بين استراتيجية العمل الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، عمل الاحتلال منذ بدايته على استراتيجية تفكيك العمل المقاوم وأي عمل مسلح ضده في كل مساحات الفعل، واعتبر أن العمل عليه من خلال دول الطوق هي أشد الخواصر التي يجب استئصالها ضمن رؤيته في تغيير المفاهيم حول الصراع العربي الإسرائيلي إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فبين تلك المحطات التي عمل عليها الاحتلال حينما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تمثل طليعة العمل النضالي الفلسطيني، والمتمثل في اضعافها واستئصالها وانهاء دورها في دول الطوق. يتجلى دور المقاومة الراشدة والتي أصبحت قوية وعصية على الكسر في داخل فلسطين أن تعمل بالخطين معاً خط الطوق وخط الداخل.
أهمية دول الطوق في استراتيجية المقاومة:
ضمن استراتيجيته في التعاطي مع القضية الفلسطينية عمل الاحتلال في عدة مسارات لإنهاء التواجد والعمل خارج فلسطين، مبنية على اعتبار أساسي قائم على التحصين الجيوسياسي لهذا الاحتلال والحد من أي مظهر من مظاهر التهديد الاستراتيجي، والذي بدئه في الأردن واختتم بأحداث أيلول الأسود، التي كانت سبباً رئيسياً بخروج المنظمة، ثم لبنان وصولاً للحرب الأهلية والانتهاء في مجازر صبرا وشتيلا عام 1982م، وصولاً إلي التفكيك والاضعاف في المخيمات، وصولاً لإنهاء وجود الثقل لمنظمة التحرير في لبنان، وهجرتها إلي تونس، حيث الانتشار الفلسطيني حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي انتهى شكل الفعل الذي يسمح للعمل من خارج فلسطين، والذي انتقل إلي داخل فلسطين وأصبحت مساحة الـتأثير عالية ومهمة فيه.
وهنا فإن استراتيجية المقاومة الفلسطينية التي بنت منذ تأسيسها العمل المسلح والمقاوم في الداخل الفلسطيني، وبعد سنوات التراكم الطويل في العمل الذي أصبحت فيه غزة طليعة العمل الوطني والفعل الثوري تجاه الاحتلال حتى أصبحت مصدر الإلهام، فإن هذا التراكم الداخلي ومن منطلق القوة كان يتطلب فعل وتأثير في ميدان العمل مع محور المقاومة حلف القدس الذي تراكمت مساحة لبناته خلال الفترة الماضية والذي هو الآن يصعد ويتسع بقرارات هامة واستراتيجية تحفزها مساحات التشابك ومساحات التهديد المشترك الذي تواجهه قوى المحور لا سيما في الاصطفافات الإقليمية والدولية الحالية، والتي بدأ التلويح فيها بتشكيل ناتو شرق أوسطي يقصد فيه اندماج الكيان الصهيوني عسكرياً في المنطقة الأمر الذي يتطلب تدفق عالي في إطار مواجهة التهديد المشترك وهو الاحتلال الإسرائيلي.
وفي هذا الإطار، فإن زيارة لبنان لا تبتعد عن هذا الخط وهذا المسار الذي تطوره قوى المقاومة، فبين زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، إلي لبنان في العام الماضي والتي كان لها صدى كبير ودور فاعل في بناء الرؤية الاستراتيجية المماثلة بشكل متقارب وبين تواجد ثقل مهم لحركة حماس لا سيما تواجد دائم لنائب رئيس حركة حماس وقائد حماس في الضفة الغربية الشيخ صالح العاروري، في أحد أهم دول الطوق ومراكز الفعل بوجود المقاومة الإسلامية في لبنان، تتقاطع تلك المحاور بتفعيل تلك الجبهات في أكثر من صعيد لمواجهة التحديات الصهيوأمريكية، ومن يتبعها من دول لطالما كانت في خندق الاحتلال دائماً.
المحاور الاصطفافات الإقليمية والدولية:
حيث أن المنطقة الأن تتشكل بمشهد لا لبس فيه ولا غموض في اتجاهات واضحة ومعروفة قائمة على محورين مرتبطين بكتلتين دوليتين على الرغم من التجاذبات والاختلافات، فأمريكا التي تتحرك في هذا التوقيت بتشكيل كتلة مهمة قائمة على حماية مصالحها في الشرق الأوسط والتي برزت أهم تحدياتها بعد الحرب الأوكرانية بأهمية وضرورة تأمين الموارد النفطية وسبل حماية الغذاء من وإلى الشرق الأوسط تحت الإطار التخادمي التي تعمل عليه استراتيجيتها في تأمين مساحات نفوذها وتسكين مناطق التفاعلات، حيث أن أوروبا تعد المنطقة الأولي في دائرة الاهتمام الأمريكي من حيث مركز الثقل في إطار مساحتها الجيوسياسية، وحيث تعمل الاستراتيجية الأمريكية والذي بات معروف في سلوكها تركيزها على خنق التوسع الصيني الذي يصب في دائرة اهتمامها. والتي يعمل الكيان الصهيوني بكل قوته من أجل تركيز وتثبيت مصالحه متجانساً مع دوره في تعظيم هذا الدور الذي يعزز تواجدها في المنطقة أمنياً وعسكرياً واقتصادياً عبر التطبيع الذي كان عنوان ليصبح الأمر أبعد من ذلك بعد اتفاقات أبرهام، والدعوة لـ تشكيل تحالف عسكري في المنطقة ضمن مسارات سابقة وبرامج ممتدة يعمل عليها منذ فترة.
إن المقاومة الفلسطينية تتناغم بأهدافها ومساراتها مع المقاومة الإسلامية في لبنان ضمن هدف استراتيجي مشترك مرتبط بتحرير فلسطين، ولا ينفك هذا الهدف بارتباطه بالجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعمل بشكل أساسي ضمن هدف استراتيجي أيضاً قائم على انهاء الوجود الأجنبي في المنطقة، حيث تعتبر الاحتلال الصهيوني هو ذاك الثكنة العسكرية المتقدمة للمشروع الغربي في الشرق الأوسط، وإن سياسة التحالفات التي تحاول بناءه بعض القوى الإقليمية التي تتشارك في أجندتها مع الرؤية الغربية، والتي تعمل تسلم مفاتيح المنطقة للكيان الصهيوني ضمن اصطفاف واضح بدأ بملف التطبيع، والأدهى من ذلك هو ذلك السلوك القائم على دفع التكلفة وتحمل النفقات مقابل بيع الوهم الذي ننتجه من تلك الأجندات.
إن متطلبات المرحلة التي تعمل عليها قوى المقاومة والتي تصب في الاتجاه الصحيح والذي بات واضحاً فيها الاصطفافات الإقليمية والدولية تتطلب عملاً جاداً في ضرورة تطوير تلك المسارات والمناحي المتعلقة بتقوية وتشابك التحالف الاستراتيجي والالتفاف حول حلف القدس، وفي المساحة الدولية بات يتطلب أيضاً ضرورة التواجد في المحور الموازي للولايات المتحدة الأمريكية لا سيما الصين وروسيا، وما تعمل عليه الولايات المتحدة يصب في الحفاظ على كتلة القوى في الأوسط ومنعها من التدفق نحو الصين والحد من أي فرص لتعزيز التواجد الصيني في المنطقة، لمنع تعاظم دورها. وهنا فإنه وفي إطار تعزيز خط المحور وتفاعله يصبح التواجد في دول الطوق ضمني كمسار في هذا الاتجاه لا سيما مع الجمهورية العربية السورية أو مع لبنان، وهذا يتطلب قرارات جريئة في اتخاذها تجاه تدعيم تلك العلاقات وتطويرها.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: باحث في الشؤون الاستراتيجية والدولية
الكاتب: د. خالد هنية