المتابع لملف الانتخابات النيابية في لبنان والتحضيرات الجارية لها يرصد ان القوات اللبنانية كانت "تُمني نفسها" ان تحصد الكتلة المسيحية الاكبر، وان "ترث" تكتل لبنان القوي(كتلة التيار الوطني الحر)، وان يشكل ذلك المدخل لوصول سمير جعجع الى قصر بعبدا الرئاسي.
حاولت القوات خلال الفترة الماضية ركوب موجة "الثورة" ورفعت شعارات انها ليست من السلطة الحاكمة وانها ضدها، كما عملت القوات على الإيحاء (عبر جوقة من إعلامييها وسياسييها) بإمكانية استقالة نوابها من المجلس النيابي في محاولة لرفع منسوب شعبيتها وانها ضد الفساد وتريد التغيير، ورفعت في هذا الاطار مطلب إجراء انتخابات رئاسية ونيابية مبكرة وحاولت بشتى السبل تدويل الازمة اللبنانية، مرجحة ان هذا الامر يفيدها ويرفع من رصيدها في الداخل والخارج، وقد سارعت القوات ورئيسها لاستغلال انفجار مرفأ بيروت للمطالبة بلجنة تحقيق وقضاء دوليين كما حصل في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري واستغلال ذلك في السياسة و"تسييله" بالانتخابات المقبلة.
ولكن مع بدء اقتراب موعد الانتخابات وشروع الاحزاب بتحريك ماكيناتها الانتخابية وحشد جمهورها، بدأت ملفات الانتخابات والشعارات التي ترفعها القوات توضع تحت مجهر البحث والتدقيق، ليتبين ان حجم القوات التمثيلي ليس بحجم كتلتها النيابية التي أعطيت أكبر من حجمها الحقيقي والواقعي، حيث تم نفخ هذه الكتلة اكثر من الواقع بفعل العلاقات والتحالفات السياسية والانتخابية التي كانت قائمة خلال الانتخابات الماضية.
والواقع ان للقوات كتلة ناخبة تمكنها بالحصول على 10 نواب بقوتها الذاتية، لكن نتيجة التحالفات مع تيار المستقبل ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وبعض الشخصيات المستقلة في عدة أقضية، ارتفع عدد نوابها الى 15، علماً ان ماكينة القوات الاعلامية والسياسية كانت في الفترة الماضية تدّعي ان بامكانها الحصول على كتلة من 20 نائباً واكثر وان كتلتهم ستكون الاكبر والاقوى مسيحيا.
واليوم "ما زاد الطين بلة" بالنسبة لوضع القوات الصعب هو خروج سعد الحريري وتيار المستقبل من السباق الانتخابي ناهيك عن الخلافات الواضحة بين جعجع والحريري، ما يؤكد عدم تجيير الأخير أصواته وأصوات تياره لصالح القوات وجعجع الذي استفز قيادات المستقبل وجمهوره عندما تحدث عن وراثة "السنة" في لبنان، وما يزيد من صعوبة موقف القوات هو ضيق الوقت حتى تاريخ إجراء الانتخابات في 15 أيار/مايو المقبل.
والوضع الحرج للقوات لا ينحصر في دائرة واحدة وانما ينسحب على عدة دوائر من الشمال الى بيروت وصولاً الى الشوف مروراً بالبقاع الاوسط والشمالي، ما سيؤدي الى خسارة القوات عدة نواب، كل ذلك يضاف إلى العلاقة المتذبذبة والثقة المهزوزة بين جعجع وجنبلاط على الرغم من الحديث عن العلاقة الانتخابية التي تجمعها بحكم الضرورة.
ومن شبه المؤكد ان القوات ستخسر نواباً في عكار وبيروت والبقاع الشمالي، وربما في منطقة زحلة وايضاً في جبل لبنان، لذلك فالقوات ستعمل كل جهدها كي تبقى على الكتلة الحالية التي لديها حاليا أي 15 نائبا، خاصة ان الاستطلاعات تظهر ان التيار الوطني الحر هو الأقوى على الساحة المسيحية، وكل ما قيل ان "الكتائب" وجمعيات "المجتمع المدني" ال NGOs وبعض الشخصيات المستقلة ستأخذ من حصة التيار الحر ليس دقيقا، فهؤلاء في الانتخابات المقبلة سيزاحمون القوات بالعديد من الدوائر، ويأخذون من حصتها في الساحة المسيحية، ما سيؤدي حتما الى إضعاف كتلة القوات، ومجمل الفريق الذي يعتبر نفسه خصما للمقاومة وحلفائها.
ولذلك كل ما فعله جعجع في الفترة الماضية من بيع مواقف للسعودية ولاميركا هو فقاعات إعلامية وسياسية اكثر منها واقعية، خاصة ان الجميع أدرك ان جعجع يريد فتح جبهات داخلية وإثارة الفتن الطائفية والمناطقية بهدف رفع رصيده السياسي والانتخابي ولو كان ذلك على حساب الوطن واللبنانيين، ولذلك رفض الجميع مجاراة جعجع بمن فيهم جنبلاط والحريري، لان لا أحد يريد تحمل مسؤولية ما يحصل، خاصة ان موازين القوى الداخلية لا تتيح الدخول بصراعات لتحقيق انتصارات لجماعة السعودية واميركا في لبنان، مع التأكيد ان كل التجارب أظهرت ان اميركا لا تقاتل عن أحد بل تدفع بأدواتها للحروب والصراعات وتتركهم وتتخلى عنهم في خضم المعركة كما فعلت مؤخرا مع اوكرانيا وقبلها أفغانستان، فهل يتعظون!.
الكاتب: غرفة التحرير