تترافق المفاوضات النووية في العاصمة النمساوية فيينا هذا العام مع ضربات متتالية للعمق الاماراتي وهو ما جعل القلق الإسرائيلي- الاماراتي مزدوجاً، فمن ناحية "إسرائيل" فهي ترى في الاتفاق النووي خطوة غير لازمة تسمح لإيران بتطوير منظوماتها الصاروخية وسلاحها النووي بشكل غير مقيد وتعتبر ان الامارات لم تعد الركيزة التي يمكن الاعتماد عليها في المواجهة. في حين تظن الأخيرة ان تطبيعها مع كيان الاحتلال لم ينقذها من الضربات اليمنية وهو ما يجعلها مضطرة لتعزيز أطر التواصل مع أصدقاء اليمنيين كون طهران تعد لاعباً دولياً أساسياً لا يمكن تهشيمه.
مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أشار في ورقة له تحت عنوان "بين اتفاقيات إبراهام والحرب في اليمن: الإمارات والتهديد الإيراني" إلى انه "يجب على "إسرائيل" أن تأخذ في عين الاعتبار إمكانية حدوث تغيير في مكانة الإمارات كركيزة على الجبهة الإقليمية في مواجهة إيران، لا سيما على خلفية التصدعات الإضافية التي تم الكشف عنها على هذه الجبهة، وخصوصًا إذا تم التوقيع على اتفاقية جديدة في الشأن النووي مع إيران. في عصر التحالفات المستمرة وتبادل الولاءات، يجب على "إسرائيل" الانتباه إلى التغييرات الناشئة ودراسة ما إذا كانت ستتأثر وكيف ستتأثر منهم، على سبيل المثال، استمرار عملية التطبيع بينها وبين دول المنطقة - ولكن ليس فقط مع السعودية".
النص المترجم:
ترى الإمارات العربية المتحدة، الشريك الرئيسي لـ"إسرائيل" في الخليج، في إيران التهديد الرئيسي لأمنها القومي. حيث يتشكل التحدي الذي تشكله إيران للإمارات في التهديد عبر إلحاق ضرر حركي مباشر بالأهداف الاستراتيجية، خصوصًا المنشآت النفطية، تحلية المياه ورموز الحكومة؛ التهديد غير المباشر من خلال استخدام وكلاء إيرانيين (المتمردين الحوثيين في اليمن)؛ تهديد محتمل بأعمال تخريبية وإرهابية (ربما بالاعتماد على الجالية الإيرانية الكبيرة في دبي)؛ فضلاً عن التهديد النابع من السيطرة الفعلية على أراضي إماراتية. على خلفية ذلك، طورت الإمارات العربية المتحدة مجموعة متنوعة من الردود الدفاعية وتسعى في الوقت نفسه إلى الحفاظ على علاقات اقتصادية ودبلوماسية سليمة قدر الإمكان مع إيران، كنوع من "شهادة التأمين".
تعتبر الإمارات العربية المتحدة مركز مالي دولي، وقد ساعد قربها الجغرافي من إيران والعلاقات التاريخية بين دبي وإيران في تحويل الإمارات العربية المتحدة لشريك تجاري رئيسي لإيران. قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران في عام 2018، بلغ حجم التجارة بين البلدين حوالي 13 مليار دولار (هناك أيضًا تجارة غير قانونية على نطاق واسع بين البلدين). أيدت الإمارات بشكل معلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية وتعاونت في حملة الضغط الأمريكية على طهران، مما أدى إلى انخفاض حجم التجارة مع إيران إلى 7 مليارات دولار.
على الرغم من التضرر الاقتصادي إلا أن الإمارات دعمت، مع وجود استثناءات معينة، نظام العقوبات المفروض على إيران، بل وزادت من حين لآخر معدل إنتاج النفط في أراضيها من أجل تغطية انسحاب النفط الإيراني من الأسواق. على الرغم من قلق الامارات بشأن المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، خشية أن يؤدي الاتفاق إلى زيادة نفوذ إيران الإقليمي. لكن من المتوقع أنها تستفيد من رفع العقوبات عن إيران بسبب توسع التجارة بينهما.
