لا شك أن للمشروع الصهيوني جذوراً تاريخية في لبنان، وتظهر الأدلة في أي قراءة لمذكرات قادة هذا الكيان المؤقت أو مسؤولي الوكالة اليهودية، وخاصة في مرحلة التحضير لإغتصاب فلسطين، التي تتزامن أيضا مع التأسيس للكيان اللبناني وزمن الانتداب.
سنتوقف عند كتاب "جلوس صهيون والعرب" لالياهو ايلات والذي صدر في تل أبيب عام 1974، وناقش فيها المؤلف موضوعات مختلفة وبعض المشكلات التي تواجه العالم العربي، والجدير بالذكر أن المؤلف شغل منصب مسؤول عن علاقات الدائرة السياسية التابعة للوكالة اليهودية مع الدول العربية. وقد نشر نص محضري الاجتماعين في العام 1937 بين حاييم وايزمان والبطريرك المارونيأنطوان عريضة، والرئيس اللبناني إميل إده.
يقول الياهو ايلات إن اليهود كانت لديهم علاقات وثيقة مع بعض السوريين، كما أنهم لم يهملوا علاقاتهم مع عنصر آخر ذي أهمية كبيرة بالنسبة لهم في المنطقة وهو الطائفة المارونية وزعامتها في لبنان. وكتب ايلات "لقد تفهم رؤساء كنيسة الطائفة المارونية ورئيس لبنان في تلك الأيام اميل اده الاهداف الصهيونية في فلسطين وأيدّوها لأنهم رأوا أن إقامة دولة يهودية في فلسطين تقوية لأمن لبنان السياسي، ومحافظة على مكانته المستقلة حيث تحيط به الدول الاسلامية المعادية لوجوده".
ويضيف:" كانت لنا علاقات وثيقة مع رأس الكنيسة المارونية البطريرك انطوان عريضة واعوانه، وكذلك مع الرئيس اللبناني إميل إده فأقمنا مع الاثنين اتصالات مستمرة". ويسهب ايلات في شرح الافكار المتبادلة في الاجتماعات واللقاء سواء في بكركي مع البطريرك عريضة أو اللقاء مع الرئيس إده.
ونتوقف أمام ما كتبه ايلات عن لقاء مع بطريرك الموارنة عريضة مع أحد القادة الصهاينة وهو دوف هوز، الذي عمل كمستشار في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية. يقول ايلات تحت عنوان: "تقرير على متن سفينة ماركو باولو – تاريخ 2 أيار 1937":
"التقيت ودوف هوز مع البطريرك (عريضة) في غرفته الخاصة ولم يحضر الاجتماع أي شخص غيرنا نحن الثلاثة ومنذ زيارتي للبطريرك في آذار في مقره في بكركي، بدا البطريرك ابن الثمانين هرماً وتعباً من المقابلات الكثيرة التي اجراها، ومن حفلات الوداع التي اقيمت له قبل مغادرته لبنان وفي طريقه الى السفينة في مصر. ومن بين المؤسسات التي اقامت حفلات تكريم على شرفه كانت الجالية اليهودية في بيروت حيث قوبل باستقبال ملكي في الكنيس الرئيس في حي اليهود، وهناك ألقى خطاباً لم يبارك ويمدح فيه الجالية اليهودية في لبنان فحسب وإنما الاستيطان اليهودي في فلسطين. ومما قاله عن اليهود في خطابه: أخوة المصير والاهداف للمسيحيين في لبنان. وقد نشر خطابه على نطاق واسع في الصحف اللبنانية، وتعرض لحملة شديدة في الصحف الاسلامية المعادية للطائفة المارونية ورئيسها" وفق الياهو ايلات.
ويضيف: "قدّمت للبطريرك دوف هوز الذي عبر في بداية حديثه عن تقديره العميق للخطاب الذي القاه البطريرك في الكنيس اليهودي في بيروت وإعجابه به. وخلال الحديث أكد دوف على أنه إذا قامت دولة يهودية في فلسطين بناء على خطة التقسيم التي تعدها لجنة بيل الملكية فيجب ان لا يكون هناك أي حاجز بين اراضي الدولة اليهودية ولبنان. وقال دوف أنه لأمر حيوي بالنسبة الى اليهود والمسيحيين ان يزداد التعاون الوثيق بينهما في جميع المجالات الاقتصادية والتربوية والثقافية والسياسية، لأنه بهذه الطريقة فقط نستطيع أن نقف معاً في مواجهة أخطار جيراننا العدوانية ومطامعهم، للاعتراف بوجود أقليات قومية مستقلة بينهم. وطلب دوف من قادة الطائفة المارونية ان يكونوا على اتم استعداد عند تحديد خارطة تقسيم فلسطين، بحيث تجري المحافظة على مبدأ الابقاء على حدود متواصلة مشتركة بين الدولة اليهودية ولبنان، شرط أن لا تكون هناك مناطق اسلامية تفصل بين البلدين. واقترح دوف على البطريرك ان يطرح هذا الموضوع في جميع لقاءاته التي سيجريها في أوروبا. وبصورة خاصة في لقائه البابا ورئيس الحكومة الفرنسية، على أن يؤكد على أهمية هذه النقطة من وجهة النظر المسيحية اللبنانية. وأضاف دوف قائلاً للبطريرك الماروني أنه يتوجب أيضاً السعي لدى حكومة فرنسا لكي تبذل كل ما في وسعها للتأثير على الحكومة البريطانية بخصوص الحدود المشتركة بين لبنان والدولة اليهودية حين قيامها".
يتبين مما ذكره الياهو ايلات في هذا الجزء من المحضر، الاهتمام اليهودي بالبطريرك الماروني عريضة وبالاتصال الجغرافي والسكني بين الكيان المؤقت ولبنان، دون النظر الى مصير سكان الجنوب، والجدير بالذكر أن ايلات طلب من البطريرك عريضة الحصول على "تأييد الشيعة".. ويقول أنهم كانوا "لا يحبذون النشاطات الاسلامية التي يقوم بها المفتي أمين الحسيني"، علماً أن الشيعة انخرطوا في مقاومة المشروع الصهيوني، كما ذكر أكرم زعيتر في كتابه "الحركة الوطنية الفلسطينية 1935-1939".
الكاتب: غرفة التحرير