يتجذر الحزب في لبنان بتجذر أبنائه، ثابتٌ في هذه البلاد بثبات جبالها. لم تكن نشأته عابرةً أو خاليةً من هذا التاريخ والامتداد الجغرافي اللبناني.
إنّ هوية حزب الله هي من هوية لبنان، ولا يمكن أن تُحفظ هوية هذا الوطن إلا بقوة أبنائه. لم يعد حزب الله اليوم حزباً للطائفة الشيعية فحسب، بل هناك مؤيدون كثر يلتفون حوله، لما يمثله من شرعية مقاومة تحرر لبنان وتحميه وتساهم في بناء الدولة.
المقاومة حمت الكيان اللبناني وهي الخطوة الأولى في مشروع بناء الدولة
لقد نشأ حزب الله في ظلّ ظروفٍ حالكةٍ مرّ بها لبنان، وكانت نشأته كمقاومة أمرٌ طبيعيٌّ لرفض الاحتلال وردع العدوان عقب الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982. لذلك؛ فقد غلب على هذه النشأة طابع المقاومة. وعلى مرّ ما يقارب 18 سنة حتى عام 2000 عملت المقاومة على توجيه ضربات وتسجيل عمليات عدّة في مواجهة الاحتلال، وخاضت حروباً وانتصرت دفاعاً عن لبنان، وحفاظاً على الكيان اللبناني، وأسقطت مشاريع عدة لأسرلته، من تموز 1993 إلى نيسان 1996 وصولاً إلى تحرير أيار 2000 ليصبح لبنان كياناً مستقلاً محرراً من الاحتلال. من ثمّ فرضت نفسها كقوة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها للدفاع عن لبنان، بعد انتصارها في عدوان تموز 2006. فلولا هذه المقاومة ما كان هناك دولة لكي يتم بناؤها والعمل في مؤسساتها. وهذه هي الخطوة الأولى والاساس في مشروع بناء الدولة.
دخول الحزب المعترك السياسي بهدف الدفاع عن حقوق اللبنانيين وحماية ظهر المقاومة
لم يعمل الحزب في المقاومة فقط، مع أنّه ينطلق من كل أعماله من ضرورة هذه المقاومة، على المستويات الثقافية والاقتصادية والسياسية، فهو يهتم بمصير ومستقبل لبنان، ويساهم مع بقية القوى السياسية اللبنانية في إقامة مجتمع أكثر عدالة، مجتمعٌ يتطلع إليه اللبنانيون. لقد فرض حزب الله نفسه على الساحة السياسية اللبنانية على مدى أربعين عاماً، ومع دخوله المعترك السياسي، فإن ذلك كان دفاعاً ونصرةً للمستضعفين من هذا الشعب، ولكي يحمي هذه المقاومة في السياسة ايضاً.
بدأ حزب الله يساهم ويكمل فيما بعد في مشروع بناء الدولة، وقد فاز في أول انتخابات برلمانية يشارك فيها في عام 1992 بـ 12 مقعداً وهو أكبر عدد من المقاعد تفوز به كتلة حزبية منفردة. كما شارك في انتخابات عام 1996، وصولاً إلى اليوم، ومن المعروف عن نوابه في البرلمان انهم يتميزون بالعمل بجدية عبر طرح البرامج الجديدة، وتقديم مشاريع القوانين والدراسات المعمقة عن القضايا التي يناقشونها، فضلاً عن أن للحزب حضوراً فاعلاً ومشاركة في انتخابات النقابات والاتحادات الطلابية والمهنية والعمالية، وهذا جزء هام جداً وأساسي من مشروع بناء الدولة.
حزب الله يطمح ويسعى الى بناء الدولة العادلة القادرة والقوية
يؤكد حزب الله في وثيقته السياسية التي أعلن عنها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عام 2009، على أن رؤيته للوطن تنطلق من "أنّ لبنان هو وطننا ووطن الآباء والأجداد، كما هو وطن الأبناء والأحفاد وكل الأجيال الآتية، وهو الوطن الذي قدّمنا من أجل سيادته وعزته وكرامته وتحرير أرضه أغلى التضحيات وأعزّ الشهداء".
وتضيف الوثيقة "أننا نريد هذا الوطن واحداً موحَّداً، أرضاً وشعباً ودولةً ومؤسسات، ونرفض أي شكل من أشكال التقسيم أو "الفدرلة"، الصريحة أو المقنَّعة. ونريده سيداً حراً مستقلاً عزيزاً كريماً منيعاً قوياً قادراً".
