها. وفقًا لاتفاقية 29 أكتوبر 1954، كان من المفترض أن يكون 6% من الموظفين الغربيين العاملين في إيران فرنسيين، لكن نادرًا ما تجاوز المهندسين الفرنسيين عشرة من بين حوالي 500 مغترب.
يقول أحد الموظفين السامين السابقين في شركة توتال الفرنسية ان مشاريع الشركة كانت تندرج ضمن سياسة دبلوماسية اعتمدتها الشركة للدخول الى منطقة الشرق الأوسط بسهولة، فكانت دبلوماسية مرنة ومنظمة تحرص على عدم التورط في الصراعات والنزاعات مهما كان حجمها، وتسعى للاستفادة قدر الإمكان من كل الظروف الاستثنائية (حروب، نزاعات، انقلابات...) لتحقيق مصالحها ومصالح شركائها. والاهم من ذلك تحقيق أهدافها الأساسية كمنافس للوجود البريطاني التقليدي في مجال الطاقة.
كل هذا لا ينفي انها أداة استعمارية من نوع مختلف، ارتبط بالأساس بالهيمنة الاقتصادية والسيطرة على الثروات، وسط انهيار كامل داخل الدول التي غرقت في صراعاتها الاستثنائية، وفشلت الى حد كبير في مقاومة هذه المخططات الاستعمارية المختلفة. لم تدخل هذه الشركات الى المنطقة الا بعد أن تمكنت الة الاستعمار فرنسية كانت او بريطانية من تحطيم كل مبادرات المواجهة والمقاومة لمشاريع الهيمنة. يكفي الإشارة هنا الى الجرائم والانتهاكات التي قامت بها قوى الاستعمار لفتح الطريق امام هذه الشركات للدخول الى الساحة ووضع حجر الأساس لمشاريعها ومصالحها على حساب مصالح الشعوب، ونهب الثروات والسيطرة على أكبر عدد ممكن من المناطق الثرية. كل ذلك تحت عنوان عريض اسمه" التعاون الدبلوماسي". ان هذه الشركات بمجملها ترتبط بشكل أساسي بقوى استعمارية فاعلة دخلت المنطقة وهي تعلم جيدا عمقها الجغرافي والاستراتيجي واهميتها على كل المستويات.
دخل الامريكيون على خط المنافسة الشديدة في مجال الحفر والتنقيب، ومن خلال التحكم في المنصب الرئيسي للمدير العام للكونسورتيوم، كما احكمت الأنجلوسكسونية السيطرة الأمريكية على المناصب الرئيسية للكونسورتيوم ووجهت عمليات شراء المعدات والعقود تجاه الشركات الأمريكية. فضّلت الإعارة المجانية للمعدات للمقاولين الأمريكيين، والاستيراد الهائل لسيارات فورد وشيفروليه وشراء معدات الحفر والإنتاج الأمريكية. كافح المهندس الفرنسي ل. راميت، مشرف التنقيب عن الرواسب الإيرانية في جاش ساران، وآغا جاري، والأهواز للدفاع عن المصالح الفرنسية هناك. كما كافح ايضا لتطوير حفر الماس، والتي كانت أسرع وأكثر أهمية على المستوى الاقتصادي. لكنه واجه مقاومة من رئيس الحفر الأمريكي لأن الأدوات المعروضة صنعت في فرنسا واستخدامها سيقلل من استيراد الأدوات الأمريكية. تم تأكيد هذا الاختيار ودعمه من قبل مدير العملية، س. نيلسون، الذي كان صريحًا بشكل خاص في مواجهة إصرار راميت، حيث صرح له: "لا نريد الشعب الفرنسي، لا نريد التقنيات الفرنسية، لا نريد مواد ومقاولين فرنسيين، هل تفهم؟». نتائج هذه الإستراتيجية واضحة: من أصل أحد عشر مهندسًا فرنسيًا، غادر خمسة الكونسورتيوم دون استبدالهم بفرنسيين اخرين. بالإضافة إلى ذلك، تم استبدال مقاول الحفر الفرنسي الوحيد، FORENCO، بشركة سدكو الأمريكية. نظرًا لعدم تعيين منصب إداري إيراني في الكونسورتيوم، لم تستطع الشركة حماية مهندسيها أو مساعدتهم. وهكذا ترك الفرنسيون الاتحاد تدريجيًا نظرا لقلة عددهم، وعدم توفر الدعم الكاف لهم، وتحملهم الأنجلو سكسون بشكل سيئ، لم يتمكنوا من فعل الكثير.
في مواجهة هذه الصعوبات، اعتمدت الشركة الفرنسية للنفط بشكل أساسي على مركز التوثيق والهيكلة لفرض الوجود الفرنسي. مستفيدة من خبراته الفريدة في فرنسا وإتقانه لقضايا الشرق الأوسط، حيث وجه جان روندو، بدعم من فيكتور دي ميتز، مركز التوثيق نحو مهمة استخبارات اقتصادية ودعم الصادرات الفرنسية. أخذ هذا التوجه الجديد بعين الاعتبار الإمكانيات التي تتيحها زيادة عائدات النفط للدول المنتجة. وإدراكًا منه أن زيادة نشاطه عزز اختلال الميزان التجاري الفرنسي مع دول الشرق الأوسط، رأى في تنمية الصادرات الفرنسية شكلاً من أشكال التعويض.
