كتب الأديب العربي نزار قباني مقالا قال فيه: "بعد ألف سنة سيقرأ الأطفال العرب الحكاية التالية، إنه في اليوم الحادي عشر من شهر آذار 1978 تمكن أحد عشر رجلا وامرأة من تأسيس جمهورية فلسطين في داخل أتوبيس ودامت جمهوريتهم 4 ساعات، لا يهم كم دامت هذه الجمهورية... المهم أنها تأسست"، وجاء المقال في وصف عملية نوعية حيث استطاعت مجموعة من حركة فتح تنفيذها في عمق الكيان الإسرائيلي المؤقت في "تل أبيب".
فرَدّاً على اغتيال اسرائيليين لقادة ثلاث من الحركة هم كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار في لبنان عام 1973، واستمرار تعرّض المخيمات الفلسطينية للانتهاكات، تمّ تشكيل مجموعة "دير ياسين" بقيادة الشهيدة دلال مغربي، ابنة العشرين عاماً، لتنفيذ عملية "كمال عدوان" التي وضع خطتها الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد – أحد مؤسسي "فتح" وجناحها العسكري). وقامت الخطة على أساس تنفيذ إنزال على الشاطئ الفلسطيني المحتل والسيطرة على حافلة عسكرية والتوجه الى "تل أبيب" لمهاجمة مبنى "الكنيست".
سير العملية
بتاريخ 11/3/1978 أبحرت المجموعة من الساحل اللبناني نحو الساحل الفلسطيني، ونزلت على الشارع العام المتجه نحو "تل أبيب" دون أن يتمكن الإسرائيليون من اكتشافها.
وبعد الوصول الى شوارع "تل أبيب"، استولت المجموعة على حافلة تقلّ جنوداً، وحينها قالت دلال للجنود "لا نريد قتلكم، نحن نحتجزكم فقط كرهائن لنخلص إخواننا المعتقلين في سجون دولتكم المزعومة من براثن الأسر، نحن شعب يطالب بحقه في وطنه الذي سرقتموه". وبعد اكتشاف قوات الاحتلال العملية أثقبوا إطارات الباص، ودارت الاشتباكات بين المجموعة والقوات ما أدى الى استشهاد ستة من المجاهدين، لكن الاحتلال تحمّل الخسائر الأكبر حيث أدّت العملية الى قتل 37 جندياً وإصابة أكثر من 87 آخرين.
وعلى إثر هذه الخسائر قامت حكومة الاحتلال بتكليف فرقة خاصة من الجيش بتدمير الحافلة وقتل واعتقال من فيها - دون مبالاة بالجنود الأسرى -، واضطر جيش الاحتلال الى استخدام الطائرات والدبابات لمحاصرة المجاهدين، ما دفع دلال الى تفجير الحافلة فأسفر ذلك عن قتل الجنود الإسرائيليين الذين كانوا فيها.
وبعد أن فرغت ذخيرة المجموعة استغل الجيش الأمر وأصدر الأوامر باستهداف المجاهدين بالرشاشات فاستشهدوا جميعا.
المناضلة دلال المغربي
دلال المغربي، مواليد مخيّم "صبرا" في بيروت عام 1958 لأم لبنانية وأب من مدينة يافا لجأ إلى لبنان في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي لفلسطين عام 1948، وكان من المناضلين الذين قاتلوا إلى جانب القائد السوري الشيخ عز الدين القسام في معركة "القسطل"، واعتقل من قبل سلطات الانتداب البريطاني.
انضمت المغربي إلى صفوف الثورة الفلسطينية والى حركة "فتح"، وهي على مقاعد الدراسة، وخضعت للعديد من الدورات العسكرية والدروس في حرب العصابات، وتدربت على مختلف أنواع الأسلحة، واستطاعت دلال اجتياز الدورات بجرأتها وشجاعتها.
وبعد العملية، طالب حزب الله بجثمانه في صفقات تبادل الأسرى مع الكيان الإسرائيلي، لكن فحوص الحمض النووي أظهرت عدم إعادة الجثمان، ليبقى محتجزاً لدى الاحتلال في ما يسمى "مقابر الأرقام".
الكاتب: غرفة التحرير