ويعتبر الحزب في هذه الوثيقة أن "من أهم الشروط لقيام وطن من هذا النوع واستمراره أن تكون له دولةٌ عادلةٌ وقادرةٌ وقويةٌ، ونظامٌ سياسيٌ يمثّل بحق إرادة الشعب وتطلعاته الى العدالة والحرية والأمن والاستقرار والرفاه والكرامة، وهذا ما ينشده كل اللبنانيين ويعملون من أجل تحقيقه ونحن منهم".
ما هو مشروع الدولة اللبنانية الذي يسعى الحزب لبنائه؟
ونشير هنا باختصار إلى رؤية حزب الله للدولة وفق الوثيقة السياسية، وقد وردت كلمة الدولة فيها أكثر من 15 مرة لأهميتها بالنسبة للحزب، حيث تقول إن الدولة التي نتطلع الى المشاركة في بنائها مع بقية اللبنانيين، هي:
-الدولة التي تصون الحريات العامة، وتوفر كل الأجواء الملائمة لممارستها.
-الدولة التي تحرص على الوحدة الوطنية والتماسك الوطني.
-الدولة القادرة التي تحمي الأرض والشعب والسيادة والاستقلال.
-الدولة القائمة في بنيتها على قاعدة المؤسسات الحديثة والفاعلة والمتعاونة.
-الدولة التي تلتزم تطبيق القوانين على الجميع.
-الدولة التي يتوافر فيها تمثيل نيابي سليم وصحيح لا يمكن تحقيقه إلاّ من خلال قانون انتخابات عصري.
-الدولة التي تعتمد على أصحاب الكفاءات العلمية والمهارات العملية وأهل النزاهة.
-الدولة التي تتوافر فيها سلطة قضائية عليا ومستقلة وبعيدة عن تحكّم السياسيين.
-الدولة التي تُقِيْم اقتصادها بشكل رئيس على قاعدة القطاعات المنتِجة، وتعمل على استنهاضها وتعزيزها.
-الدولة التي تعتمد وتطبق مبدأ الإنماء المتوازن بين المناطق، وتعمل على ردم الهوّة الاقتصادية والاجتماعية بينها، وتعتمد اللامركزية الإدارية.
-الدولة التي تهتم بمواطنيها، وتعمل على توفير الخدمات المناسبة لهم من التعليم والطبابة والسكن.
-الدولة التي تَجهدُ لوقف الهجرة من الوطن، هجرة الشباب والعائلات وهجرة الكفاءات والأدمغة، ضمن مخطط شامل وواقعي.
-الدولة التي ترعى مواطنيها المغتربين في كل أصقاع العالم، وتدافع عنهم وتحميهم، وتستفيد من انتشارهم ومكانتهم ومواقعهم لخدمة القضايا الوطنية.
هل يعرف اللبنانيون من هي القوى والأحزاب التي تقوم بالعبور عن الدولة؟
ثمة الكثير من البنود التي يطول الحديث عنها في هذه الوثيقة، إلا أن رؤية حزب الله لبناء الدولة واضحة وهو يقوم بذلك بشكل حثيث، وقد وقف إلى جانب الدولة اللبنانية وهي تنهار، فساهم بكسر الحصار وتأمين المساعدات، كما ساهم بتشكيل حكومات لبنانية لا يتدخل فيها الخارج، فضلاً عن محاربة الفساد عبر إثارة العديد من الملفات وتحويلها الى القضاء والنيابة العامة ويتابعها الى الآن، إلا أن الضغوطات التي يتعرض لها لبنان منذ عام 2005 مروراً بحرب تموز ومن ثم الحرب على الإرهاب، وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالدولة منذ 17 تشرين الأول 2019، والحصار الأمريكي الغربي والخليجي على كل الاتجاهات، لا تزال تمنع تحقيق كل تطلعات الحزب لبناء الدولة، وبالتالي فإنّ من يرى من عين واحدة لن يكون منصفاً، فحزب الله دائماً ما سعى ويسعى للعبور الى الدولة وبنائها على قواعد القوة والعزة والاستقلال والسيادة والاستقرار، فيما الطرف الآخر يمارس يوميًا سياسة العبور عن الدولة، وذلك بالتنازل عن السيادة أمام "إسرائيل"، والنهب والفساد والمحاصصة الطائفية المقيتة، والاستزلام للخارج، أو الاستسلام لأجندات أميركية وخليجية!
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع