لم تأبه القاضية غادة عون بالقرار الصادر عن مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات والذي قضى بكف يدها عن قضايا الجرائم المالية الهامة وتحويلها إلى القاضي سامر ليشع، هذه القضايا التي كانت فتحتها مؤخراً؛ تحديدًا الملف المتعلق بتهريب الدولار إلى الخارج، ودور مصرف "سوسيتيه جنرال" في هذه القضية، وادعت على كل من حاكم المصرف المركزي "رياض سلامة" و"أنطوان صحناوي" إضافة إلى مدير شركة مكتف للصيرفة "ميشال مكتّف".
لم يسبق لأي قاضٍ في لبنان أن ادعى على حاكم المصرف المركزي، إلا أن عون اتخذت قرارًا شجاعًا تحت شعار مكافحة الفساد رغم تشكيك البعض بانتقائية هذا القرار، لكن سلامة تمنّع عن الحضور والمثول أمام القضاء بذريعة "سلامته الأمنية". كذلك الأمر بالنسبة لصحناوي الذي لم يحضر إلى الجلسة التي حددتها عون للاستماع إلى أقواله، ما دفع القاضية عون إلى إصدار مذكرة بحث وتحرٍّ بحق كل من سلامة والصحناوي.
ماذا حصل في شركة مكتّف؟
عون كانت قد تبلغت عند الساعة الواحدة من ظهر أمس قرار القاضي عويدات إلا أنها رفضته ولم توقعه، وتوجهت برفقة مرافقيها وعناصر من القوى الأمنية إضافة إلى مجموعة من المواطنين المنتمين لجماعة "متحدون" إلى أحد مكاتب شركة مكتف للصيرفة في عوكر، من أجل الحصول على المستندات والداتا المتعلقة بأرقام المبالغ التي شحنها لمصلحة مصرف "سوسيتيه جنرال" وغيره من المصارف، هذا التحرك جاء بعد تبلغها بفك الشمع الأحمر عن المكتب، وهي التي كانت قد أصدرت الإشارة بختم المكتب بعد عدم تجاوبهم مع قرارها بحجة "السرية المصرفية"، فاعتبرت أن عدم تعاونهم بمثابة عرقلة لسير العدالة.
ولدى وصولها إلى مقر الشركة في عوكر، حاول وكيل مكتف المحامي ألكسندر نجار منعها من الدخول، مستندًا إلى قرار عويدات، إلا أنها لم تعبأ بكلامه ودخلت بالقوة، لكن اتصالًا من القاضي عويدات أدى إلى بقاءها وحيدة مع مرافقيها، حيث طلب منهم بأمر قضائي من المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا الانسحاب لأن القاضية عون "تُخالف القانون".
انسحبت العناصر الأمنية، إلا أن عون بقيت على موقفها ولم تتراجع، وأمرت بفتح الغرفة التي تتواجد فيها المستندات المتعلقة بالمبالغ التي تم شحنها، فقوبلت بالرفض، واصطدمت ببوابة حديدية، فما كان من مرافقيها إلا أن فتحوها بالقوة، فيما بعد انتقلت القاضية إلى الطابق العلوي في مقر الشركة، وسطرّت محضر ضبط ثم أمرت بإعادة ختمها بالشمع الأحمر لعدم تجاوبهم مع قراراتها للمرة الثانية.
دور شركة مكتّف في تهريب الأموال الى الخارج
لكن من هو ميشال مكتف الذي تلاحقه عون بكل ما أوتيت من قوة؟ هو الصهر السابق للرئيس أمين الجميّل، والمسؤول السابق في حزب الكتائب اللبنانية إلى جانب الوزير الراحل بيار الجميل، فضلاً عن أنه ترشح للانتخابات النيابية الأخيرة على لائحة القوات اللبنانية، أما شركته فتتولى عملية شحن الدولارات النقدية إلى لبنان، سواء من أوروبا أو من الولايات المتحدة الأميركية وتتعامل مع غالبية المصارف اللبنانية التي تحوّل الأموال من الحسابات في لبنان إلى حسابات شركة مكتف في الخارج، فتحوّل الشركة الأموال إلى حساب شركات ومصارف تعطيها أموالاً نقدية بدل الحسابات الموجودة على شاشات الكومبيوتر وفي القيود، ويٌعد مكتّف أحد أهم المتورطين مع المصارف وحاكم مصرف لبنان، بقضية تهريب أموال المودعين الى الخارج بعد حراك 17 تشرين.
هل أساءت القاضية عون للقضاء؟
اعتبر أغلب القضاة قرار القاضية عون تشويهًا لصورة القضاء اللبناني، لكن الشعب اللبناني يدرك أن حال القضاء ليس أقل سوءاً من حال البلاد، وهو مرآة للفساد والاستنسابية والمحاصصة في الطبقة السياسية الحاكمة، انتفض القضاء واعتبر أن ما قامت به المدعية العامة لجبل لبنان هو أمر مخالف للقانون، وقد يكون القرار صحيحًا وقانونيًا؛ لكن من الذي ضغط على مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، هل لأن القاضية عون مسّت بـ "أرباب الفساد" و"مافيا المصارف"، الذين كانوا السبب وراء الانهيار الاقتصادي الذي شهدته العملة اللبنانية منذ نهاية عام 2019.
على الأثر، دعت وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم إلى اجتماع طارىء في الوزارة على خلفية ما حصل في عوكر، وصرحت بعد الاجتماع قائلة"أطلب من هيئة التفتيش القضائي أن تتدخل فورًا وتضع يدها على كامل هذا الملف لأنه "بيكفي بهدلة" والمعالجة لا تتم في الإعلام، إنما في المؤسسات، وأناشد القضاء أن ينتفض على واقعه".
الكاتب: غرفة التحرير