أيام قليلة فاصلة عن وعده ووعيده بضرب الطائرات المسيّرة اليمنية قبل اطلاقها في جولاتها المعتادة الى دول التحالف السعودي في سياق تأمين هذه الدول من الضربات اليمنية، ليظهر قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال الامريكي كينيث ماكنزي أمس الاول كاشفا عن عجز قواته في الاستطلاع فوق اليمن والحصول على المعلومات.
وقال ماكنزي لوكالة "رويترز"، ان الولايات المتحدة تعاني من محدودية قدرات الاستطلاع (آي.إس.آر).
حديث ماكنزي يقود إلى أكثر من دلالة يتعين التعاطي معها بموضوعية لفهم ما صار إليه مشهد المعركة في شقيها العسكري والسياسي:
اولاً: يأتي حديث ماكنزي عقب طلب أبو ظبي المساعدة من واشنطن لرد الهجمات التي تتعرض لها من قبل الجيش اليمني واللجان، سواء بتجديد أنظمة الدفاع الصاروخي الاعتراضية (ثاد وباتريوت) أو الدخول المباشر في الفعل الدفاعي، بعد عمليات اعصار اليمن الموجعة التي ضربت العمق الاماراتي مستهدفة مواقع حيوية وهامة في اماراتي ابو ظبي ودبي، الأمر الذي يعني حضور امريكا المستمر في مشهد العدوان كمرجعية "أساسية" سياسية وعسكرية.. فضلا عن اللعب الأمريكي الذكي على أمراء الصحراء في استغلال الفرص لعقد صفقات سلاح جديدة.
ثانيا: تصَادف ظهور حديث ماكنزي مع الذكرى السابعة لخروج المارينز الامريكي من صنعاء في 11 فبراير 2015، ليعكس هذا الاعتراف العجز الاستخباراتي، وفداحة الشعور بحجم ما فقدته الولايات المتحدة من قدرة كانت بفعلها تصول وتجول في اليمن كيفما تشاء.
ثالثا: المستوى الذي بلغته القوة الدفاعية اليمنية، اذ ان تجوال طائرات التجسس على أراضيها لم تعد بذات السهولة التي كانت عليه الى ما قبل سنوات قليلة، فالتصنيع الحربي اليمني نجح في الخروج بتقنيات عسكرية قادرة على صيد هذه الطائرات، ولا يمر أسبوع الا ويعلن فيها المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحي سريع عن إسقاط الدفاعات الجوية لطائرة تجسسية واحيانا اكثر، وقد تمكنت من اسقاط العشرات من طائرات الاستطلاع امريكية وصينية وتركية الصنع استخدمها التحالف في رصد الاستخباراتي الجوي، وهو ما شكّل عائقا كبيرا أمام قدرته على جمع المعلومات عن أي تحركات داخلية.
هكذا ظهرت أمريكا بعد الوعيد، ومن قبل ومع توالي عمليات "إعصار اليمن" في العمق الاماراتي، ظهرت بلا رتوش لتؤكد من خلال تصريحاتها التصعيدية حقيقة تورطها، وانها رأس حربة في هذا العدوان غير المبرر على الشعب اليمني، ويؤكد ذلك، هذه "النوعية" لتحركاتها الأخيرة، فدخول امريكا على نحو مكشوف عقب الهجمات التي أظهرت الامارات كـ"فقاعة وهشة" حسب وصف موقع "ذا انترسبت" الامريكي، وتحريك واشنطن لبعض آلياتها العسكرية ومدمرتها "يو إس إس كول"، وتنفيذها للمناورة الأمريكية والإسرائيلية وبقية شركاء التحالف في عرض البحر الأحمر على مقربة من اليمن، كلها مؤشرات على أن واشنطن ماضية في عبثها بالمنطقة استكبارا وجشعا، وان التحركات الأخيرة تعكس حقيقة إدراكها ومن معها بان التعاطي مع الجرأة والقدرة اليمنية، بات يستدعي إجراءات بهذا الحجم، لكنها تكشف في الوقت ذاته بأن جميعهم في مربع "تدني الرؤية"، وقدرتهم تبدو ضعيفة في توقع رد الفعل اليمني، وعلى الاقل وفق ما كشفت عنه معطيات المواجهة خلال السنوات الماضية فان القوات المسلحة اليمنية كانت دائما الاعلى صوتا، فما أن تحذر حتى تصدق في ما وعدت به وهي مسألة باتت متداولة لدى الخبراء والمراقبين، فكان من اهم شواهد ذلك اختزالها مصطلحات "أجواء اليمن ليست للنزهة"، و"التصعيد بالتصعيد"، ثم عناوين ك"إعصار اليمن" والذي جاء ردا على ما اسمته أبوظبي ب"إعصار الجنوب".
يفضح اعتراف ماكنزي فشل الأسلحة الأمريكية ذات التقنية العالية التي راهنت السعودية والإمارات وحتى امريكا نفسها على قدرتها لتشكيل غطاء دفاعي ضد أي هجمات، فهبّت الرياح عكس سفينة التحالف العسكري.
عقب الاعتراف بأن ضربات عمق الامارات بالطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية مقلقة جدا بالنسبة للولايات المتحدة، وأنها تشكل تهديدا للمصالح الأمريكية الصهيونية بالدرجة الأولى، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية عن ارسال سرب من مقاتلات F22 التي تزعم بانها "أفضل مقاتلات في التفوق الجوي في العالم إلى الإمارات"، والمدمّـرة الصاروخية الموجهة (يو إس إس كول) التي ستقوم بدوريات في مياه الإمارات؛ مِن أجلِ حمايتها، بل وزادت القيادة المركزية الوسطى إن لديهم "برنامج لتعطيل الطائرة في الجو وإذا لم ينجح البرنامج في وظيفته وتعطيل الطائرة فإنه سيتم استهدافها بإطلاق النار عليها عند وصولها إلى هدفها."
والاسبوع الماضي شهدت أبوظبي وبشكل مفاجئ انفجاراً مروعاً وسط المدينة، أربك حسابات الامريكان المتأهبين للرد، وسرعان ما دقّت سفارتهم هناك ناقوس الخطر، وأصدرت تقارير عاجلة وتحذيرا من هجوم صاروخي أو طائرة بدون طيار، ثم ما لبثت السفارة أن سحبت ذلك التحذير، بعد أن اتضح أن الانفجار الذي شهدته أبوظبي كان بسبب انفجار "أسطوانة غاز" في مبنى سكني بمنطقة مركزية في أبوظبي، وهو ما يشير إلى حالة الإرباك والاستنفار "المتشنج" للقوات الأمريكية وهيئاتها في الامارات، وبرر متحدث باسم الخارجية الأمريكية حالة الارباك الأمريكي بالقول: "صدر التحذير من الهجوم الصاروخي على خلفية الحوادث الأمنية الأخيرة".
انفجار أسطوانة الغاز أحدث أيضا مفعوله السلبي على مستوى المؤسسات في الامارات التي سارعت السلطات فيها عقب تبين الحقيقة الى عدم اعتماد اي مصادر إخبارية خارجية وما أسمته بـ"الشائعات".
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: كاتب صحفي يمني
الكاتب: وديع العبسي