كان لافتا للانتباه تناول الاعلام العربي لقضية المعارض الروسي أليكس نافالني في عام 2020 بحيث كانت وسائل الاعلام الرئيسية (الجزيرة ،العربية ،سكاي نيوز عربي ) تعتبرها القضية الرئيسية في نشراتها وتغطياتها وبرامجها الرئيسية، وكان لافتاً أيضا ان وسائل الاعلام العربية هذه اضافة الى الصحف الاكثر انتشارا تتبنى الرواية الغربية حول نافالتي بدون حتى أن تكلف نفسها عناء البحث عن الحقيقة، باستثناء بضعة وسائل لبنانية تدور في فلك المقاومة، ووسائل في المغرب العربي والاعلام السوري.
كانت هستيريا نافالني تجتاح وسائل الاعلام العربية بدون تدقيق أو تمحيص، وتناسى الاعلام العربي على مدى أيام كثيرة كل القضايا الرئيسية للعالم العربي وأصبحت قضية نافالني قضيته المركزية!
وعلى الرغم من المصالح العربية الروسية وحجم الاتفاقيات بين الاتحاد الروسي وبلدان عربية كثيرة، وعلى الرغم أن روسيا لم يكن لها تاريخ استعماري في المنطقة العربية، ووقفت في مفاصل عديدة على مدى سنين طويلة الى جانب القضايا العربية، الا أن ذلك لم يحسب في ميزان الاعلام العربي، ولم يشفع ذلك لموسكو امام هذه الوسائل التي كانت تنظر بعيون الغرب وتتكلم بلسانه.
المقدمة السابقة تحيلنا الى التغطية الحالية التي تقدمها وسائل الاعلام العربية للأزمة الاوكرانية حيث يتضح من اللحظة الاولى تبني المحطات الكبرى الممولة خليجياً لوجهة النظر الغربية بشكل مسبق، وتعمل على الترويج لها وشيطنة روسيا، وتشويه سمعتها بشكل ممنهج، بل تظهر بعض وسائل الاعلام العربية عداءاً مفرطاً لروسيا بشكل بعيد عن المنطق ولا يتفق مع مصالح المالكين.
المفارقة ان قنوات الرأي والراي الآخر المزعوم لا يظهر فيها سوى الرأي الامريكي والغربي وكأنها الناطق الرسمي للغرب، فيكاد لا يغيب موقف غربي واحد عن عواجلها، كما ان الضيوف الغربييين والموالين لهم يعسكرون على شاشاتها، وكذلك تتسابق الاقلام الموالية للغرب على تدبيج الافتتاحيات والانتصار للغرب الذي فتت البلدان العربية، ونهب ثرواتها وسيطر على مقدراتها، وشن الحروب على دولها بعد حصار وتجويع، ولا يزال الغرب نفسه يفرض الاتاوات على الدول الخليجية بشكل سافر، وينهب مقدراتها بشكل ظاهر، ويتآمر على قضايا العرب جهاراً نهاراً، ويقيم قواعده بما يشبه الاحتلال المباشر.
أمر غير مفهوم ومستغرب ان تتحرك هذه الوسائل مجتمعة لخدمة الاجندات الغربية في كل القضايا والترويج لها بشكل مستفز، سواء الامر تعلق بتلك السياسات تجاه الصين او روسيا او ايران او سورية او فنزويلا كأمثلة من عدد كبير من الامثلة الفجة على الانحياز الاعمى للغرب، والتعامي عن كل الآراء الاخرى ما يدفع المتابعين والمراقبين الى اعتبار ان مطبخاً واحداً يدير وسائل الاعلام العربية والغربية، ويوجهها ويسيطر على قرارها بما يخدم سياساته، والا فكيف يمكن لإعلام مملوك عربياً أن يعمل ضد مصالح بلدانه بمثل هذه الفجاجة .
يتضح للمتابع ان ما يتعلق بروسيا ليس منتزعاً من سياق، بل سياسة متبعة تم تطبيق مثيلاتها فيما يتعلق بسورية ولبنان وليبيا واليمن، فهناك إصرار من وسائل الاعلام العربية نفسها ان تتبنى وجهة نظر واحدة تمهد فيها للسياسات الغربية، وحتى لحروب الغرب في المنطقة، وتنتصر لوجهات نظرهم التي لا مستندات واقعية لها، وتظهر بوقاحة اهدافها الجيوسياسية.
وسائل الاعلام التي تروج للموقف الغربي اليوم في الأزمة الاوكرانية هي نفسها التي روّجت لحرب العراق، وهي نفسها التي كانت طليعة الغرب بتدمير ليبيا، بل وقفت في احيان كثيرة الى جانب الارهاب كما في سورية ولبنان، وساهمت بطمس الجرائم الكبرى المرتكبة في اليمن، وتراجعت قضية فلسطين فيها الى أضيق الحدود، بل أصبحت تتسابق هذه المحطات لاستضافة الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، وكأنه من أهل بيت هذه المحطات، فيما يتم تغييب أصوات المقاومات العربية على مختلف تسمياتها عمدا وعن سابق اصرار، ولم يعد هناك مقدسات عربية على وسائل الاعلام هذه، وحده الغرب الاستعماري المقدس الوحيد لدى هؤلاء.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: يوسف غانم