لا يخفى على الكثير منا، وعلى المتابع للأحداث بأن الصراع القائم بيننا وبين الاحتلال الصهيوني مر بمراحل متعددة، بدأت بسكين الأسير المحرر عامر سرحان، مفجر ثورة السكاكين، ابن بلدة العبيدية، حتى وصلت بفضل الله تعالى إلى الصاروخ الأكبر في المدى حتى اللحظة، وهو عياش 250، وما كان هذا التطور العسكري لولا معية الله أولاً، ومن ثم رجال واصلت الليل بالنهار، وما لانت، والكثير من دماء القادة، والمهندسين، أريقت في هذه الطريق لتصل ما وصلت إليه، وبالكثير أيضاً من التدريب، والإعداد، والتجهيز، والمراكمة، لذلك كله وضعت الجماهير فيها الثقة المطلقة، بأن أي اعتداء من العدو الصهيوني على المقدسات سيكون الرد حاضراً من المقاومة، كما كان الرد حاضراً من قبل المقاومة في محطات عديدة لا زالت أسرارها حتى اللحظة طي الكتمان، وما يخرج منها للعلن تحت بند سُمح بالنشر القليل، بما تسمح به الظروف الأمنية، وظروف الميدان.
فالمعركة مع العدو معركة مفتوحة، وعلى كل الجبهات، وبالأشكال التي تحددها المقاومة، وبالتوقيت المناسب الذي يكون فيه الميدان مُهيأً، والاستعداد عال، والنتيجة مُتوقعة سلفاً، والمآلات مدروسة، لذا ما كان سابقاً من اعتداءات، أو استفزازات، أو خلافه واجب الرد عليه، ربما يُصبح في ظرف معين، واجب التريث فيه، لتَغير البيئة التي كانت، ولإنضاج الكثير من الأدوات، التي تساعد في تحقيق الهدف بخسائر قليلة، ومكاسب كبيرة في وقت قصير، فما كان التريث، أو الاحجام عن الرد في هذا التوقيت بالذات إلا لأن المقاومة تحسب لكل ثابت مآلاته، ولكل متغير ظروفه وأسبابه التي أدت إليه، فهي مقاومة مدركة لكل ما يدور حولها، ومحكومة بعوامل ضبط لم تتم صياغتها على عجل، بل بكثير من التجارب، والممارسة.
فما الذي استجد ؟!
بعدما قام العدو الصهيوني صبيحة يوم الأحد باقتحام المسجد الأقصى عبر قطعان مستوطنيه، وقاموا بتدنيسه، وأقاموا فيه طقوسهم التلمودية، واستفزوا مشاعر الفلسطينيين خاصة، والمسلمين عامة كان لزاماً على المقاومة أن تقوم بالرد على كل ذلك الصلف والإجرام، لأنها الجهة الوحيدة التي أخذت على عاتقها الدفاع عن الأرض، والمسرى، وهي العنوان الذي تثق به الجماهير، والذي يحافظ على القضية، حينها قامت المقاومة بمفاجأة العدو، وأيضاً جماهيرها ومناصريها بعدم الرد، وهذا يرجع إلى أسباب كثيرة أهمها بأن مناورة عربات النار التي بدأها العدو الصهيوني في التاسع من أيار/مايو، والتي تحاكي الحرب على أكثر من جبهة، والتي تأجلت العام الماضي بسبب معركة سيف القدس تكون قد شارف أسبوعها الثالث على الانتهاء، فهل من المنطق أن ترد المقاومة، وكل أذرع العدو العسكرية والأمنية مُستنفرة، وميدان المعركة مهيأ، ومُعد مسبقاً من قبل العدو
فما هي المكاسب التي جنتها المقاومة من التريث في الرد:
إعطاء الفرصة إلى محافظات الوطن، وتثوير الجماهير هناك، لأخذ دورهم الريادي في الدفاع عن المقدسات، حيث أن مساحة الفعل الثوري، والعسكري هناك كلما اتسعت، كلما زادت دائرة التأثير على العدو، وكانت الجراح غائرة، فساطور المنفذين صبحي صبيحات، وأسعد الرفاعي بمنطقة إلعاد كانت أقوى من رشقة صاروخية تخرج من غزة في حينها.
الاتصالات لم تنقطع باتجاه قيادة الحركة، وذلك لتبريد الموقف، وإعادة الهدوء خوفاً من رد عسكري من المقاومة، منها الاتصال الأخير على رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية يتحسس موقف الحركة، إلا أنه رفض إعطاء الضمانة مطلقاً بعدم الرد، فالعدو ما زال حتى اللحظة عاجزاً عن قراءة ما يدور في عقل قيادة المقاومة، وبماذا تُفكر، وما شكل الرد الذي ستقوم به المقاومة، وما هي طبيعته، لذلك سيظل العدو مستنفراً لمدة ليست باليسيرة.
الخلافات بين قيادات العدو كبيرة، وعلى أشدها، فبعد أن قامت منظمتا لافاميليا، ولاهافا المحسوبتان على رئيس الوزراء السابق نتنياهو بالإمعان في الاعتداء على المقدسيين، وتأجيج الوضع في المسجد الأقصى لإحراج بينيت، واستفزاز المقاومة للرد، ومن ثم سقوط مدوي لحكومة بينيت، يدرس غانتس حالياً إخراج منظمتي لافاميليا، ولاهافا عن القانون، وتصنيفهما ارهابيتين، مما سيزيد الشرخ بينهم، وربما تؤدي إلى اقتتال داخلي، أو تصفيات، او حرباً أهلية.
وصول العدو الصهيوني لحالة العودة إلى الروتين الطبيعي، وهي حالة حتمية قريبة الحدوث خصوصاً أن كل الجيش منذ 22 يوماً مُنخرط في مناورة عربات النار، حينها ستتوفر الفرصة في وقت معين تقوم بتحديده المقاومة تكون فيه الظروف متوفرة لتحقيق عنصر المفاجأة، ولتثبيت معادلة سيف القدس التي صيغت بالدم في شهر أيار/مايو العام الماضي.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع