فاجأ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الجميع بالأمس الخميس، خلال خطابه في الذكرى السنوية للشهداء القادة، حينما أطلق معادلة ردع جديدة لحماية لبنان، لكن هذه المرّة ليس في وجه الكيان المؤقت فقط، بل بوجه الإدارة الأمريكية ومن وصفهم بجماعة أمريكا في لبنان أيضاً: الفوضى والانهيار في لبنان، سيقابلها خسارةً لهم في لبنان وحرباً مع الكيان (اليد التي تؤلم الأمريكيين)، بل وعليهم انتظار الفوضى في المنطقة، وانتظار ما "لا يخطر له في بالٍ أو وهم". وكأن السيد نصر الله يريد تأكيد ما سبق له من سنوات أن قاله "هذا عالم لا يفهم إلا بالقوة"، بعبارة أمريكا لا تفهم إلا بالقوة.
فبعد ساعات وأيام برزت فيها الكثير من المؤشرات، التي دلّت على توجه جهات ما في لبنان، نحو إشعال الوضع الداخلي، مستغلّة الانهيار الجنوني في قيمة العملة الوطنية أمام الدولار الأمريكي. أعاد السيد نصر الله الكرة الى الملعب الأمريكي، مهدداً إياهم بهذه المعادلة، التي في حال تحقق مفعولها الردعي، ستكون انتصاراً لا يقل أهميةً عن الانتصارات السابقة، بل سيفوقها. لأن الأمريكي حينها سيكون المرتدع، وليس فقط الإسرائيلي (الباحثة في معهد الدراسات الأمنية "الإسرائيلية" أوريت بيرلوف وصفت الخطاب بالمثير والمقلق، حيث أنها المرة الأولى التي يربط فيها السيد نصر الله بين الإنهيار الاقتصادي في لبنان بالحرب مع إسرائيل). أما في حال عدم تحقق المفعول الردعي، فعندها سيعيش لبنان والمنطقة برمتها، واقع سيناريو "قلب الطاولة" على الوجود الأمريكي ووكيلها الكيان المؤقت.
هذا كلّه ما يمكننا تحليله من خطاب السيد نصر الله، في الكلمة الأخيرة التي قال فيها:
" كلمة أخيرة، إذا كان البعض يخطّط للفوضى، إذا الأميركي يخطّط للفوضى، إذا جماعة أميركا في لبنان يُخطّطون للفوضى ولإنهيار البلد، أنا أقول لهم من الآن، أنتم ستخسرون، ستخسرون كل شيء في لبنان، وأنتم خطّطتم لشيء مشابه في الماضي وخسرتم، والآن ستخسرون، أقول بكل صدق وبكل صراحة البيئة التي تريدون استهدافها من خلال الفوضى ومن خلال التشويه صحيح هي بيئة تتألم، كُلنا نتألم من هذا الواقع، لا أحد يستطيع أن يقول أنه لا يوجد ألم، البيئة تتألم نعم وتعاني وكل الشعب اللبناني يعاني، ولكن من يُراهن أنّ المعاناة وأنّ الألم يمكن أن يدفع هذه البيئة أن تتخلى عن خيارها، عن موقفها الذي هو سلاح، أن تصافح مصافحة اعتراف، أن تتخلى عن الوصية الأساس أمانة السيد عباس، أن تتخلى عن إنجازات دماء الحاج عماد مغنية، يعني أن تتخلى عن مُقوّم أمنها وحمايتها وبقائها ووجودها وشرفها وسيادتها وكرامتها وصون عرضها ومالها وخيرات بلادها هم واهمون. إذا دفعتم لبنان إلى الفوضى ستخسرون في لبنان وعليكم أن تنتظروا الفوضى في كل المنطقة. عندما تمتد مؤامراتكم إلى اليد التي تؤلمنا وهي ناسنا سنمد أيدينا وسلاحنا إلى اليد التي تؤلمكم وهي ربيبتكم إسرائيل. من يتصوّر أننا سنجلس ونتفرج على انهيار وعلى فوضى وعلى منع من الحلول دون أن نحرك ساكنًا هو واهم. انظروا، نحن في موضوع الحدود البحرية والنفط والغاز كنا جاهزين جدّيًّا والعدو أدرك هذا بجدّيّة أن نذهب إلى خيار الحرب، واليوم أقول في ذكرى قادتنا الشهداء الذين نتعلم من إيمانهم وثقتهم وتوكلهم وعزمهم وإخلاصهم وشجاعتهم وثباتهم، من يُريد أن يدفع لبنان إلى الفوضى أو الانهيار عليه أن يتوقع منّا ما لا يخطر له في بالٍ أو وهم، وإن غدًا لناظره قريب".
إشارات رسمية على مشروع الفوضى
في هذا الإطار، كان لافتاً تصريح رئيس الحكومة خلال اجتماع الأمن المركزي اليوم الجمعة، حينما أشار في مستهل الاجتماع الى وجود إشارات ما لمشروع فوضى في لبنان، عبر قوله:
_أوحت الأحداث الأمنية التي حصلت في اليومين الفائتين وكأن هناك "فقسة زر" في مكان ما.
_من خلال متابعتي ما حصل من أعمال حرق أمام المصارف سألت نفسي هل فعلا هؤلاء هم من المودعين أم أن هناك ايعازًا ما من مكان ما للقيام بما حصل؟
وصفة حل عدم انهيار لبنان
وقد سبق معادلة الردع الجديدة، ما يمكننا اعتبارها وصفة حل قدمها السيد نصر الله، للوضع الاقتصادي المتأزم في لبنان، تكون عبر إحياء القطاعين الزراعي والصناعي، والجدية في موضوع النفط والغاز.
وفي الموضوع الأخير، الذي يشكّل أملاً جدياً لعدم انهيار لبنان بل ونهوضه أيضاً، كانت لافتةً رسالة السيد نصر الله التحذيرية، التي دحضت كل الأكاذيب والمزاعم التي طرحها بعض اللبنانيين حول "صفقة الترسيم" ما بين حزب الله والإدارة الأمريكية. فقد أعلن السيد نصر الله عدم القبول إطلاقاً بأي تسويف ولعب أو ضحك على اللحى، الذي سيقابله التسبب بإيقاف الاستخراج الإسرائيلي للغاز من حقل كاريش.
وسريعاً جاء الرد عبر تغريدة لقناة الـ MTV كشفت فيه أن: "توتال أطلقت عدّة مناقصات وضعتها على الموقع الخاص للهيئة الوطنية للبترول إعلاناً منها عن بدء العمل الفعلي في البلوك رقم 9".
ومع تصفح موقع الهيئة الإلكتروني، يتبيّن أن شركة TotalEnergies قد وضعت إعلاناً تقول فيه: "أعلن صاحب الحق المشغل TotalEnergies EP Block 9 عن الخدمات المطلوبة لتنفيذ الأنشطة البترولية في الرقعة رقم 9 في المياه البحرية اللبنانية. على الشركات الراغبة في المشاركة في استدراجات العروض التي سيطلقها المشغل من أجل اختيار الشركات زيارة الموقع المحدد أدناه وتقديم المستندات المطلوبة خلال المهلة المحددة من قبل المشغل". مع الإشارة الى أن المهلة الأقصى محدّدة بالـ 20 من شباط / فبراير الحالي.
وعليه فإن مسار العمل في هذا الملف، سيبقى رهن المراقبة الحثيثة والجدية للشركات من قبل حزب الله، بما لا يتيح أي فرصة للتسويف وإلا عندها سيكون تفعيل معادلة الردع السابقة حتماً.
الكاتب: علي نور الدين