أثارت مشاهد اقتحام المستوطنين واعتداء شرطة الاحتلال على المصلين والمرابطين في المسجد الأقصى موجة غضب فلسطينية وعربية من انتهاك حرمة المسجد والمقدّسات. ودفعت بالفلسطينيين الى خوض الاشتباك دفاعاً عن هوية الأقصى ومنعاً لذبح قرابين عيد الفصح اليهودي في باحاته.
وفي مقاله في صحيفة هآرتس العبرية، يقول الكاتب الاسرائيلي اسحاق رايتر أن "ثمن اقتحام قوات الشرطة للمسجد هو ثمن باهظ أكثر من تنازل لمرة واحدة عن زيارة اليهود للمسجد في ذلك اليوم" حيث أن هذه المشاهد تدفع بالفلسطينيين – حتّى أولئك غير المنتمين للفصائل – بتنفيذ العمليات الفدائية.
نص المقال المترجم:
إن قدرة الشرطة على التعامل بنجاح مع ازمات في الحرم وما حوله ترتبط بعاملين. الاول هو معرفة الرواية الاسلامية للمسجد الاقصى. والثاني هو التعلم من درس الماضي. الجولة الحالية من احداث الحرم تدل على أن الشرطة والمسؤولين عنها في الحكومة لم يتعلموا من التجربة، وايضا لا يفهمون الرؤية الاسلامية فيما يتعلق بهذا الموقع المقدس.
من اجل فهم كيف يحدث أن فتاة عمرها 15 سنة من حيفا تشاهد البث من باحات الحرم، وبعد ذلك تأخذ سكين وتذهب لطعن يهودي، يجب معرفة الخطاب الاسلامي التاريخي والحالي بشأن المسجد الأقصى. بعيون اسلامية فان اقتحام الشرطة لباحات الحرم، لا سيما داخل المبنى الذي يقع في جنوب الساحة، هو مثل محاولة للسيطرة اليهودية على المسجد وإبعاد المسلمين من هناك. فالرواية الاسلامية، التي تم تناقلها في الاعلام العربي ومن قبل الزعماء المسلمين، تعرض اقتحام الشرطة للحرم كعملية هدفت الى السماح لليهود بزيارة باحات المسجد الاقصى على حساب حرية العبادة للمسلمين فيها. يوجد في هذه الرواية بعضاً من الحقيقة. فاقتحام الشرطة في الفجر للمسجد، الذي تحصن فيه خلال الليل شباب مسلمون وجمعوا أكوام الحجارة، استهدف السماح بحرية وصول وزيارة اليهود، وخاصة اتباع حركات الهيكل، المعروف أنهم يحجون الى الهيكل بأعداد كبيرة نسبيا في عيد الفصح.
لماذا تحصن المسلمون داخل المسجد؟ بسبب منشور تحريضي استند الى نبأ لمنظمة صغيرة باسم "عائدون الى الهيكل". هذه المنظمة عرضت جائزة مالية لمن ينجح في التسلل الى الحرم مع خاروف أو جدي من أجل تقديمه كقربان في عيد الفصح. هكذا، من زار مؤخرا الحرم لاحظ وجود جهات يهودية متطرفة تحاول استغلال أي فرصة للصلاة واجراء الطقوس دون أن يلاحظ ذلك حراس الاوقاف الاسلامية. كل ذلك تحت رعاية الشرطة التي اهتمت بإبعاد حراس الاوقاف الاسلامية عن مرافقة الجماعات اليهودية، وبهذا خرقت اتفاقات كانت قائمة منذ حزيران 1967.
المسلمون على قناعة بأن اسرائيل تعمل على السيطرة بالتدريج على الحرم مثلما سيطرت، (حسب اعتقادهم)، على المسجد الابراهيمي (مغارة الماكفيلا) في الخليل. هم يرون كل عملية للشرطة في الحرم ويتولد لديهم الانطباع بأن "الاقصى في خطر".
حتى الآن نحن نتحدث عن الرواية. وما الذي لم تتعلمه الشرطة من التجربة؟ في تشرين الاول 1990 نشرت حركة "أمناء جبل الهيكل" بأنها تنوي أن تضع على مدخل باب المغاربة حجر زاوية لمبنى الهيكل الثالث. النبأ انتشر مثل النار في هشيم، فتمترست جموع غفيرة من المسلمين في الحرم ورشقت الحجارة من هناك على المصلين عند حائط المبكى. ردا على ذلك قامت الشرطة باقتحام الحرم بالنار الحية ونتيجة لذلك قتل 17 مسلم.
الشرطة استخلصت الدروس، والدليل على ذلك هو أن الاستعدادات حول البلدة القديمة كانت ناجحة وبدون مصابين. مع ذلك، فإن اقتحام الشرطة المسجد الذي يقع جنوب الحرم أدى الى ضرر كبير. المتحصنون في المسجد أرسلوا مقاطع فيديو تظهر من الداخل رجال الشرطة وهم يقتحمون بالقوة ابواب المسجد مستخدمين قنابل الدخان وقنابل الصوت ويعتقلون المتحصنين. هذه المقاطع التي تنشر في الشبكات الاجتماعية وفي تلفزيونات عربية تؤجج النفوس، وليس من الغريب أنه يوجد الآن بعض المسلمين الذين لا ينتمون الى أي تنظيم والذين قاموا بعمليات ضد يهود، بالضبط مثلما فعلت مؤخرا الفتاة ابنة الـ 15 من حيفا. هذه المقاطع تترك بصماتها لفترة طويلة، ولا أحد يعرف كم ستؤثر في المستقبل على نشاطات إرهابية (مُقاومة) لمسلمين، الذين استشاطوا غضبا من تدنيس المسجد، ضد يهود. أي أن ثمن اقتحام قوات الشرطة للمسجد هو ثمن باهظ أكثر من تنازل لمرة واحدة عن زيارة اليهود في ذلك اليوم.
ألا توجد طرق اخرى للتعامل مع المسلمين الذي تحصنوا في الباحات أو داخل المسجد؟ حسب رأيي توجد. اولا، مجرد اختراق المسلمين والوصول الى داخل المسجد في الليل هو فشل للشرطة وللأوقاف الاسلامية. استنادا الى تجربة الماضي فان قوة الشرطة التي كانت تتواجد حول الحرم كان يجب أن تمنع ذلك. ثانيا، من الافضل ترك المتحصنين ليتم اخلاءهم بواسطة حراس الاوقاف الاسلامية من أجل السماح بإقامة صلاة الظهر. ثالثا، رشق الحجارة على ساحة حائط المبكى يمكن منعه بكل الطرق (مثلا، شبكة صيد تلسكوبية يتم مدها فوق حائط المبكى، استخدام عدة وسائل من سطح مبنى المحكمة الذي يسيطر على الموقع وغيرها)، ومن أجل ذلك لا يجب اقتحام المسجد واشعال العالم الاسلامي لفترة طويلة.
المصدر: هآرتس
الكاتب: غرفة التحرير