شبكة من الاستحقاقات المالية والاقتصادية الروسية تأثرت بالعقوبات الأميركية- الغربية بشكل مباشر. وتعتبر الديون الخارجية على موسكو إحدى أكبر الاستحقاقات التي تتصدر اهتمامات الولايات المتحدة والدول الأوروبية حالياً، بعد ان قررت الأولى عدم دفع مستحقاتها نتيجة العقوبات التي فرضت على نظامها المالي ما يحول دون إجراء العمليات المالية والتحويلات اللازمة. حيث أكد الكرملين ان "لا أساس للحديث عن ان موسكو قد تخلّفت عن دفع مستحقاتها السيادية بالعملات الأجنبية في الوقت الذي يفرض فيه الغرب عقوبات عليها".
بالنسبة لوكالات الائتمان، فتسودها حالة من الارتكاب، حيث أن قيام روسيا بدفع ديونها المستحقة لدولة ما، وتخلّفها عن تسديدها لدول أخرى، يعني أنها قادرة على سدادها، لكنها تعاني من مشكلة فعلية، وبالتالي من غير الواضح إذا كان عليها تصنيفها على أنها "دولة متعثرة" ام لا، فهي ليست دولة مفلسة، بل يشهد فيها الروبل ارتفاعاً مقابل الدولار بعد ان أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استيفاء أسعار النفط والغاز بالروبل الروسي.
وحسب التصنيفات الائتمانية لهذه الوكالات، تعد روسيا من الحالات "النادرة" التي تكون فيها الدولة تمتلك من الموارد والإيرادات ما يكفي لسداد المستحقات، وهي لم تعلن رفضها لسداد الديون، بل تبدي رغبتها بفعل ذلك، كما تتهم طرفاً آخر بعرقلة إتمام هذا الملف. كما تهتم روسيا -في هذه الحالة- الولايات المتحدة لخلق ما اسمته "التعثر المصطنع".
أسباب تعثّر دفع الديون؟
تسببت مروحة العقوبات المفروضة على موسكو بهذا التعثّر، والتي طالت أولاً تجميد الأرصدة الروسية في الخارج، خاصة أرصدة البنك المركزي، والتي تبلغ حوالي 315 مليار دولار. لا تستطيع موسكو ان تتصرف بها وتسدد بها ديونها المستحقة رغم انها تمتلكها قانونياً.
قبل الأول من أيار/مايو الماضي، كانت واشنطن تسمح لموسكو ان تقوم باستخدام الأرصدة المجمدة لسداد الديون، إلا انها عادت ومنعت ذلك. وهي الخطوة التي وصفتها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية بأنه بمثابة "دفع روسيا نحو التعثّر".
وهنا، كان لموسكو قرار آخر. فهي كانت قادرة على دفع التزاماتها بطريقة أو بأخرى، ودون اللجوء لاستخدام احتياطاتها غير المجمدة، إلا أنها رأت ان عليها استحداث نظام آخر، يقوم على دفع الديون بالروبل. وهو ما قامت به بالفعل عند تسديد دفعاتها في 27 أيار/ مايو الماضي، فهي بذلك لا تعتبر متعثرة، لأنها لم تتجاوز المهلة المحددة، والتي تنتهي عادة بعد شهر من تاريخ الاستحقاق. لكنها تجاوزته فعلياً قبل أيام.
وفي حين، لا يمكن اعتبار روسيا دولة مفلسة، لأنها ليست كذلك، ولديها القدرة على تسديد التزاماتها لو أتيحت لها الفرصة خاصة ان "الدين الروسي يبلغ 40 مليار دولارًا للسندات بعملات أجنبية؛ بينما تمتلك احتياطات بقيمة 640 مليار دولار، وهو ما يعني أن قيمة هذه السندات لا تمثل إلا حوالي 6% من الاحتياطات، ولا يمثل إجمالي الدين الحكومي الروسي إلا ما نسبته 18% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021، وهي نسبة منخفضة جدًا، ولا تمثل شيئا مقارنة بحجم الاقتصاد الروسي الضخم، وهذه النسبة تشمل الديون الداخلية والخارجية معًا"، حسب ما ورد عن جهات رسمية روسية". وبالتالي يمكن وضع هذا الحدث، أي اتهام روسيا بالتعثّر، ضمن المحاولات الغربية المتكررة لضرب سمعة موسكو دولياً، وجعلها تبدو وكأنها غير قادرة على الوفاء بإلتزاماتها وتعهداتها.
الكاتب: غرفة التحرير