في عام 2016، حرصت الإمارات على الحفاظ على قناة اتصال دبلوماسية مع إيران، بل وتركت ممثليتها في البلاد مفتوحة بعد أن أغلقت العديد من الدول العربية ممثلياتها في طهران في أعقاب الهجمات على السفارة السعودية فيها. تحول حاد في سياساتها حدث في عام 2019، عندما توجهت الإمارات إلى الحوار مع إيران بعد الهجمات الإيرانية على السفن الخليجية. كانت الخطوة الإماراتية نابعة من مخاوف من ضرب إيران لأهداف في الإمارات. ازدادت موجة التقارب قوة مع إعلان الإمارات عن إجلاء قواتها من اليمن، وتضمن ذلك أيضًا توقيع مذكرة لتعزيز التنسيق في مجال الشحن، إيقاف تجميد أموال إيرانية في بنوك الإمارات، وتحويل مساعدات طبية (مع الكويت وقطر) لإيران في إطار مكافحة وباء كورونا.
لقد كان التهديد الذي تشكله إيران لـ "إسرائيل" والإمارات العربية المتحدة على مر السنين أساس التقارب بين البلدين، على الرغم من أن "إسرائيل" تؤكد على التهديد النووي الذي تشكله إيران، لكن تعتبر الإمارات العربية المتحدة إيران قوة مهيمنة تسعى لفرض سيطرتها عليها. كما تؤكد الامارات على أمر الصواريخ والطائرات بدون طيار الخاصة بإيران ووكلاءها كالتهديد الأكبر الذي يعتبر تحديًا بالنسبة لها في الوقت الحاضر.
وفي الواقع، إن العلاقة مع "إسرائيل" تحمل في طياتها ميزات عديدة بالنسبة للإمارات العربية المتحدة. أولها، التنسيق على المستوى السياسي-الاستراتيجي تجاه المصالح المشتركة. ثانياً، على المستوى الاستخباراتي العملياتي لإحباط التهديدات والتعامل معها. ثالثًا، تحتاج الإمارات العربية المتحدة إلى التكنولوجيا الأمنية الإسرائيلية، خاصة في مواجهة الثغرات في مجال الحماية من الصواريخ. علاوة على ذلك، فإن العلاقة مع "إسرائيل" لقدراتها، قد يضيف بشكل كبير إلى صورة الردع الإماراتي تجاه إيران.
عملت "إسرائيل" من جهتها على تأسيس جبهة إقليمية واسعة ضد إيران، ستشملها والدول العربية "البراغماتية"، على الرغم من أن الجبهة يوجد بها بعض التصدعات، بما في ذلك عدم رغبة واضحة من قبل دول الخليج أن يُنظر إليهم على أنهم بمثابة "جبهة أمامية" إسرائيلية. مباشرة بعد الإعلان عن "اتفاقات إبراهام"، أرسل مسؤولون إيرانيون كبار تهديدات صريحة ضد الإمارات العربية المتحدة. على سبيل المثال، كتب رئيس تحرير صحيفة كيهان اليومية المحافظة، المقرب من المرشد الأعلى، أن خيانة الإمارات العربية المتحدة للفلسطينيين تجعلها هدفاً مشروعاً وسهلاً.
إن جهود التقارب الإماراتية الحالية مع إيران تهدف، من بين أمور أخرى، إلى "موازنة" هذه الصورة الإشكالية كمساعد استخباراتي وعملي لـ "إسرائيل"، وخاصة مع إدراك أنه من المتوقع أن يتحسن موقف إيران في المنطقة بعد التوقيع على الاتفاق النووي الجديد. لم تكن إيران بحاجة إلى اتفاقيات التطبيع لتعلم أن هناك تعاونًا أمنيًا بين "إسرائيل" وجيرانها العرب، وحتى كونها هدفًا لهذا التعاون. لكن هذه الاتفاقات حوّلت الوجود الإسرائيلي في الخليج العربي لأمرًا رسميًا، علنيًا ويمكن أن يمثل في نظر الإمارات ذريعة أخرى لمهاجمتهم على يد إيران.
على خلفية الحرب المستمرة في اليمن، تصاعدت وتيرة التوتر بين الإمارات العربية المتحدة وإيران أوائل عام 2022، عندما شن الحوثيون المدعومون من إيران، عددًا من الهجمات على عدد من الأهداف الإماراتية ردًا على الضغط الذي يمارسه عليهم في اليمن الجيش السعودي (جوًا) والمليشيات الموالية للإمارات (برًا). في أعقاب هذه الهجمات، نُقل في أوائل شباط/ فبراير أن الولايات المتحدة سترسل قوات جوية وبحرية من أجل المساعدة في الدفاع عن الإمارات، وأنها ستنظر في إعادة الحوثيين إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. ليس واضحًا إن كان هناك تورط إيراني مباشر في الهجمات، لكن من المرجح أن تكون إيران قد وافقت عليها مسبقًا، حيث أن إيران لديها مصلحة في الحفاظ على علاقات طبيعية مع جيرانها العرب، والإمارات من بينهم، لكنها تواصل تهديدهم من خلال وكلائها. يُذكر أن الحوثيين كانوا هم من تحملوا المسؤولية عن الهجوم الإيراني 2019 على منشآت نفطية في السعودية.
على الرغم من أن السعودية والإمارات تفضلان حلاً دبلوماسيًا للتوتر مع إيران، إلا أنهما قلقتان من احتمال صياغة اتفاق بين إيران والقوى العظمى في الشأن النووي، وذلك لأنه لن يشمل التخريب الإيراني في أنحاء المنطقة، الإرهاب، مسألة الصواريخ التي بحوزة إيران. من ناحية، كانت الممالك السنية سعيدة "لأن أحدهم" سيقوم بالعمل نيابة عنهم ويلحق أضرارًا جسيمة وطويلة الأمد بالبرنامج النووي الإيراني، ومن ناحية أخرى فهموا أنهم على خط النار وأنهم هدف أكيد تقريباً لهجوم إيراني رداً على تدمير منشآتها النووية. ومن هنا جاءت جهودهم للحفاظ على علاقات معقولة مع إيران.
ملخص:
إن فهم الاتجاه السياسي الذي تتحرك بناء عليه الإمارات العربية المتحدة أمرًا مهمًا لـ"إسرائيل" ليس فقط لأنها دولة أساسية من ناحية سياسية واقتصادية وعسكرية في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا لأنها تشكل مسارًا عبر الآخرين. على سبيل المثال، غالبًا ما تتفوق الإمارات العربية المتحدة على المملكة العربية السعودية في المناورات السياسية التي تجريها. في هذا السياق يمكن رؤية الاتصالات الأخيرة بين إيران والسعودية والتي جاءت بعد حوار إيراني إماراتي.
يجب على "إسرائيل" أن تأخذ في عين الاعتبار إمكانية حدوث تغيير في مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة كركيزة على الجبهة الإقليمية في مواجهة إيران، لا سيما على خلفية التصدعات الإضافية التي تم الكشف عنها على هذه الجبهة، وخصوصًا إذا تم التوقيع على اتفاقية جديدة في الشأن النووي مع إيران. في عصر التحالفات المستمرة وتبادل الولاءات، يجب على "إسرائيل" الانتباه إلى التغييرات الناشئة ودراسة ما إذا كانت ستتأثر وكيف ستتأثر منهم، على سبيل المثال، استمرار عملية التطبيع بينها وبين دول المنطقة - ولكن ليس فقط مع السعودية.
المصدر: مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي
الكاتب: يوآل غوجنسكي