1/ كيف تهتمّ شركة توتال بمصالحها في الشرق الأوسط
بدأت أهمية الشركة الفرنسية للنفط(توتال) تظهر بشكل أساسي كواحدة من أكبر ست شركات نفطية عالمية. بعد ان تأسست هذه الشركة في 1924، أصبحت منتشرة في جميع انحاء العالم، كما أصبحت مدرجة في بورصتي نيويورك ويورونيكست لأكبر الشركات الأوروبية. تحقق توتال عائدا يفوق 130 مليار دولار، ولديها شركات صغيرة ومتوسطة تابعة لها مثل (توتال بتروليوم) التي تملك 50% من أسهمهما وتعمل في أمريكا الشمالية. لديها أيضا تعاقدات مع شركات نفطية كبرى في مناطق استثماراتها مثل (أرامكو السعودية)، (شيفرون واكسون موبيل الامريكية)، و(بريتيش البريطانية)، و(شال) الهولندية.
في21 نوفمبر 1956، تسببت حملة السويس وفشلها في قطيعة دبلوماسية مع العواصم العربية. أصبح من غير المناسب بالنسبة لفرنسا أن تنتهج سياسة نشطة في الشرق الأوسط. كانت سياسة الانسحاب المؤقت ضرورية، خاصة وأن فرنسا كانت تصارع مشاكل أخرى في الجزائر تحشد الرأي العام العربي ضدها. كان هذا هو الوقت الذي اتخذ فيه النشاط الدبلوماسي نطاقه الكامل، حيث لم يعد لدى السلطات الفرنسية الرسمية وسائل للتدخل. بدأ خطر الاغلاق يطارد المؤسسات الفرنسية واحدة تلو الأخرى. في الأشهر الأخيرة من عام 1956، طور مركز التوثيق اتصالاته في الدوائر الرسمية في باريس، سعيًا إلى توعيتهم بالمشاكل التي ظهرت في الشرق الأوسط. في أوقات الأزمات الدبلوماسية، يمكنه-كمركز- تنظيم المناقشات، وإعداد المنشورات، وأيضًا تنظيم اللقاءات السرية بين السياسيين وقادة مجلس السلم والأمن. عمل مركز التوثيق الواقع في مقر مستقل عن الشانزيليزيه، كأرض محايدة ملائمة لإقامة اتصالات سياسية مفيدة للتحضير للمفاوضات الرسمية. علامة على هذا النجاح، طلبت منه رئاسة المجلس ووزارة الخارجية، في نهاية عام 1956، إنشاء مجلة الشرق. قدمت هذه المجلة اتجاهًا آخر للعمل، حيث زودت المركز باتصالات جديدة مع مثقفين من جميع أنحاء العالم يتابعون أسئلة الشرق الأوسط. بفضل هذه المجلة، بدأ المركز يقدم نفسه في كل مكان، ويتحدث بسهولة إلى أبرز الشخصيات السياسية. وهكذا جعلت هذه المجلة من الممكن إجراء اتصالات في بيئة غير رسمية بدرجة أكبر. واستطاع المركز الحفاظ على الروابط مع الدول التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع فرنسا.
أعطت ثورة 14 تموز 1958 في العراق، والتي جاءت بالجنرال قاسم إلى السلطة، الأمل في أن يوافق النظام الجديد، الذي يبحث عن الشرعية الدولية، على تجديد العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا. لبدء هذا التقارب، بدت التضاريس الثقافية أقل خطورة، لذلك أرسل قصر الإليزيه، بيير روسي، المدير السابق لمركز بغداد الثقافي، إلى العاصمة العراقية في 15 أغسطس مع جان روندو. عندما هبطت الطائرة، صعد ضابط شرطة وطلب من بيير روسي البقاء على متنها. ورفضت السلطات العراقية إنزاله، على أساس أنه لا يمكن اعتباره مجرد مسافر خاص، لأنه كان يقوم بواجبات رسمية هناك وكان مسؤولاً حكومياً فرنسياً في "مهمة سياسية". من ناحية أخرى، تم السماح لجان روندو بالنزول وقد نفذ وحده المهمة المخطط لها. وكشف هذا الحدث أن العراق الذي قبل استئناف جزئي للعلاقات الثقافية، أراد التعامل مع حزب الاتحاد الفرنسي وليس مع فرنسا طالما بقيت المشكلة الجزائرية دون حل. ومع ذلك، وبعيدًا عن استبعاد الدولة، فإن هذا الشكل من خصخصة الدبلوماسية سمح لها بالبقاء بشكل غير مباشر في فضاء تم استبعادها منه بسبب الأحداث السياسية. تم إنشاء وتطوير العمل الدبلوماسي الخاص، في الواقع، بالاتفاق مع أعلى سلطات الدولة. بناءً على توصيتهم، تعهدت الشركة الفرنسية للنفط، في نهاية عام 1958، بإعادة العلاقات الثقافية مع دول الشرق الأوسط، وتحملت المسؤوليات من خلال مقاربات غير رسمية للعواصم العربية، ومضاعفة اعتمادات المساعدات للمدارس والمعاهد الفرنسية التي لا تزال مفتوحة في تلك الدول. في عام 1959، نفذت الشركة برنامج مساعدة مباشر للطلاب من الشرق الأوسط من خلال منح 25 منحة دراسية للشباب الذين يرغبون في متابعة التعليم العالي في فرنسا. لم يكن هذا الرقم ضئيلًا لأنه كان، منذ البداية، أعلى من عدد المنح الدراسية التي قدمتها وزارة الخارجية قبل عام 1956. تم إعداد إجراءات هذه المنح واختيار الحاصلين عليها بالتنسيق مع المديرية العامة للشؤون الثقافية بوزير الخارجية. وهكذا، كفلت الشركة الفرنسية للنفط تتابع العمل الحكومي حتى استئناف العلاقات الدبلوماسية مع العراق في عام 1963، وهو التاريخ الذي انضمت فيه إلى هذا العمل لاستكماله. حاولت شركة النفط الفرنسية انشاء دبلوماسية خاصة بعيدة عن الهامش الرسمي، معتمدة على أسلوب المناورة والمرونة عند غياب الدولة الفرنسية كمفاوض، وأنشأت مركز التوثيق كأداة أصلية من أجل تنفيذ دبلوماسية تجارية حقيقية. كما حرصت على ترسيخ نفوذ مجموعة شركاتها في منطقة النفوذ الأنجلوسكسونية.
