احتجاجاً على القمع المستمر وانتهاك الحريات والمس بالمقدسات الدينية الذي يمارس بشكل ممنهج على المسلمين في أذربيجان، بدأ زعيم الاتحاد الإسلامي الأذربيجاني المعتقل في سجون النظام الحاج طالع باقر زاده، إضراباً مفتوحاً عن الطعام، برفقة عدد من الناشطين الإسلاميين الذين يتعرضون لشتى أنواع التعذيب وانتهاك مقدساتهم والتعرض للذات الإلهية بشكل متكرر، مؤكداً استمراره في "الإضراب حتى الشهادة" إذا لم تتوقف السلطة عن اساءتها للسجناء وللذات الالهية.
وانضم عددمن الشباب المسلمين المعتقلين في السجون الأذربيجانية إلى الإضراب عن الطعام، وبينهم الشاب جبار جباروف من قرية نارداران، الصحفي بولاد أصلانوف، والناشط في حركة الاتحاد الإسلامي عباس حسين.
لم تكن هذه الخطوة يتيمة أو من قبيل الصدفة، بل هي تأتي ضمن مسار نضالي طويل للمسلمين الشيعة في بلد يشكلون فيه الأكثرية المطلقة بمعدل 85% من عدد السكان البالغ عددهم أكثر من 10 ملايين. والجدير ذكره ان المحاكمات التي يخضع لها المعتقلون تتم بصورة غير علنية، يمنع فيها حضور الناشطين والجمعيات الحقوقية المطالِبة بالعدالة للسجناء إلى قاعة المحكمة أو حتى التجمع خارجاً لمتابعة سير المحاكمات. وقد اتهم عدد من الناشطين المسلمين الأذربيجانيين الذين اعتقلتهم شرطة باكو مؤخرًا بسبب حضورهم في محيط المحكمة حيث يحاكم رازي هماتوف، أحد اعضاء الحركة، اتهموا "عناصر المديرية العامة لمكافحة الجريمة المنظمة التابعة لوزارة الداخلية (Bandotdel) بارتكاب أعمال وحشية وغير أخلاقية".
مايل كريموف أحد الإسلاميين المعتقلين، أشار إلى عدة أساليب تتبعها وحدة الجريمة المنظمة بوزارة الداخلية الأذربيجانية، ومنها الاعتداء الجسدي والجنسي على المعتقلين بكل ما يرافق ذلك من شتائم وتعرض للمقدسات والرموز الدينية للمسلمين.
هذه الاعتداءات لا تقتصر فقط على المعتقلين، بل تمتد مروحتها لتشمل كل المسلمين الشيعة في البلاد، حيث يمنعون من إقامة الشعائر الدينية كإحياء عاشوراء، وارتداء الحجاب في المدارس... إضافة لمنعهم من تأييد القضايا الإنسانية المحقة كوقوفهم إلى جانب القضية الفلسطينية.
وهو ما أكد عليه الحاج باقر زاده بمواقف نضالية استمر بإطلاقها حتى من داخل المعتقل، حيث أشار إلى ان "لا شك أن القدس ستكسر كل غيوم القهر بمقاومتها والزمن ليس ببعيد!".
وحشية النظام الأذربيجاني الذي يدّعي العلمانية، تعود لنفس المدرسة الإسرائيلية المضطهِدة لحقوق الانسان والمنتهكة لكل الأعراف الدولية. وهذا ليس من قبيل الصدفة أيضاً، إنما يعود للعلاقة التاريخية الاستراتيجية بين أذربيجان وكيان الاحتلال المؤقت، وهو السبب الرئيس في اهتمام تل أبيب باستبعاد النشطاء والحقوقيين الأذربيجانيين، وسط دعم متكامل للنظام في باكو.
العلاقات الإسرائيلية- الأذربيجانية
تعود بداية العلاقات السياسية بين كيان الاحتلال وأذربيجان، لاعتراف تل أبيب باستقلال باكو بتاريخ 25 ديسمبر/كانون الأول 1991، لتكون من أولى الدول التي بدأت العلاقات الدبلوماسية معها بعدة أشهر.
موقع أذربيجان -التي تبلغ مساحتها 86,600 كيلومتر مربع- الجيوسياسي بالغ الأهمية، والذي يمتد في منطقة ما وراء القوقاز، والذي جعلها حديقة خلفية لروسيا، إضافة لوجودها على حدود إيران بطول أكثر من 700 كلم، يوفر لـ "إسرائيل" فرصة مهمة يمكن استغلالها بضرب المنشآت الإيرانية، والتجسس وتنفيذ الهجمات السيبرانية. وما يسهل المهمة أكثر وجود عدد من القواعد العسكرية القريبة من الحدود الإيرانية مثل قاعدة "سيتالكي"، البعيدة 500 كلم من إيران، و65 كلم من باكو، مع الإشارة إلى أن المسافة الفاصلة بين "إسرائيل" وإيران تبلغ 1500 كلم تقريباً.
وبهذا الصدد يصف الخبير الأمني الإسرائيلي في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، في نيسان/ ابريل عام 2016، العلاقة بين تل ابيب وباكو بـ "الغرامية"، مشيراً إلى ان "هذا التحالف يزداد قوة على خلفية اندلاع الصراع المتجدّد بين أذربيجان وجارتها أرمينيا حينذاك. كما أوضح أن أهمية أذربيجان في نظر "إسرائيل" تكمن في أنها دولة تطل على بحر قزوين، ولديها حدود مع إيران وأرمينيا وروسيا وجورجيا، وهي أسباب تثير اهتمام "تل أبيب"، فضلاً عن كون أذربيجان دولة مصدّرة للنفط (حيث أصبحت أذربيجان تغطي حوالي 48% من حاجة "إسرائيل" من النفط والغاز، وفق ما أعلن وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن أليعازر). ونقل ميلمان عن تقارير صحافية أجنبية أن أذربيحان تضم قاعدة كبيرة لجهاز الموساد الإسرائيلي، يستغل قربها الجغرافي من إيران لتعقّب ما يحصل داخلها من تطورات".
ويذكر ان حجة الاسلام طالع باقر زاده البالغ من العمر 37 عاماً -الذي اعتقل أول مرة عام 2011 بعد مظاهرة دعا إليها للمطالبة بحرية الحجاب، وأفرج عنه لاحقاً ليعتقل مرة أخرى عام 2013 - أسس حركة الوحدة الاسلامية من داخل سجنه في قبوستان عام 2015.
الكاتب: غرفة التحرير