بعد توقف دام لعامين، تحط أولى الطائرات السعودية اليوم على مدرج مطار إسطنبول، قادمة من جدة، وعلى الرغم من ان الإعلان أتى ليربط توقف الرحلات الجوية بين البلدين بوباء كورونا، إلا ان توقيت الخطوة التي أتت بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب إلى السعودية يكشف انها مرتبطة بالقطيعة بعد مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال حاشقجي، قبل 4 سنوات، حيث وصلت العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها.
بالنسبة لخاشقجي، فقد عُرف بإعجابه بشخص اردوغان حيث وصفه غير مرة بالـ "القائد الإسلامي"، غير ان الحقيقة التي ستؤلم خاشقجي حتماً أن الذي نعته بـ "الصديق"، اختار الطريق الأقرب لعودته رئيساً على ما عداه من الاعتبارات الأخرى، وان المفاوضات على قضية مقتله تجري حسب المخطط لها وسط سعي دائم لتذليل العواقب مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
أما بالنسبة لاردوغان، فإن حلمه الرئاسي الذي جعله يرعى بشكل مباشر ما سمي بالربيع العربي، ويدعم جماعة الاخوان المسلمين للوصول إلى سدة الحكم في عدد من البلدان -وهو الأمر الذي زعج الرياض بالدرجة الأولى- ثم توطيد علاقاته مع كيان الاحتلال بشكل متسارع، لن يتركه يتعثّر بأزمات ذات طابع اقتصادي بأغلبها، والتي يمكن للأموال الخليجية ان تخفف من وطأتها.
مجلة "إيكونوميست" قيّمت في تقرير لها تحت عنوان "فوق جسدي"، أول زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية منذ أزمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي. مشيرة إلى ان "تركيا بحاجة ماسة للمال، ولهذا فهي تحاول التودد إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.. إن أول طلب لتحقيق الزيارة كان كنس قضية قتل تحت السجادة وفي 28 نيسان/ أبريل، التقى أردوغان بالأمير محمد في العاصمة السعودية، وعانق الرئيس الأميرَ المبتسم".
وتشير المجلة إلى إن "تركيا التي تعاني من نقص شديد في العملة الصعبة والاستثمار الأجنبي وقلة الموارد من السياحة، تقوم بحملة تركز على إعادة العلاقات مع الأعداء والمنافسين بالمنطقة". لافتة إلى ان " أردوغان أصلح العلاقات مع إسرائيل التي زار رئيسها إسحق هيرتسوغ تركيا في آذار/ مارس. وكذا مع الإمارات التي تعهد حاكمها الفعلي وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد بـ10 مليارات دولار كاستثمارات في تركيا. واختفى الخلاف بين تركيا واليونان حول حقوق بحرية، مع أن اليونان اشتكت في وقت سابق من استمرار خرق الطيران التركي لمجالها الجوي. ويأمل أردوغان بإعادة العلاقات مع مصر وحاكمها عبد الفتاح السيسي الذي اختلف معه بعد انقلاب عام 2013 الذي أطاح بحليف تركيا الرئيس الإسلامي محمد مرسي. وهناك إمكانية لتقارب مع عدوة تركيا القديمة، أرمينيا".
ويتابع التقرير انه "لم تكن تركيا والسعودية صديقتين حميمتين قبل الجريمة، فقد تصادم البلدان أثناء الربيع العربي عام 2011. وعندما فرضت السعودية مقاطعة اقتصادية على قطر، أظهرت تركيا دعمها للبلد الصغير، وأرسل أردوغان قوات إلى القاعدة العسكرية التركية في الدوحة.
وتعتقد المجلة أن التقارب التركي- السعودي له منطقه بالنسبة للطرفين. فقد تصالحت السعودية مع قطر، واعترف أردوغان أن الأمير محمد سيصبح ملكا، رغم الغضب الدولي على مقتل خاشقجي، وفي الوقت نفسه، خفت المشاعر الغاضبة في المنطقة. ولدى تركيا أسبابها الاقتصادية كي تعيد ضبط العلاقة، فقد انخفضت صادراتها إلى السعودية من 3.3 مليار دولار إلى 265 مليون دولار العام الماضي. كل هذا بسبب المقاطعة غير الرسمية للبضائع التركية. وتريد شركات البناء التركية التي حصلت على 15 مليار دولار من السعودية منذ عام 2010، العودة إلى المملكة بعدما حُرمت من العقود.
وتركيا تريد جرعة من النقد بسبب مشاكل العملة والتضخم الذي وصل إلى 61% في آذار/ مارس. فاستثمارات سعودية وعملية مقايضة مع البنك المركزي التركي قد تساعد. وإذا كان التخلي عن قضية الصحافي "المفروم” هو الثمن، فليكن، حسب ما ذكرت إيكونوميست في تقريرها.
الكاتب: غرفة التحرير