إٍنّ شركة توتال متخصصة في كل ما له علاقة بقطاع النفط والغاز بدءا بالتنقيب والإنتاج والنقل، وصولا الى توليد الطاقة وتصنيع المواد الكيماوية وانشاء محطات البنزين. في عام 2007، أعلنت نيتها دخول قطاع الطاقة النووية، وهي تملك 1% من شركة (ارينا) التي تعدّ الأكبر عالميا في هذا المجال. وتعمل توتال في اسيا الوسطى والمحيط الهادئ، وامريكا اللاتينية والشرق الأوسط (حيث تملك 30% من حصص التنقيب عن النفط في السعودية، وأبرز استثماراتها يتمثل بالتنقيب في الربع الخالي وتطوير مشروع الجبيل لإنشاء المصافي والبتروكيماويات، وتملك 19% من أسهم انتاج حقل "الحلفاية" العراقية). وينحصر نشاطها في شرقي المتوسط من خلال حصولها على امتياز البلوك 11 لقبرص، إضافة الى توقيعها بروتوكول تعاون مع قبرص لإعداد دراسة جدوى حول مشروع بناء مصنع لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في منطقة فاسينليكو قرب مدينة ليما سول لتصدير الغاز الى الأسواق الأوروبية والاسيوية.
تقوم شركة النفط الفرنسية في الدوحة أو الرياض أو طهران، بزراعة أفضل العلاقات الممكنة. لم ينته حصاد العقود في منطقة ترتفع فيها تكاليف الإنتاج بسبب التنافسية الشديدة. "توتال قطرية في قطر، وإماراتية في أبو ظبي، وإيرانية في إيران، ولست مضطرًا للاختيار بين هذه الدول". خرج هذا التصريح، في خضم أزمة دبلوماسية في المنطقة، من قبل باتريك بوياني، الرئيس التنفيذي لشركة توتال، هذه الجملة القصيرة وحدها تلخص استراتيجية المجموعة في الشرق الأوسط. حرصًا على عدم اتخاذ موقف بين قطر وجيرانها، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، يتمسك رئيس العملاق الفرنسي بالبراغماتية الحذرة. خلال مؤتمر السياسة العالمية، الاجتماع الدبلوماسي الذي ينظمه كل عام تييري دي مونبريال، رئيس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري) ، استطاع أن يناقش في مراكش مع وزير خارجية قطر. مثل أسلافه، يسعى بوياني للحفاظ على أفضل العلاقات الممكنة مع كل من هم في السلطة. وخاصة مع الدول الواقعة في هذا الجزء من العالم، والمعروف أنها تمتلك أكبر احتياطيات من النفط والغاز فيه. وهكذا حرص على تحذير الدوحة قبل توقيع عقده التاريخي مع طهران بقيمة 4.8 مليار دولار في 2016 لاستغلال أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم في الخليج الفارسي. وردت السلطات القطرية بالمضمون "نعرفكم"، التي تشترك في هذه المنطقة مع إيران. يبقى الاشكال في كيفية إدارة المزاج الامريكي، الذي أعيد تجميعه ضد طهران منذ انتخاب دونالد ترامب. يرى مراقبون بان الصفقة أدخلت توتال في حقل ألغام السياسة الإيرانية.
تتمتع شركة توتال باستقلالية نسبية في صنع القرار عن الحكومة الفرنسية (مع العلم انها تخضع في هيكلتها وقراراتها وسياساتها العامة للدولة العميقة)، وتحركاتها في المنطقة ليست موضع توتر بالنسبة للرياض. من ناحية أخرى، فإن السعوديين حساسون للغاية تجاه المواقف التي يتخذها الإليزيه"، كما يؤكد أحد المطلعين على أوضاع المملكة. بالطبع، الدبلوماسية الموازية للمجموعة، مثل طموحاتها في الخليج، هي جزء من رؤية استراتيجية عالمية. وبدلاً من السعي وراء العقود في الولايات المتحدة، مثل بعض منافسيها الكبار، تفضل توتال الضغط على الإسفنج المصنوع من الذهب الأسود في الشرق الأوسط، والذي يقدم أكثر تكاليف الإنتاج تنافسية في العالم، بأقل من 10 دولارات للبرميل. تتواجد المجموعة في سبع دول في المنطقة، وتراهن بشكل أساسي على الإمارات العربية المتحدة وقطر، ليس فقط لإنتاج النفط ولكن أيضًا لإنتاج الغاز، وهي الطاقة التي يتزايد طلبها العالمي. دخول توتال بنسبة 30% في حقل شاهين، وهو حقل النفط البحري الرئيسي في قطر، والذي بدأ إنتاجه في يونيو 2017، ليس سوى خطوة أولى. وتوقعت المجموعة الفرنسية اتفاقية لتطوير وديعة قطرية أخرى، في حقل الشمال. لكن هذا ليس كل شيء. في المملكة العربية السعودية، حيث يظل الاستكشاف والإنتاج من اختصاص شركة أرامكو الوطنية، أيضا عملت توتال على ترسيخ مكانتها في مجال التكرير بفضل وحدات الجيل الجديد، كما في الطاقة الشمسية، التي أصبحت أحد مجالات تطويرها الرئيسية في المستوى الدولي. "هذان العملان يمثلان ما بين 5 إلى 6 مليارات دولار من العقود المحتملة مع الرياض"، كما يقول وسيط فرنسي قريب من مجموعة النفط.
تجدر الإشارة إلى أنه في هذه الأجزاء أيضًا حاولت شركة توتال مدّ يدها في المفعلات النووية. في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انضمت شركة النفط في الواقع إلى الثلاثي الذري – EDF، GDF-Suez، Areva – في سياق دعوة لتقديم عطاءات بقيمة 20 مليار دولار لبناء أربع محطات للطاقة النووية في الإمارات العربية المتحدة. خسرت المعركة ضد كونسورتيوم بقيادة شركة كبيكو الكورية الجنوبية العامة. "صورة توتال في الشرق الأوسط لم تتضرر بسبب هذا الفشل الذريع، فهي لا تختلف عن صورتها الأقل وضوحًا بالنسبة للصناعة النووية الفرنسية"، كما أورد أحد المحللين فرانسيس بيرين. على أي حال، فإن الذرة خارج أولويات شركة توتال. الذي ربما أنقذه من خسارة المال.
2/ العلاقة بين شركة توتال الفرنسية ولبنان
حوض شرقي المتوسط هو من البقع المهمة في حروب الغاز. تتوزع ثروة الغاز فيه بين مصر وقبرص وفلسطين وسورية ولبنان. وفي حين ان لبنان وسورية يراوحان مكانهما في الاستفادة من الثروة، قامت قبرص والكيان المؤقت بتنفيذ خطوات وتصدّرتا التنقيب عن الغاز في شرقي المتوسط، تليهما مصر. إضافة الى ذلك ثمة شركات عالمية تعمل في شرقي المتوسط، أبرزها ثلاث: ايني الايطالية في مصر وقبرص، وشركة توتال الفرنسية في قبرص، ومجموعة نوبال اينيرجي الامريكية (مع شركة دلاك الاسرائيلية) التي كانت تحتكر حقول الغاز في فلسطين المحتلة وتعمل في قبرص أيضا. وكانت سورية قد بدأت أعمال التنقيب في البرّ وأعلن وزير النفط السوري اكتشاف حقل غاز في قارة في جوار حمص. الا أنّ ما تكتنزه سورية من غاز طبيعي مقابل شواطئ طرطوس يشير الى ثروة واعدة كفيلة بتحويلها الى مصدّر رئيسي للغاز الطبيعي في العالم. وهو ما يراه مراقبون أحد عوامل الصراع المحتدم بين الدول الكبرى على سورية، والاهتمام الروسي بحماية قاعدتها العسكرية في طرطوس للمحافظة على نفوذها ومصالحها الاقتصادية.
ملاحظة: من المهم الإشارة الى الدور الروسي في المنافسة العالمية في مجال الطاقة خاصة في التنقيب على الغاز سواء من خلال دور شركة نوفاتاك الروسية التي تعد من الأعضاء في الكونسورتيوم، وهي من اهم الشركات المنتجة للغاز الطبيعي، والتي لعبت دور أساسي في "تثبيت موقع روسيا" في المنافسة العالمية للطاقة عن طريق المشاركة في توقيع اتفاقيات الاستكشاف والتنقيب الى جانب شركة ايني الإيطالية وشركة توتال الفرنسية مع حكومات ودول منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط. من ناحية أخرى، تساهم روسيا بتحركها في المنطقة عبر مجموعة من الشركات مثل شركة غازبروم ، وشركة روسنفت النفطية، هذه الأخيرة منحتها وزارة الطاقة والمياه اللبنانية في يناير 2019 تصريحًا لإدارة محطة تخزين المنتجات النفطية في مدينة طرابلس لمدة عشرين عامًا.
بعد اندلاع الحرب في الأوكرانية ودخول المنطقة في ازمة كبيرة بسبب تداعيات هذه الحرب، قررت العديد من الشركات الكبرى الانسحاب من الشراكة مع الشركات الروسية بسبب العقوبات الدولية المفروضة على روسيا، مثل شركة BP العملاقة للطاقة الدولية (بريتيش بتروليوم) التي اختارت مغادرة روسيا بعد أن فرضت الدول الغربية عقوبات شديدة على شركاتها وأفرادها في أعقاب اندلاع الحرب الاوكرانية. ذكرت الشركة والتي تعد أكبر مستثمر أجنبي في روسيا، إنها تخلت عن حصتها في شركة النفط الحكومية روسنفت بتكلفة تصل إلى 25 مليار دولار، مما قلص احتياطاتها من النفط والغاز إلى النصف. حذت العديد من الشركات الأخرى حذوها بسبب العقوبات وقررت الانسحاب من الشركة الروسية. طبعا مع الإشارة أيضا هنا الى أن شركة توتال اينيرجي الفرنسية، تمتلك ما يعادل 19.4 % في نوفاتيك، أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في روسيا. وتمتلك 20 % من مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال، بالإضافة إلى 10 % في القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2، المقرر أن يبدأ الإنتاج العام المقبل. لكن يبدو أن أوقفت اعمالها وبدأت بالانسحاب أيضا بسبب رزمة العقوبات الدولية التي عطّلت مشروعها الإنتاجي المشترك مع الروس.
بالعودة الى لبنان، تشير الدراسات والمسوح التي أجريت الى وجود 700 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في المنطقة الاقتصادية الخالصة به . يقول الكاتب كمال ديب بأنها " ثروة واعدة، وبحسب هيئة ادارة قطاع النفط في لبنان فاٍنّ 6.5 ملايين متر مكعب فقط كفيلة بتوفير الطاقة للبنان 24/24 ساعة لمدة عشرين سنة". الا أنّ الوصول الى استثمار هذه الثروة لا يزال معلقا على توقيع اتفاقات تجارية وتوزيع الحصص السياسية.
يشير الكاتب كمال الديب أنه "في العام 2009، بيّنت هيئة الكشف الجيولوجي الامريكية ان شرقي المتوسط يعد بكميات غاز تصل الى 3.5 تريليون متر مكعب. ولكن بعد توسيع البيكار ليغطي الساحل المصري من غزة الى دمياط جنوبا وحتى جزيرة قبرص شمالا، تبيّن أنّ حجم الاحتياطي المقدّر لشرقي المتوسط هو ثلاثة أضعاف التخمين السابق، اي 10 تريليون متر مكعب (353 تريليون قدم مكعب). واعتمادا على معطيات التنقيب والدراسات الجيولوجية تبين ان الاحتياطات في هذا الحوض تقدر ب9.7 تريليون م مكعب من الغاز الى جانب 1.7 او 3.4 مليارات برميل نفط."
يضيف كمال ديب أنه "في البيانات التي صدرت في اذار 2010 عن "الهيئة الامريكية للمسح الجيولوجي" فقد تبين ان مخزون الغاز الطبيعي المكتشف في المنطقة الواقعة بين سواحل سورية الشمالية مرورا بالساحل اللبناني وحتى جنوب فلسطين المحتلة، يقدر ايضا بنحو 3.5 تريليون متر مكعب منها 900 مليون متر مكعب (اي الربع) على الساحل الفلسطيني . كما اكتشف الغاز في عمق الاراضي السورية أيضا، ففي 16 اب 2011 أعلنت سورية اكتشاف بئر غاز في منطقة "قارة" وسط سورية قرب حمص التاريخية بإنتاجية 400 ألف متر مكعب يوميا اي ما يعادل 146 مليون متر مكعب سنويا. وكل هذا يعني ان سورية ولبنان وفلسطين المحتلة تملك ما يكفي من احتياطيات الغاز للاستهلاك المحلي لعشرات السنين، مع احتمال وجود فائض للتصدير حسب الكاتب.
قدر المسح الجيولوجي الأمريكي بمتوسط 107 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج ومتوسط 122 تريليون قدم مكعب من الغاز القابل للاستخراج في مقاطعة حوض الشام باستخدام منهجية تقييم قائمة على الجيولوجيا.يطل لبنان على الحوض الشرقي للبحر المتوسط الذي يتشارك فيه مع سورية وفلسطين المحتلة وقبرص وجزء من ساحل تركيا المتوسطي وجزء من الساحل الشمالي لشبه جزيرة سيناء. وتبلغ مساحة هذا المسطّح المائى 83 ألف كلم مربع. ولقد أجريت مسوحات "سكان" ثنائية وثلاثية الابعاد كشفت عن مخزون طاقة من النفط والغاز في عمق هذا المسطّح. وبدأت الاكتشافات عام 1999 وبلغت الذروة عام 2009 ولمّا تنته بعد، حيث أعلنت اكتشافات اضافية منذ العام 2014. حدد لبنان منطقته الاقتصادية الخالصة وقسّمها الى سبع مناطق متجانسة في التركيب الجيولوجي. وجرى تقييم أولي للاحتياطي المحتمل في هذه المناطق، ثم جرى ترسيم خريطة تفصّل عشر رقع استثمار تسهيلا لإبرام عقود مع شركات التنقيب والانتاج . ويشير خبير الطاقة نقولا سركيس الى أنّ هيئة ادارة قطاع البترول في لبنان قدمت في ايلول 2014 تقديرات المخزون المحتمل بالقدم المكعّب في ثلاث من هذه الرقع. وإذا صحّت التوقعات المتفائلة، فاٍنّ ثروة لبنان من الغاز قد تكون ضعف الاحتياطات على ساحل فلسطين المحتلة والتي يستغلّها الكيان المؤقت ومن هنا جاء احتمال ان يكون دخل لبنان من هذه الثروة هو 300 مليار دولار، ما يفوق بضعة أضعاف الدين السيادي اللبناني البالغ 90 مليار دولار. ويشرح نقولا سركيس أنّ مجموع دخل لبنان المتوقع يتضمن اتاوات من الحقوق وضرائب وازدهار مشاريع البنية التحتية والصناعات والخدمات المرتبطة بصناعة مصادر الطاقة. كان الكيان المؤقت الاسرع في استغلال الاكتشافات، اذ عملت ودون تنسيق مع الدول المجاورة على استغلال حقلين أسمتهما "تامار" و"ليفييثان". الا أنّ الحقل الثاني سبب اشكاليات عدة. فتسييل الغاز لبيعه الى اوروبا احتاج الى منشاة ضخمة من منصات عائمة وتجهيزات التسييل المعقدة وانابيب مكلفة لنقله الى البر حيث تصل الكلفة الى مليارات الدولارات. والاهم ان نصف حقل ليفييثان يقع في المياه الاقليمية اللبنانية. وهذا النصف هو ملك لبنان.
لبنان، ليس دولة ضعيفة يمكن هضم حقوقها وثروتها، بل لديه مقاومة التزمت بإفشال اي خطوة اسرائيلية لنهب الغاز اللبناني. في العام 2010 أعلن وزير الطاقة اللبناني جبران باسيل ان لبنان بات جاهزا تقنيا للتنقيب عن الغاز في البحر بعد ان أثبت مسح بالتقنية الثلاثية الابعاد شمل نصف المنطقة الاقتصادية الخالصة بلبنان، وجود مكامن الغاز والنفط تشكّل ثروة حقيقية له. وقال باسيل "ان لبنان دخل فعليا مرحلة التنقيب على الغاز، وانه جاهز تقنيا لإطلاق تراخيص الاستخراج، وان المسح الذي أجرته شركتان متخصصتان متعاقدتان مع الحكومة اللبنانية شمل نصف مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة، وبيّن وجود مكامن عديدة للغاز منتشرة من الشمال الى الجنوب، وعثر في المنطقة الجنوبية على مكمن غاز سعته 12 تريليون قدم مكعبة. وهذه الكمية، في حال استخراجها، يمكن أن تكفي لبنان لإنتاج الكهرباء لمدة تسعة وتسعين عاما".
وقعت شركة Total Energies اتفاقيتي استكشاف وإنتاج مع الجمهورية اللبنانية للمربعين 4 و9. تم منح هذه الاتفاقيات، كجزء من الجولة الأولى من تراخيص الاستكشاف والإنتاج، التي أطلقتها الحكومة اللبنانية في عام 2017، إلى الائتلاف بقيادة شركة Total Energies التي تعمل كمشغل بنسبة (40%) وشكلت أيضًا رابطا مع ENI الايطالية (40%) وNovatek (20%) كشركاء. تقع الكتلتان على عمق مياه يتراوح من 1400 إلى 1800 متر، مع العلم أن البلوك 4 له موقع مركزي، بينما البلوك 9 يقع في الجزء الجنوبي من البلاد.
وفقًا للمناقصة الدولية، تم التعاقد مع سفينة الحفر Tungsten Explorer، التي تديرها شركة Vantage Drilling، لتنفيذ أعمال الحفر في المربع 4. ووصلت الحفارة إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة في لبنان في 25 شباط / فبراير 2020. مع عمليات الحفر في الاستكشاف الأول تم الانتهاء من البئر في 26 نيسان 2020. ولوحظت آثار غاز تؤكد وجود نظام هيدروكربوني. بناءً على المعلومات التي تم الحصول عليها أثناء الحفر، تعهدت الشركة بإجراء دراسات إضافية لتحليل نتائج البئر ومواصلة تقييم الاستكشاف المحتمل للكتل التابعة للتحالف الذي تشغله Total Energies والمجال البحري في لبنان.
كان الغرض من الحفر هو التحقق من الوجود المحتمل للهيدروكربونات وتم تنفيذه من سفينة متحرّكة، دون تثبيتها في قاع البحر. وقد تم الانتهاء من الحفر على عمق 4076 مترًا وبعمق 1500 متر تقريبًا من المياه. ووقعت على بعد 30 كلم شمال بيروت. لا يسمح بئر الاستكشاف بإنتاج الهيدروكربونات ولكن فقط للتحقق من وجودها وجمع العديد من البيانات الأساسية مثل: الضغط ودرجة الحرارة والنفاذية وتكوين الطبقات الجيولوجية والسوائل الموجودة في الصخر. ستتيح المعلومات التي تم الحصول عليها خلال هذه الخطوة التحقق من وجود الهيدروكربونات.
تماشياً مع أهدافها، قدمت شركة Total Energies EP Lebanon وشركاؤها، بالتعاون مع إدارة البترول اللبنانية، نتائج دراسة خط الأساس البيئي (EEB) التي أجريت في المياه اللبنانية في المربعين 4 و9. تم إطلاق هذه الدراسة في عام 2019 من خلال حملة أخذ عينات للرواسب المائية والبحرية على أعماق تصل إلى 1500 متر. تحدد هذه الدراسة الوضع البيئي للكتلتين، من خلال وصف الحيوانات والنباتات البحرية من حيث التنوع البيولوجي، وتحليل عينات المياه والرواسب التي تم جمعها، وملاحظة التنوع في الطيور. هذه هي الدراسة الأولى التي أجريت في المياه اللبنانية في هذه الأعماق.
في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان والكيان المؤقت بالتحديد، وقع لبنان أول عقد للتنقيب عن الغاز في عام 2018 مع كونسورتيوم دولي، وهو مجموعة توتال الفرنسية (40%)، وإيني الإيطالية (40%)، ونوفاتاك الروسية (20%)، لمدة سنتين للعمل في الكتل البحرية، 4 و9 . بدأت شركة توتال بالتخطيط لإجراء أول حفر استكشافي في عام 2020 ، في الجزء الشمالي من بلوك 9، على بعد 25 كم من المنطقة المتنازع عليها. وأشارت توتال اينرجي بداية إلى أن البحث يخص أقل من 8% من مساحة هذه الكتلة . لتبرير مطالباته البحرية، اعتمد لبنان على طريقة "التساوي في المسافة" المعترف بها في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS). أخطرت بيروت الأمم المتحدة في عام 2010 بمسارها الذي تعتبر المطالبة به شرعية وقانونية.
