لم تكن إتفاقيّة "أبراهام" التي وُقّعت عام 2020 بين بعض الدول العربية و"اسرائيل" سوى اظهار علني للعلاقات العميقة التي يقيمها الطرفان عبر التاريخ. خطوةٌ إضافية في إطار العلاقات البحرينية الإسرائيليّة تسعى المنامة لإنجازها، تتضمّن إصلاح الجهاز الأمنيّ الاستخباراتي البحريني بالتعاون مع "تل أبيب"، فهل تُعدُّ هذه الخطوة تعاوناً أم سيطرة إسرائيلية؟
نشر موقع Intelligence Online الفرنسي المتخصص في الشؤون الأمنية، الخميس 27 كانون الأول2022, مقالاً بعنوان (البحرين تعيد تنظيم أجهزة المخابرات للعمل بشكل أوثق مع "اسرائيل") يقول أنّ البحرين تريد إعادة هيكلة أجهزتها الأمنية والاستخباراتية بالتعاون مع الجهاز الأمني_الاستخباراتي الاسرائيلي، وذلك من أجل تعزيز الإمكانات التكنولوجية لجهاز أمن الدولة، وزيادة "التعاون" الوثيق مع "اسرائيل".
وبحسب الموقع فإنّ جهاز الأمن الاستراتيجي البحريني سيستقبل فريقاً من المدرّبين الإسرائيليين لتدريب ضباط المخابرات البحرينية، وسيتم تزويد البحرين بدعم الأقمار الاصطناعية، اضافة الى أنها تسعى للحصول على أنظمة مضادة للطائرات بدون طيّار، وطائرات من دون طيّار من طراز "هيرمز" المصمّمة للمهمات التكتيكية من شركة إسرائيلية بحسب الموقع نفسه. لذا فالبحرين تسعى للحفاظ على أمنها من خلال الكيان المحتل.
إذا أردنا أن نلقي نظرة على هذه الخطوة، سنرى مخاطرها على عدة جوانب، على الدول العربية من جهة، على الإقليم وتطوراته من جهة، وعلى جوانب أُخرى تمسُّ بالهوية والثقافة والوجود، فمن يعرف طبيعة تفكير الإسرائيلي ويقرأ تاريخه ومنهجه وتجاربه يرى بأنّ هذا الكيان السارق لأرضٍ عربيّة لا أمان له باتفاقاته وتعهداته. وهنا نعرض بعض النقاط الأساسيّة على خلفيّة هذه الخطوة:
بدايةً، إن أيّ خطوة تتّخذها مملكة البحرين تكون بتخطيط وتنسيق مع باقي دول الخليج على رأسهم السعودية، والبحرين في الأساس تخضع في قراراها السيادي والسياسي، الاقتصادي والاعلامي للسعودية_ قرارُها الأمني والعسكري لحلف الأطلسي وتحديداً أميركا وبريطانيا_ قرارها الإستراتيجي العام بيد أميركا حصراً، أما اتفاق أبراهام فجاء بمثابة كشف الغطاء عن الوِعاء كما ذكرنا سابقاً.
ثانياً: من النقاط الأساسية وراء تنسيق البحرين لهذا التعاون أن تكون تل أبيب نافذة وصلة وصل بين المنامة وواشنطن، لتنعم بالحماية والأمن بحسب اعتقادها، فهذه الوساطة مع أميركا لا تكون إلّا عبر "اسرائيل".
ثالثاً: أن تستلم "اسرائيل" مسؤولية المساعدة بإعادة هيكلة جهاز أمن البحرين تعني أنّ الجهاز الأمني للدولة أصبح بحوذتها، تستولي عليه وتتحكّم به كيفما تشاء، فتصبح المنامة مراقَبة ومسيطَر عليها من هذا الجهاز، فمَن يملكه عادةً يستطيع التّحكُّم بالقرار الاقتصادي والسياسي وغيرها من الأمور الاستراتيجية، فتدير تل أبيب هذا الجهاز متى أرادت ذلك، وتدخل بتفاصيل قراراتها الأمنية والاستخباراتية، وهذا ما حصل ب"التعاون" الإماراتي_الإسرائيلي عندما طلبت الامارات من"اسرائيل" إصلاح شبكات الإنترنت، فاستولى الجهاز الاسرائيلي آنذاك على مراكز المراقبة وغيرها في الامارات.
