تتزايد الإحصاءات التي ترصد ردود أفعال المستوطنين الإسرائيليين بعد كل مواجهة يخوضها كيان الاحتلال مع الفلسطينيين من جهة ولبنان من جهة أخرى، والتي تعرض حجم الارتفاع في حالات الهلع والخوف والمشاكل النفسية. إضافة للازدواجية التي باتت تحكمهم في مقاربة ما اسمته الأوساط الإسرائيلية "الاحتلال الروسي لأوكرانيا" بالنسبة لما تقوم به "إسرائيل" نفسها في فلسطين، من احتلال وجرائم وفصل عنصري...
صحيفة هآرتس أشارت في مقال لها إلى ان "الاعتراف بأن إسرائيل ترتكب جريمة الأبرتهايد ينتشر في الأشهر الأخيرة أسرع من فيروس أوميكرون. وماذا عن الشعب الإسرائيلي؟ ها هو يرفع أعلام أوكرانيا على السيارات والشرفات ويردد "تحيا أوكرانيا" ويتهرب من النظر في المرآة".
النص المترجم:
لو كان للشعوب علاج نفسي لاحتاج الشعب الإسرائيلي إلى علاج طويل وكثيف، على الأقل ثلاثة لقاءات في الأسبوع. لو بدأ شعب "إسرائيل" بالعلاج النفسي لكانت المعالجة النفسية قد شخصت في العشرين دقيقة الأولى بأن الشعب يعاني من نوع صعب ومتطرف بشكل خاص من عدم الوعي للذات. نصف ساعة وستسجل المعالجة في الدفتر "تشخيص سيء للواقع بشكل متعمد، متلازمة قاتلة من التلاعب الذاتي".
عدا عن ذلك، لن يكون بالإمكان فهم التناقض الكامن في رد جمهور حساس وغاضب (وبحق) من قبل الشعب الإسرائيلي على الاحتلال الروسي لأوكرانيا، الذي يشمل مشاهد تضامن مع الشعب الواقع تحت الاحتلال، في الوقت الذي يفرض هو نفسه أحد الاحتلالات الأكثر وحشية واستمرارية في العصر الحديث على ملايين الفلسطينيين. كيف يمكن التوفيق بين الإجماع الإسرائيلي النادر المؤيد لنضال الشعب الأوكراني من أجل الاستقلال والحرية، والموقف الذي يتراوح بين تأييد متحمس ولامبالاة باردة في كل ما يتعلق بترسيخ وتعميق نظام القمع الإسرائيلي على فلسطين؟
المراسلون في القنوات الإسرائيلية الذين يغطون الحرب، والمذيعون والمذيعات للنشرات الإخبارية يعبرون جميعهم بشكل جيد عن مشاعر الجمهور الإسرائيلي، في الوقت الذي يصابون فيه بالرعب، بصورة مسرحية أحياناً، من الصور القادمة من أوكرانيا؛ تدمير البنى التحتية والأضرار التي لحقت بالأهداف المدنية، ومن موجة اللاجئين التي تغرق الدول المجاورة، ومن تدمير أسس مدينة الميناء ماريوبول، وبالطبع من توقع الحياة تحت الاحتلال الروسي، والمس المؤكد بحرية التعبير وإلغاء الحريات المدنية، وسحق أي فرصة لديمقراطية ناجعة يشارك فيها الجميع في الإجراءات التي تضع المعايير والسياسات. فظيع، أليس كذلك؟
هكذا هو الأمر، ففحص الواقع بشكل سليم سيخلق في النفس الإسرائيلية التناسب المطلوب. مشاهد المباني السكنية التي تتعرض للقصف بالصواريخ تذكر بالضبط بعملية "الرصاص المصبوب" و "عمود السحاب" و "الجرف الصامد" و"حارس الأسوار" وعمليات أخرى دموية. في عملية "الجرف الصامد" قصفنا أكثر من 15 ألف مبنى في القطاع. هدمنا ثلثها بشكل كامل أو تضررت بشكل كبير، بما في ذلك مرافق صحية وتعليمية، ومبان سكنية. وهذا أيضاً ما يقوله الروس؛ يقولون بأن الأوكرانيين يخبئون الذخيرة في المستشفيات والمجمعات التجارية، أو يطلقون النار منها.
هذا متشابه إلى درجة أنه يمكن القول بأن بوتين قد جعل ماريوبول غزة. في الوقت الذي يتم فيه استقبال التقارير من موسكو، التي تتحدث عن تجريم ديكتاتوري للاحتجاج الروسي، بتلطيخ شفاه ليبرالي وإعلان وزير الدفاع عن ست منظمات فلسطينية لحقوق الإنسان والمجتمع المدني بأنها إرهابية بدون أي دليل. وإثبات هذه التهمة الفاضحة (للعلم: أنا أمثل إحدى هذه المنظمات) يمر بصمت كامل.
إلى أي خلية مغلقة في العقل الجماعي الإسرائيلي أدخلنا حقيقة أنه لسنا بحاجة إلى البث عبر الأقمار الاصطناعية لرؤية لاجئين، الذين على بعد بضعة كيلومترات يعيش مئات الآلاف منهم تحت سيطرته المباشرة وفي الدول المجاورة ملايين أخرى، جميعهم نتاج النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني؟
في الأسبوع الماضي، كان البروفيسور في القانون الكندي مايكل لينك، الذي يعمل كمبعوث خاص للأمم المتحدة للإبلاغ عن وضع حقوق الإنسان للفلسطينيين في المناطق المحتلة، قد نشر تقريراً جاء فيه أن "إسرائيل" تفرض نظام أبرتهايد على الفلسطينيين. أهمية هذا التقرير، الذي يأتي بعد كومة من تقارير لمنظمات حقوق إنسان في "إسرائيل" مثل "يوجد حكم" و "بتسيلم" ومنظمات دولية مثل "أمنستي"، التي نشرت في السنتين الأخيرتين، والتي تتهم جميعها "إسرائيل" بارتكاب الجريمة التي ادعت المنظمات الفلسطينية بارتكابها منذ سنوات، هي أن هذه التهمة خرجت من المجتمع المدني وبدأت في غرس أوتادها في مؤسسات دولية.
رد "إسرائيل" البافلوفي بأن لينك شخص مناهض لـ "إسرائيل" وأن تقريره منحاز، لم يعد يغضب أحداً. هو يؤكد فقط على غياب رد موضوعي على التهمة، وهو يثبت أن وزير الخارجية الإسرائيلي أيضاً يعرف (لكنه يخفي) أن واقع السيطرة على شعب آخر وقمعه، عندما يسري قانون على اليهود وقانون آخر على الفلسطينيين، وعندما تكون جميع الموارد، خصوصاً الموارد الأرضية، مخصصة لليهود فقط وعلى حساب الفلسطينيين، وعندما يكون لهؤلاء حقوق سياسية ولا توجد مثلها لأولئك، وأن كل ذلك يحدث في نظام لم يعد بالإمكان القول بأنه مؤقت هو واقع أبرتهايد، وأنه لا يوجد أي ادعاء دفاعي ينقذه، وأن كل ادعاءات الدفع بالغيبة التي طرحت قد تم تقويضها.
الاعتراف بأن "إسرائيل" ترتكب جريمة الأبرتهايد ينتشر في الأشهر الأخيرة أسرع من فيروس أوميكرون. وماذا عن الشعب الإسرائيلي؟ ها هو يرفع أعلام أوكرانيا على السيارات والشرفات ويردد "تحيا أوكرانيا" ويتهرب من النظر في المرآة.
المصدر: هآرتس
الكاتب: ميخائيل سفارد