مع دخول العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا شهرها الخامس، بدأت الأصوات المناهضة للسياسات الأميركية بالارتفاع، خاصة أن سياسة العقوبات التي فرضتها، طالت بشكل مباشر الدول الأوروبية وأعطت مفاعيل عكسية لم تنجح واشنطن بتلافيها إلى الآن.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، جيه ميرشايمر، وصف الحرب في أوكرانيا بأنها كارثة متعددة الأبعاد، من المرجح أن تزداد سوءا في المستقبل القريب. وقال إنه "عندما تكلل أي حرب بالنجاح، لا يهتم أحد كثيرا بأسبابها، ولكن عندما تكون نتيجتها كارثية، يصبح فهم كيف حدثت أمرا مهما للغاية. ويود الجميع معرفة كيف تم الوصول إلى هذا الموقف المروع".
ويرى ميرشايمر أنه "فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية تعتبر الولايات المتحدة مسؤولة أساسا عن التسبب في هذه الأزمة. ولا يعني هذا إنكار أن بوتين بدأ الحرب وأنه مسؤول عن سلوك روسيا في الحرب. كما لا يعني هذا إنكار أن حلفاء أمريكا يتحملون بعض المسؤولية، لكنهم بدرجة كبيرة يحذون حذو واشنطن بالنسبة لأوكرانيا".
جاء ذلك في محاضرة ألقاها ميرشايمر في معهد الجامعة الأوروبية (EUI) بفلورنسا بإيطاليا، الأسبوع الفائت، تحدث فيها باستفاضة عن أسباب وتداعيات الحرب في أوكرانيا، ونشرتها مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية. ويمكن القول إن الولايات المتحدة دفعت بسياسات تجاه أوكرانيا يعتبرها بوتين وغيره من القادة الروس تهديدا وجوديا، وخاصة هوس أمريكا بضم أوكرانيا إلى الناتو وجعلها حصنا غربيا على الحدود الروسية. ولم يكن لدى إدارة بايدن أي استعداد لإنهاء هذا التهديد بالطرق الدبلوماسية، وأعادت التزامها في عام 2021 بضم أوكرانيا إلى الناتو. ورد بوتين على ذلك بغزو أوكرانيا في 24 شباط/فبراير الماضي.
وعلى حد تعبير ميرشايمر فإن رد فعل إدارة بايدن على اندلاع الحرب اتسم بزيادة الضغط على روسيا. فواشنطن وحلفاؤها الغربيون ملتزمون بإصرار بهزيمة روسيا في أوكرانيا واستخدام العقوبات الشاملة لإضعاف القوة الروسية بدرجة كبيرة. والولايات المتحدة ليست مهتمة جديا بإيجاد حل دبلوماسي للحرب، وهو ما يعني أن الحرب يمكن أن تستمر شهورا إن لم يكن لسنوات.
ولا شك أن أوكرانيا التي عانت بالفعل بصورة خطيرة، سوف تشهد المزيد من الأضرار خلال الحرب. وهناك خطر يتمثل في تصعيد الحرب، حيث من المرجح جر الناتو إلى القتال، ومن المحتمل استخدام الأسلحة النووية. ويمكن القول إننا نعيش أوقاتا محفوفة بالمخاطر.
ومن المحتمل أن تسفر الحرب عن تداعيات كارثية. وعلى سبيل المثال، هناك ما يدعو إلى الاعتقاد أن الحرب سوف تؤدي إلى أزمة غذاء عالمية، من شأنها أن تسفر عن وفاة ملايين كثيرة من البشر. وقال ديفيد مالباس رئيس البنك الدولي إنه إذا استمرت حرب أوكرانيا، سوف نواجه أزمة غذاء عالمية تعد “كارثة إنسانية”.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه قد حدث تسميم كبير للغاية للعلاقات بين روسيا والغرب، ستحتاج سنوات كثيرة لإصلاحها. وفي الوقت نفسه، سوف يؤجج هذا العداء الشديد عدم الاستقرار في أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا. وقد يقول البعض إن هناك أمرا يعد إيجابيا: حيث إن العلاقات بين دول الغرب تحسنت بشكل ملحوظ بسبب حرب أوكرانيا.
ويمكن أن يكون هذا أمرا حقيقيا في الوقت الراهن، لكن هناك تصدعات عميقة تحت السطح. وعلى سبيل المثال، من المحتمل أن تتدهور العلاقات بين دول أوروبا الشرقية ودول أوروبا الغربية مع استمرار الحرب لأن مصالحهما ووجهات نظرهما بشأن الحرب ليست متماثلة.
ومن المؤكد أن الحرب تسببت بالفعل بإلحاق الضرر بالاقتصاد العالمي بشكل رئيسي، ومن المحتمل أن يزداد هذا الوضع سوءا مع مرور الوقت.
وفي ختام محاضرته، قال ميرشايمر إن الحرب الجارية حاليا في أوكرانيا تعتبر بوضوح كارثة هائلة، ستؤدي إلى أن يبحث الكل في أنحاء العالم عن أسبابها. ومن يؤمنون بالحقائق والمنطق سيكتشفون بسرعة أن الولايات المتحدة وحلفاءها مسؤولون أساسا عن هذا الخراب. وكان من المحتم أن يؤدي القرار الذي صدر في نيسان/إبريل عام 2008 بضم أوكرانيا وجورجيا للناتو إلى حرب مع روسيا.
المصدر: ناشونال إنتريست الأمريكية
الكاتب: جيه ميرشايمر