لم يكن الخلاف ما بين الأطراف اللبنانية يوماً، ذو طبيعة طائفية ومذهبية (وإن أُلبس ذلك في بعض الأحيان)، أو ذو طبيعة سياسية بحت على شكل النظام أو النموذج الاقتصادي. بل كان دائماّ في جوهره، حول هوية لبنان ودوره، في الصراع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي. هذا الكيان الذي قام على فكرة التوسع، ليحتل أجزاء من بلدان عربية أخرى بالإضافة الى فلسطين، وكان لبنان من ضمن هذه البلدان.
وعليه فإن قسم من اللبنانيين، لم يرى في هذا الاحتلال الإسرائيلي، بجرائمه وحروبه واعتداءاته اليومية، انتقاصاً من السيادة والاستقلال. بل كان يعدّه حليفاً له في معاركه الداخلية، ومن سيساعده في الوصول الى السلطة. فانتمى لجيش عملاءها، الذي أطلق عليه اسم "جيش لبنان الجنوبي"، ليضفي على جريمة العمالة للعدو المحتلً لقباً وطنياً.
فيما رأى قسم آخر من اللبنانيين، الذين تعرضوا لأبشع المجازر من جيش الاحتلال وجيش العملاء على حد سواء، أن المقاومة هي الحلّ والخيار الوحيد، لإحقاق السيادة والاستقلال والحرية الحقيقية لوطنهم. وأن لبنان لن يكون في الصراع مع هذا الكيان المؤقت، إلا في جبهة من يزيلوه من الوجود.
من هذا المنطلق، وفي مثل هذا اليوم منذ 22 عاماً، نفذت المقاومة حكمها بإعدام كبير جيش العملاء "عقل هاشم"، الذي كان المرشح الأبرز لخلافة قائده "أنطوان لحد". واستطاعت هذه العملية يومها أن تؤكد، أنّ نهاية جيش العملاء قد بدأت، وأن موعد اندحار جيش الاحتلال قد اقترب.
فمن هو عقل هاشم وكيف نفذت العملية؟
_ كان العميل"هاشم" عقيدًا في جيش العملاء، وقائداً للقطاع الغربي ورئيساً لجهاز الأمن فيه. وكان يتحدث العبرية بطلاقة، وعلى علاقة وثيقة بالإسرائيليين.
_ منذ العام 1976، كان من المنشقين عن الجيش اللبناني، الذين انضموا الى جيش سعد حداد ولاحقًا أنطوان لحد.
ولذلك حكم عليه بالإعدام غيابيا، بتهمة الخيانة من قبل المحكمة العسكرية في لبنان.
_ كان مسؤولاً عن العمليات والجرائم اليومية، بحق أهالي المنطقة المحتلة.
_ في نهار الـ 30 من كانون الثاني من العام 2000، نجحت المقاومة في اغتيال العميل "هاشم" بعبوة ناسفة، يتم التحكم بتفجيرها عن بعد، في مزرعته خارج دبل.
وقد تم تصوير العملية وعرضها في وسائل الإعلام، وكان لها التأثير في الكثير من العملاء، الذين عرفوا كيف سيكون مصيرهم، ان استمروا في العمل كـ"أكياس رمل" عند جيش الاحتلال. فهرب الكثيرون منهم، وسلموا أنفسهم لمجموعات المقاومة التي سلمتهم بدورها الى الدولة اللبنانية لمحاسبتهم.
وانهار جيش لحد بعد أشهر قليلة من مقتل هاشم. وفرّ المئات من عناصره وعائلاتهم إلى فلسطين المحتلة، فيما بقي آخرون وتم اعتقالهم وحكم عليهم بأحكام لا تتناسب مع جرائمهم.
_ كان الشهيد القائد خالد بزي أحد المشاركين في العملية، والذي شغل لاحقًا منصب قائد محور بنت جبيل في المقاومة، خلال حرب تموز عام 2006.
مراحل تنفيذ العملية
_ تم التحضير لها لمدة طويلة، حيث نفذ مجاهدو المقاومة عملية رصد دقيق ومكثف، لحركة العميل هاشم. فتم رسم صورة واضحة وشاملة لها، رغم أنها كان تتبدل بشكل دائم.
وبعد فترة طويلة من عملية الرصد الصعبة، لوجود إجراءات أمنية معقدة، لوجود أربع مواقع تابعة للفوج الـ80 في جيش العملاء، فيها أجهزة مراقبة الكترونية متطورة. تمكن المجاهدون من تحديد نقاط المقتل، في منتزه يتردد اليه العميل "هاشم" في أوقات غير محددة، والتي سيؤدي تنفيذ العملية فيها نجاحاً تامّاً. وبعد ذلك اختيرت النقطة المناسبة، لزرع العبوة الناسفة.
وكان المعيار الأساسي في اختيار هذا المكان بالتحديد، لأنه يشكل نقطة بعيدة عن المدنيين، وبالتالي ينفي احتمال اصابة أي مدني في العملية، وهذا ما حصل.
_ وبمجرد رصد العميل "هاشم"، واقترابه من نقطة المقتل، تم تفجير العبوة الناسفة، وسرعان ما سقط على الارض، وقد تأكد المجاهدون من مقتله بعدما بقي دون حركة لفترة طويلة.
وقد اقترب ابن العميل "هاشم" الذي كان متواجداً داخل المنزل من جثة والده، صارخاً بطلب النجدة، لكن لم يجرؤ أحد من الحراس على الاقتراب، إلا بعد مرور نصف ساعة من تنفيذ العملية.
البطريرك صفير والدفن
وهنا نعود إلا ما ذكرناه في البداية، عن جوهر الخلاف بين اللبنانيين، الذي لن تعمي عنه "تجليطات" البعض وترهاتهم. حينما شارك المطران مارون صادر، في مراسم دفن العميل، في الثاني من شباط بعد عملية الإعدام بأيام، ممثلاً البطريرك السابق "بطرس صفير". وقد القى المطران صادر يومها كلمة قال فيها: "أتوقف عند حياة الفقيد الفاضل عقل هاشم، لقد عرفته رجل إيمان، وأباً عطوفاً، وإنساناً محبّاً للجميع، لقد غسل بدمه تراب هذه المنطقة. أتقدم باسم صاحب الغبطة الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، بأحرّ التعازي من حضرة اللواء الفاضل أنطوان لحد ورفاقه الجنود"!
وعليه لن يكون خيار اكثرية اللبنانيين إلا المقاومة، أما من يرتضي العمالة لأعداء لبنان، فلن يكون أمامه خيار سوى الرحيل معهم، أو تلقي الجزاء كما تلقاه العميل "هاشم".
الكاتب: غرفة التحرير