بين تاريخي 17 أيار 2022 و17 أيار 1983 فارق زمني يفصل بين لبنان المقاومة والسيادة، وبين لبنان التطبيع والتبيعة الخارجية. فمع استحقاق الانتخابات النيابية عام 2018 ثمّ حالياً في 15 أيار صوّت اللبنانيون لخيار المقاومة وحلفائها، في وقت حاول حزب الكتائب اللبنانية نفض يديه من تاريخه المعروف بالعلاقات مع الكيان الإسرائيلي، والتلطي بلباس "الثورة" و"التغيير" و"الحياد".
حاولت الكتائب قبل 39 عاماً في عهد أمين الجميل تمرير اتفاق تطبيعي عبر الحكومة مع الكيان الإسرائيلي بعد اجتياح قوات الاحتلال العاصمة اللبنانية بيروت. وتضمّن الاتفاق بنوداً أبرزها:
_ إلغاء حالة الحرب بين "البلدين".
_ الانسحاب الإسرائيليّ الكامل من لبنان خلال ثلاثة شهور.
_ إنشاء منطقة أمنيّة داخل الأراضي اللبنانيّة تتعهّد الحكومة اللبنانية بأن تنفذ ضمنها ترتيبات أمنيّة يُتفق عليها في ملحق خاص.
_ إنشاء مكاتب اتصال بين "البلدين" والتفاوض لعقد اتفاقيّاتٍ تجاريّة.
_ امتناع البلدين كليْهما عن الدعاية المعادية للآخر.
_ إلغاء جميع المعاهدات التي تمنع تنفيذ أيّ بند في الاتفاق.
وانعقدت جلسة في مجلس النواب آنذاك للنظر في الاتفاقية حضرها 72 نائبا فيما غاب عنها 19، وجاء التصويت كالآتي: 65 نائباً يؤيدونها، 3 امتنعوا، واحد تحفّظ عليها، و2 عارضاها. في حين كان المجلس فاقداً لمشروعيته الشعبية بعد مرور أكثر من 11 شهراً على انتخابه. وقد قال الجميل "ثمّة مَن يضاهيني رغبة في إنجاح المفاوضات"، وذلك في كتاب "الرئاسة المقاومة" الذي روى فيه سيرة تجربته الرئاسية بين العامين 1982 و1988.
في حديث سابق للنائب السابق نجاح واكيم، قال إن "المفاوضات (بشأن الاتفاقية) لم تجرِ بين لبنان و"إسرائيل،" بل بين الوفد الإسرائيلي والوفد الأميركي. أما عن الوفد اللبناني، فبعض أعضائه...كانوا موظّفين لدى المخابرات الأميركيّة. لم يُعتمد في تشكيل الوفد أيّ توزيع".
بالتزامن مع أجواء المفاوضات، خرجت الى الشارع مظاهرات شعبية رافضة لحرف لبنان عن هويّته، فكان قرار الجميل "سحق كل من يقف في وجه مشروعه" فحرّك وحدات من الجيش اللبناني لتطويق جامع "بئر العبد" في الضاحـية الجنوبية حيث كانت تخرج المظاهرات الاحتجاجية. وخلال الاشتباك سقط الشهيد محمد نجدي. وبعدها، توسّعت حالة الغضب الشعبية وتصاعد حالة المقاومة مع تدخّل ميليشيات الكتائب وتعرّضها لأحزاب المقاومة، واندلعت انتفاضة 6 شباط التي كانت السبب في إسقاط اتفاقية 17 أيار مع الكيان المؤقت وأطاحت بطموحات الجميل.
واليوم مع تطوّر القدرات العسكرية للمقاومة التي باتت قادرة على حماية هوية لبنان وثرواته النفطية وحدوده البرية، ومع تزايد وعي اللبنانيين (من بيئة المقاومة وحلفائها) بالمشاريع الغربية والإسرائيلية التي تتربّص بلبنان، يصبح محسوماً أن اتفاقية 17 أيار - التي لم تبصر النور - سقطت الى الأبد، وأن أي محاولة لسحب البلد نحو ذاك المستنقع تكون المقاومة ومن خلفها الشعب بالمرصاد.
الكاتب: غرفة التحرير