يصادف اليوم، الذكرى السنوية لاستشهاد رجل من رجالات الدولة الحقيقيين والقلّة في لبنان، الشهيد الرئيس رشيد كرامي، الذي اغتالته الأيدي العميلة للكيان المؤقت والتابعة لميليشيا القوات اللبنانية بقيادة "سمير جعجع"، في الـ 1 من حزيران / يونيو للعام 1987. وهو ما ثبته في حينها المجلس العدلي بحكمه، وروايات الشهود الأحياء (مثل مرافق الشهيد آنذاك العميد جمال مواس)، وعقدة القاتل الدفينة في محاولة طمس الحقيقة واختراع قصص وشهود زور وتخيّل انتصارات وهمية، خصوصاً في مدينة طرابلس الوفية للشهيد كرامي.
وقد كان للشهيد الكثير من المواقف الوطنية والقومية، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر قوله في إحدى المناسبات: "إننا جزءٌ من هذه المنطقة العربية، والكلّ يعلم الظلم الذي يحلّ بنا نتيجة سياسة إسرائيل القائمة على العدوان وعلى التوسّع وعلى الاحتلال".
أما فيما يخص قضية المقاومة وحق الشعب القيام بها فهو الذي قال يوماً: "لأننا ككلّ شعب يتعرّض للاعتداء على أمنه وعلى أرضه وعلى سيادته، لا بدّ له من أن يقوم بواجب الدفاع عن كلّ هذه القيم".
فما هي أهم وأبرز المحطات في مسيرة الشهيد الرئيس كرامي؟
_ ولد في الـ 31 من كانون الأول / ديسمبر من العام 1920، في مسقط رأسه طرابلس شمال لبنان، لإحدى أبرز العائلات السياسية السنية في لبنان. فهو الابن الأكبر لرئيس الحكومة الأسبق عبد الحميد كرامي، أحد رجالات استقلال لبنان عن فرنسا، والذي كان أيضاً المفتي والقاضي الديني الأعلى في المدينة.
_ في العام 1946، تخرج من جامعة القاهرة بدرجة الحقوق، وبعد تخرجه مارس المحاماة في القاهرة لمدة 3 سنوات. ولدى عودته إلى لبنان، أسس مكتب للمحاماة في طرابلس.
_انتخب لعضوية مجلس النواب لأول مرة عام 1951، لملء المنصب الشاغر بعد وفاة والده، واحتفظ بهذا المقعد حتى استشهاده عام 1987.
_ بعد شهر من انتخابه نائباً، تم تعيينه وزيرا للعدل في حكومة الرئيس حسين العويني. وفي العام 1953، عيّن وزيراً للاقتصاد والشؤون الاجتماعية في حكومة الرئيس عبدالله اليافي.
_ تولى رئاسة الوزراء لأول مرة عام 1955، عندما كان يبلغ من العمر 34 عاماً. وقد شغل هذا المنصب 8 مرّات: من 1955 إلى 1956، ومن 1958 إلى 1960، ومن 1961 إلى 1964، ومن 1965 إلى 1966، ومن 1966 إلى 1968، ومن 1969 إلى 1970، ومن 1975 إلى 1976، ومن 1984 حتى شهادته. وكان يتولى بعض الوزارات أيضاً خلال رئاسته للحكومة مثل وزارة المالية، الخارجية، الدفاع، الداخلية، الإسكان، الزراعة، السياحة والإعلام.
_ دائماً ما كانت علاقته متوترة مع رؤساء لبنان، الذين كانوا يعينوه بسبب صلاته السياسية، على الرغم من الخلافات السياسية الجوهرية، فهو كان موهوباً بقيادة المعارضة دون حرق الجسور معهم. وعرف شعبياً بأنه رجل لجميع الأزمات، بسبب ميل رؤساء الجمهورية للجوء إليه، في أوقات الفتنة الوطنية الكبرى أو الاضطرابات السياسية.
_ اتصف بمهارته الكبيرة في ممارسة السياسة، رغم تعقيداتها في لبنان. وبينما كان يتحدث الفرنسية بطلاقة ويجيد اللغة الإنجليزية، إلا أنه تمّيز بأنه كان يصرّ دوماً على التحدث باللغة العربية وعلى أن يرافقه مترجم فوري خلال مقابلاته مع المراسلين الأجانب.
_ كان كرامي من أتباع الوحدة العربية للرئيس المصري جمال عبد الناصر، وكان من المدافعين عن القضية الفلسطينية.
_ أسس كرامي بالتعاون مع فرنجية ووليد جنبلاط جبهة الإنقاذ الوطني، التي كان من أبرز أعمالها الوقوف ضد اتفاق "17 أيار" الاستسلامي مع إسرائيل، الذي قام به رئيس الجمهورية وقتذاك أمين الجميل.
استشهاده
_ في 1 حزيران / يونيو 1987، اُغتيل إثر تفجير المروحية العسكرية التي كانت تقله، وهي في طريقها من قاعدة أدما (الواقعة تحت سيطرة ميليشيا القوات حينها) إلى بيروت. وكان الشهيد كرامي هو الوحيد الذي قُتل في الانفجار، وتم دفنه في مقبرة في حي باب الرمل بطرابلس.
اتهم زعيم ميليشيا القوات سمير جعجع بالمسؤولية عن تنفيذ جريمة الاغتيال، وفي العام 1994 تمت إدانته بذلك، وحكم عليه بالإعدام ثم بالسجن المؤبد، قبل أن يتم إطلاق سراحه عام 2005.
_ اغتياله لم يؤد الى إطفاء نهجه، الذي استمر بقوة مع أفراد عائلته ومحبيه، وعلى رأسهم شقيقه المرحوم الرئيس عمر كرامي، وحالياً نجل شقيقه عمر الوزير السابق فيصل كرامي.
الكاتب: غرفة التحرير