رابعاً: للبحرين أهمّية إستراتيجية وجغرافية، هذا ما سيُشكل خطراً إقليمياً متصاعداً، ف"اسرائيل" بسيطرتها الأمنية الإستخباراتية تتّخذ أرضاً مجاورة لإيران، وبمحاولة لإضعاف عدوّها الأوّل لن تترُك هذه الهديّة المتاحة دون العبث بالأمن وانتهاز الفرصة لمزيد من كسب النقاط، (كما حاولت أميركا في أفغانستان شرق ايران، وأذربيجان شمال غرب ايران، وغيرها من المناطق المجاورة لها)، وهذا ما سيزيد الاضطرابات في المنطقة، فقد أُتيحَ لهذا الكيان المحتل نفوذاً أكبر في الإقليم.
خامساً: "تعاوناً" كهذا ليس بالمجان، ف"اسرائيل" تنتظر بالمقابل (كعادتها) مبلغاً باهظاً من البحرين، فلو أرادت البحرين التعاون مع أي دولة أُخرى بهذا المجال لدفعت مبلغاً أقل مما ستدفعه الآن، وهذا ما يعكس طبيعة التفكير الإستغلالية وطريقة تعاطي هذا الكيان مع باقي الدّول، لا سيّما دول الشرق الأوسط والدّول المطبّعة.
وهنا سؤالٌ يُطرح، أوَيُمكن لمن لا يقدر على حماية نفسه والحفاظ على أمنه أن يحمي الآخرين؟
في الجانب الآخر، إذا نظرنا من الأعلى برؤية شاملة، نرى بأنّ البحرين سلّمت "رقبتها" لمن هو أوهن من أن يقدر على حماية نفسه ووجوده، إعتمدت البحرين على عُنصُرٍ وهميّ، قوّته كسرابٍ يحسبه الظمآن ماء.
هذا الجيش الذي مازال يذوق لوعة إذلاله مع كلّ إعصارٍ لليمن على الدول المعتدية عليها، والتي بدورها وثقت بهذا الكيان، بل ظنّته إلهاً قوياً فخافته وارتعبت من تهديداته الواهية، وهو الذي يزداد قلقه مع كلّ يومٍ يمضي مخافة أن يطاله بأس الشّعب اليمنيّ، ذلك البأس الذي أثبت للعالم بأنّ اعتداء مجموعة دول عليه على رأسهم اميركا والسعودية عبثيٌّ لا فائدة واقعيّة منه. هذا الكيان الذي يزدادُ انقسامه الدّاخلي سياسياً واجتماعياً، والّذي يتجلّى ضعفه بضعف إرادة عناصر جيشه المراقبين على الحدود الفلسطينيّة_اللُّبنانية، وخلال المواجهات مع الشّبان الفلسطينيين المقدسيين وجهاً لوجه، هذا الكيان الذي لم يستطع الصمود بضع أسابيع أمام الشعب الفلسطينيّ في معركة "سيف القُدس" التي أُجبر فيها على طلب توقيفها، مخافةً على وجوده الهش، في معركةٍ لم يجد لنفسه فيها منطقة آمنة للظهور، أو تجرُّء جيشه على التصدي خوفاً على حياته، فوجد بالاستسلام نافذةً للخلاص من الخطر الوجودي عليه.
أسطورة الجيش الذي لا يُقهر التي لم تزل بعضُ مملكات الدول العربية تؤمن بها، لم تكُن سوى رواية خرافيّة، انتهت مع نوم طفلٍ فلسطينيٍّ هاربٌ من موطنه، كان يسمعها قبل سنة ال2000 على صدى مجزرة صبرا وشاتيلا، وعين قانا، وصوت تعذيب أسرى معتقلات الخيام وأنصار، فختمها رجالٌ في لبنان آمنوا ب{إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فمضوا الى الثّغور تحت راية الحق ونُصرة المُستضعفين، مُقتدين بفكر الثّائر الإمام روح الله، ليكسروا هيبة أعتى جيوش العالم، ويُحقّقوا نصراً لكلِّ الشعوب العربيّة والأُمم الحُرّة.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: محمد حمادة