خلال 10 أيام من بدء العملية الروسية في أوكرانيا، قدم الغرب كل بيانات التضامن والاستنكار وفرض على موسكو عقوبات طالت حتى القطط والرياضة وافلام Netflix. لم تدمر روسيا منشآت مدنية في أوكرانيا، لم ترتكب المجازر ولم تمارس الاضطهاد والفصل العنصري وتطالب الشعب الأوكراني بالرحيل. لكن كياناً مصطنعاً يرتكب أشنع الجرائم على مدى أكثر من 60 عاماً على أرض فلسطين، لم يستحق بنظر هؤلاء أي بيان ادانة أو عقوبات. هذه المقاربة، حضرت أيضاً في عمق كيان الاحتلال، حتى أن الأوساط الإسرائيلية خاصة الإعلامية والصحفية التي تواكب الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين والضفة الغربية وغيرها، تحدثت عن ازدواجية المعايير الغربية وعن دائرة المصالح الأميركية التي تفضل حقوق الانسان والقوانين الدولية حسب أجندتها.
صحيفة هآرتس العبرية اشارت في مقال لها إلى ان "ما يطلبه الفلسطينيون منذ خمسين سنة نفذه الغرب بسرعة في أوكرانيا"، معتبرة ان "القانون الدولي أمر جيد للمحاضرات. أي مبادرة إلى خطوة مهمة في الأمم المتحدة، خصوصاً في مجلس الأمن، تواجه بالفيتو الأمريكي، وأي مشروع قرار إدانة أو دعوة لفرض عقوبات يواجه بالاتهام باللاسامية".
النص المترجم:
تتابع القيادة الفلسطينية تطورات الساحة الأوكرانية، مع عض الشفاه. "هذا وقت الصمت"، قال لي مصدر فلسطيني رفيع. "أي تصريح أو موقف سيكلفنا ثمناً باهظاً. من جهة، لماذا نغضب الولايات المتحدة والغرب، ونحن بحاجة إلى مساعدتهم الاقتصادية. من جهة أخرى، لماذا نفتح جبهة مع الروس وبوتين".
ولكن رغم صمت رام الله وغزة أيضاً، فإنهم لا يخفون خيبة أمل وإحباط من رسائل المجتمع الدولي المزدوجة. صحيح أن الادعاء بشأن رسالة مزدوجة، بالأساس تجاه أمريكا وأوروبا، ليس أمراً جديداً، ويطرح في كل أزمة دولية التي يتدخل فيها الغرب ضد عدوانية ديكتاتورية، لكن قصة أوكرانيا تبرز الصورة بشأن مواجهة الفلسطينيين مع الاحتلال الإسرائيلي.
إن ما يطلبه الفلسطينيون منذ خمسين سنة نفذه الغرب بسرعة في أوكرانيا: الوقوف أمام دولة عدوانية واحتلالية، وفرض عقوبات اقتصادية، وإغلاق المجال الجوي أمام رحلات الطيران، وخطوات مقاطعة فورية في مجال الرياضة والثقافة… خطوات اتخذت وطبقت في سبعة أيام. حتى السلاح والذخيرة سيصل إلى الأوكرانيين، ولم نتحدث بعد عن مساعدة استخبارية وتكنولوجية التي يمكنها أن تتعب الروس وبوتين.
في المقابل، المطالبة بتطبيق قرارات مجلس الأمن وقرارات المجتمع الدولي لصالح الفلسطينيين تظهر مثل نكتة قديمة. القانون الدولي أمر جيد للمحاضرات. أي مبادرة إلى خطوة مهمة في الأمم المتحدة، خصوصاً في مجلس الأمن، تواجه بالفيتو الأمريكي، وأي مشروع قرار إدانة أو دعوة لفرض عقوبات يواجه بالاتهام باللاسامية، "هدية للإرهاب" وتخريب احتمالات الدفع بخطة الدولتين قدماً.
كثير من الفلسطينيين يؤيدون بوتين، ليس بسبب دعم الديكتاتورية أو لسادية كشعب واقع تحت الاحتلال، بل نظرة منه بأن العالم "المتنور" لا يتبنى العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، بل يتصرف حسب مصالح اقتصادية وأمنية. إذا كنت قوياً سنتحدث، وإذا كنت ضعيفاً فسنسحق، هذه هي المعادلة.
في رام الله لا يحتاجون الذهاب بعيداً حتى الكرملين لإحضار الأدلة. يكفي الوصول إلى مكتب يحيى السنوار في غزة، الشخص الذي اعتبرته الرواية الإسرائيلية زعيم منظمة إرهابية قاتلة يحظى بصدى أقوى من كل الطاقم الذي يرتدي ربطات العنق التابع لمحمود عباس في المقاطعة. إسرائيل استثمرت جهوداً استخبارية وعسكرية في غزة مثلما لم تستثمر في الضفة الغربية طوال السنين. أي إطلاق من غزة يثير الرأي العام، تهديد "غوش دان" من الجنوب أكبر بكثير من التهديد الذي تتعرض له من المنطقة الواقعة خلف الجدار على بعد بضعة كيلومترات شرقاً.
منذ ربع قرن والقيادة الفلسطينية، بالأساس عباس، اختارت "الطرف الجيد". وقد تبدل أربعة رؤساء في أمريكا، على الأقل ثلاثة منهم كانوا يؤيدون حل الدولتين، ولكن الحلم يتبدد. أي تسوية تستوجب استعداد الطرفين، ها هي تتحطم أمام العدسات في هذه الأيام.
خطاب بايدن قبل أسبوع ضد احتلال شعب آخر وضد عدوان روسيا، يمكن للفلسطينيين تبنيه بسهولة، لكن الجميع يعرفون أنه لن يحدث شيء هنا. العالم الذي يتأثر من صور اللاجئين البيض الذين يسيرون نحو حدود دولة مجاورة، بقي غير مبال إزاء امرأة ذات بشرة داكنة تضع غطاء على رأسها وتسير بين الأنقاض في غزة. هذه رسالة أدركها الفلسطينيون، بالأساس جيل أوسلو، الجيل الذي ولد على حلم السلام قبل ربع قرن وما زال ينتظر المجتمع الدولي.
المصدر: هآرتس
الكاتب: جاكي خوري