من جانبه اقترح الكيان المؤقت- غير الموقع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار -1982، ترسيمًا آخر للحدود، بناءً على اتفاقية حدودية وقعها مع قبرص في عام 2010، وعلى اتفاقية بين لبنان وقبرص عام 2007، لكن لم يصادق عليها البرلمان اللبناني أبدًا. في ظل وساطة أمريكية في 2012 اقترحت خطة لمنح 55% من المنطقة المتنازع عليها للبنان و45% للكيان المؤقت. لكن هذا الاقتراح لم يوافق عليه لبنانيا. في عام 2017، بدأت المفاوضات الإسرائيلية اللبنانية تحت رعاية الأمم المتحدة لترسيم الحدود البحرية بشكل غير مباشر. لكنهم فشلوا بسرعة بعد أن قرر الكيان المؤقت بناء جدار على طول الحدود البرية. رجعت المفاوضات بداية من 2019، تحت ضغوط أمريكية كبيرة عمدت الى تسليط عقوبات على لبنان وعلى شخصيات لبنانية بهدف تذليل توجيه الملف لصالح الكيان المؤقت. بدت الرهانات والمفاوضات هذه المرة على شكل "حرب خرائط"، يحاول الطرف اللبناني فيها تثبيت حقوقه البحرية وتحصين ثرواته من الاطماع الإسرائيلية. وبالنسبة للبلوك 4، بدأ لبنان استكشافاته الهيدروكربونية الأولى في البحر الأبيض المتوسط بقيادة شركة توتال، في 27 فبراير 2020. وأقيم حفل رسمي على متن سفينة التنجستن إكسبلورر، على بعد 30 كيلومترًا من الساحل اللبناني.
3/ توتال وقرار الانسحاب من مشاريع الكيان المؤقت
لم تعلن شركة توتال عن موقف رسمي فيما يخص النزاع بين لبنان والكيان حول ترسيم الحدود البحرية، (لا تدوّن المواقف بشكل علني حتى لو كانت صادرة عن جهة رسمية داخل مجموعة توتال، لأنها ترتبط بمجموعة من السياسات والخيارات التي تقودها الدولة العميقة في فرنسا والتي ترتبط بشكل كبير بالسياسات الامريكية)، انما صرّح أحد الخبراء الفرنسيين في مجال الطاقة قائلا" يزعم الإسرائيليون أنهم عثروا على غاز في شمال منطقة كاريش، دون الإشارة إلى طبيعته وكميته". يبدو أنّ توتال اختارت ان تكون بعيدة عن أي نقاش في هذا الموضوع، وعدم الدخول في مواطن النزاع القائم بين طرفين متنازعين تتعامل معهما الشركة منذ سنين كما تتعامل مع جيرانهما، وفضّلت طابع الدبلوماسية المرنة والمحايدة حفاظا على مصالحها في المنطقة كلها، كما اختارت العمل في نطاق المنطقة غير المتنازع عليها بين الطرفين لكيلا تدخل في جدالات لا تراعي مصالحها ومصالح شركائها. وما يؤكد هذا الموقف للشركة تصريح رئيسها باتريك بوياني" ان الاستثمار في هذه المنطقة بات معقدا جدا سواء كان مع إسرائيل او لبنان.. وأضاف أن الحصة ليست عالية (يقصد هنا في الكيان) بما يكفي لقبول المخاطر المصاحبة لها خاصة فيما يتعلق بالمنافسة في المنطقة".
إدراكا منها لحجم المخاطر، تعمد شركة توتال الى الوقوف على مسافة واحدة من كل الاطراف، على الرغم من ان موقفها هذا لم يعجب حكام الكيان المؤقت الذين اعتبروه خطأ استراتيجيا من شركة مهمة وعالمية كتوتال. فقد اعتبر وزير الطاقة في الكيان المؤقت يوفال شتاينتس، الذي لم يخفي غضبه وغضب حكومته، أن رؤية المدير التنفيذي لشركة توتال، باتريك بوياني "مؤسفة للغاية"، بسبب رفضه الاستثمار في الكيان. واتهمها بأنها "متأخرة لعقود، وهي لا تزال تابعة لدكتاتورية واستبداد طهران..."، مضيفا بأننا سنفكر في رد فعلنا على ذلك، لأنه من غير المقبول تمامًا مقاطعة [إسرائيل]" .
بالمقلب الاخر، كان من المقرر أن تكون توتال المستثمر الدولي الرئيسي في إيران بمشروعها لتطوير جزء من حقل غاز بارس الجنوبي، قبل أن تجبر إعادة فرض العقوبات الأمريكية على الجمهورية الإسلامية، المجموعة الفرنسية على تعليق مشروعها. جعلت توتال أيضًا شرق
البحر الأبيض المتوسط أحد المناطق الرئيسية لاستراتيجيتها الاستكشافية، فالمنطقة تحتوي بالفعل على احتياطيات ضخمة من الغاز تحت الماء، لا سيما في المياه القبرصية والمصرية والفلسطينية. وهكذا، اكتشفت توتال مع ENI الإيطالية، احتياطيات مهمة في 2020 قبالة ساحل قبرص، وحققت تقدما في استكشاف حقلين نفطيين قبالة لبنان في 2021 كجزء من تحالف دولي تقوده، بما في ذلك إيني وشركة نوفاتاك الروسية. كما أعلنت المجموعة الفرنسية في 2020 أنها ستعزز موقعها في ليبيا بحصة في حقل الواحة النفطي، وباستثمار يقدر (450 مليون يورو)، لكن ما تعيشه ليبيا من أزمات وصراعات قد يعطل بعض الإنجازات او يبطؤها
يسعى لبنان لمواجهة أطماع الكيان المؤقت وتزويره وخروقاته لجغرافيا لا يملكها، ومع انطلاق مغامرة الغاز الكبرى في شرق البحر المتوسط، بدأ الامر أكثر أهمية وخطورة، توّجته العراقيل والمشاكل المتعلقة بترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. لا شك في أطماع الاحتلال ومؤامراته، كما لا شك في إصرار لبنان بشعبه ومقاومته على استرجاع الحقوق وعدم التنازل عنها. لكن يبقى الامر بكل تعقيداته مرتبطا بمسار طويل من العمل على تحديد هذه الحقوق البحرية بشكل رسمي، حمايتها وتحصينها من أطماع الاحتلال.
في حين أن سوريا عهدت للتو باستكشاف الإمكانات الهيدروكربونية للمنطقة الاقتصادية الخالصة التي تتدفق في المياه اللبنانية – إلى الشركة الروسية كابيتال ، فإن النزاع الحدودي مع الكيان المؤقت يأخذ طابعًا أكثر إلحاحًا وتضاربًا بالنسبة للبنان. يشير مراقبون الى أن الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية، يتعلق بـ 2،290 كيلومتر مربع من المنطقة الاقتصادية الخالصة. الوقت ينفد في لبنان بسبب أزمتها الاقتصادية الكبيرة، وعلى جميع الأطراف اللبنانية رسمية وشعبية إدراك خطورة الوضع، والتنبه أكثر لمؤامرات الاحتلال وضغوطه باتجاه حرمان لبنان من ثرواته البحرية. منذ عام 2019، فقدت الليرة اللبنانية 85% من قيمتها ويعيش أكثر من نصف اللبنانيين الآن تحت خط الفقر. أدى الانفجار الرهيب في 4 أغسطس 2020 إلى حدوث أزمة منهجية طويلة الأمد وأظهر مدى الفساد الذي ينخر في مؤسسات الدولة، مع دين عام تجاوز 90 مليار دولار في نهاية عام 2019، تبلغ نسبة الدين / الناتج المحلي الإجمالي في لبنان 180.7%.
سبب آخر يراه بعض المراقبين أكثر الحاحا، وهو إثبات وجود حقول غاز على السواحل اللبنانية، فقد شرع الكيان المؤقت في التنقيب واستغلال العديد من الرواسب البحرية في منطقتي (ليفياثان، تمار) في فلسطين المحتلة ، بينما في المياه اللبنانية، لم يعرف بعد الى اين وصل عمل الكونسورتيوم بقيادة شركة توتال، التي لا تزال تقف عند مرحلة التنقيب احتسابا للمخاطر القانونية والأمنية على مصالحها ومصالح شركائها الدوليين قائمة على الحدود . حسب سيباستيان روفري تبدو الحاجة إلى حل سريع بتفعيل التفاوض على الحدود البحرية بشكل منفصل عن الحدود البرية، حيث يتنازع لبنان على ما لا يقل عن 13 نقطة. ويضيف الكاتب " ان هذا العامل، انطوى على ترتيبات محددة، اتفاق إطاري للمفاوضات غير المباشرة التي تدار بشكل مشترك من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة، بما تحمل من تعقيدات وضغوط تقودها الولايات المتحدة وتسعى لتوجيه التفاوض لمصلحة الكيان المؤقت على حساب المصلحة اللبنانية. أيضا القيام بكل المحاولات ل"تطويع "حزب الله -الذي لا يزال يرفض حتى الآن- القبول بالتعامل مع الحدود البحرية بشكل منفصل عن الحدود البرية، ويحرص على عدم السماح للأمريكي بتزوير التاريخ والخرائط لمصلحة الكيان المؤقت. بالإضافة إلى المطالبات الإقليمية التي تخدم خطاب "المقاومة"، فإن المسارين متشابكان جغرافياً. مع ما يسمى طريقة "تساوي المسافة"، والتي تبدأ من نقطة الحدود على الأراضي الساحلية، يؤدي انحراف بسيط لبضعة أمتار على اليابسة إلى عدة عشرات أو حتى مئات الكيلومترات المربعة في البحر، وهذه نقطة إشكالية يتهم فيها لبنان الكيان المؤقت بوضع نقطة رأس الناقورة 25 مترًا داخل الأراضي المحتلة.
يعتقد الكثيرون اليوم، وعلى إثر الازمات الدولية المتتالية والمعقدة، سواء تلك المرتبطة بالصراعات والنزاعات في المنطقة، او تلك الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على المستوى الإقليمي والدولي، ان الكونسورتيوم قد لا يصمد، وقد لا يستمر، خاصة بعد الضغوط الدولية، وحملة العقوبات على روسيا، وقرار انسحاب العديد من الشركات العالمية في مجال النفط والغاز من شراكاتها مع الشركات الروسية، تنفيذا لقرار العقوبات الأمريكي على روسيا. من هذا المنطلق، قد ينهار الكونسورتيوم، وتفقد شركة توتال مصدر قوتها وتفاعلها واستقلاليتها في صنع القرار، لتصبح تابعا للإرادة الامريكية وسياساتها ولو على حساب مصالحها التاريخية في المنطقة.
الكاتب: غرفة التحرير