يرتكز الاستعمار الحديث إلى استتباع النخب، فيهيمن عليها برضى منها، وتنشأ قوانين محلية تنظم العلاقة بين النخب التابعة والدول الجائرة، ويتم اعتماد أساليب مرنة وعملية لحل الخلافات بين النخب والمشغلين.
لا يعني هذا التراضي غياب الإكراه، بل هو إكراه من خلال النظام والقانون، إكراه ملطف ومتفق عليه، وأساليب الهيمنة الأكثر فعالية قد تقوم على أساس استخدام أقل للقوة، وقد تمارس الدول الجائرة الهيمنة من خلال سياسة خارجية تعمل على الدمج السياسي والأيديولوجي للجماعات التابعة، ومن خلال جهد مؤسساتي متواصل ومستمر بهدف تحقيق استدامة الإقناع.
هذه العلاقات التي حددت مصير الشعوب الخاضعة للاستعمار الحديث، تقع محل عناية هذه الورقة لناحية أسباب اعتماد نموذج الهيمنة عبر النخب، الغايات المنشودة، الجدوى من هذا التوظيف، أدوات وأساليب تجنيد وتوظيف النخب، الثغرات التي تشوب عملية التوظيف، وطبيعة التخادم بين الطرفين، والوظائف التي تقوم بها النخب التابعة، والمجالات التي تمارس فيها وظائفها، والأنماط الشخصية للنخبة التابعة، وكذلك مستويات التبادل بين الطرفين.
الأسباب
-هم المفاتيح الطبيعية لأي مجتمع، حيث ينبغي أن يدار من خلال النخب.
-يتميزون بنقاط ضعف متعددة وحساسية مرتفعة وحاجات كثيرة ورغبات ومطامع ومنافسات ونزاعات.
-لديهم السلطة والموقع الاجتماعي والمشروعية والقدرة والثقافة المطلوبة لإقناع الشعوب بالهيمنة الخارجية الأمريكية.
الغايات
-تحقيق السيطرة والتملك للموارد والمصادر الطبيعية والبنى التحتية والجغرافيا والمعرفة والثقافة والقرار العام.
-التخفيف من عبء الهيمنة المباشرة وامتصاص ردود فعل الجمهور الغاضب من خسارة السيادة والموارد والهوية.
-تخفيف المنافسة الدولية من خلال إضفاء المشروعية على عمليات الهيمنة والتدخل.
-تخفيف الحاجة لاستخدام العنف المباشر وتوكيل النخبة الحاكمة أو المتنفذة عند الحاجة.
الجدوى
-الطريق الأقصر للهيمنة واستدامة السيطرة.
-بمقدار التشبيك القائم مع النخبة المحلية يمكن مواجهة النفوذ والتدخل الخارجي المنافس.
-هم الأقل تكلفة حيث يمكن تعويض التعامل العادل مع الشعوب، بالتعامل الأقل كلفة مع النخب، والوصول إلى نتائج أفضل بكثير.
الأدوات
الابتزاز: تمارس الولايات المتحدة عملية ابتزاز عامة من خلال ارتباط النخب بالبنى التحتية المالية والاقتصادية والمعلوماتية الأمريكية، كما تمارس عند الحاجة عمليات ابتزاز مباشرة عبر قانون مغنتسكي أو قوانين العقوبات المختلفة أو عبر إجراءات إعلامية وأمنية مناسبة.
التمويل المباشر: تمول الولايات المتحدة النخب الراضية بالتبعية لها بشكل مباشر عبر التمويل المعلن الخاص بمنظمات المجتمع المدني، أو التمويل غير المعلن الذي يذهب إلى النخب السياسية الرسمية أو الحزبية.
التمويل عبر الفساد الرسمي: من خلال الغطاء الذي تعطيه الولايات المتحدة للفاسدين، الذين يختلسون الأموال التي تقدمها الولايات المتحدة بشكل مباشر أو عبر توجيه أمريكي للحلفاء، وتأتي على شكل قروض وهبات، ويتم اختلاسها تحت العين الأمريكية وبإشرافها، وهذا التمويل غير مباشر.
التمويل المهذب: تشرك الولايات المتحدة النخب الأكاديمية والفنية والإعلامية والاقتصادية في برامج رعاية ودعم وتوظيف وشراكة مع مؤسسات القطاع الخاص الأمريكية، وذلك بالتنسيق المباشر مع السفارة وعبرها أو عبر أذرعها المدنية، وبذلك تربط النخب بمسارات تضمن موقفها السياسي.
التمويل التداولي المحلي: الغطاء الذي توفره الولايات المتحدة لعمليات النهب المحلية، والدعم الذي تقدمه للنخب التي تستفيد من هذا النهب، هو أحد أشكال التمويل غير المباشر.
الترهيب والهيبة: تتعامل النخب مع الولايات المتحدة على أساس الصورة العامة التي تقدمها عن ذاتها عبر الفن والإعلام والإجراءات الميدانية المختلفة، ولذلك تشعر شرائح من النخبة بالخضوع التلقائي أمام الموظف الأمريكي، ولا تملك القدرة على التفكير الحر في مقابل الطروحات والتهديدات الأمريكية.
البنى التحتية للهيمنة: تسيطر الولايات المتحدة على البنى التحتية المصرفية والتجارية والمعلوماتية والثقافية والإعلامية والفنية والأكاديمية بشكل كبير، ولذلك تتأثر النخب بشكل تلقائي بهذه البنية خصوصاً حين تفتقد التسيس الكافي أو الثقافة والمعرفة بأساليب التسلل الناعم، وعندما تأتي عملية التوظيف تجد هذه النخب نفسها تتطوع بشكل سلس للانخراط في المسار العلمي الأمريكي.
التغير الثقافي: تعمل الأجهزة الأمريكية على تسييل برامج التغيير الثقافي في البلدان المستهدفة، وهي تؤثر في الانطباعات حول المصالح والمسؤوليات في نظر النخب، بحيث تتغير رؤيتها لكيفية تحقيق المصالح الوطنية أو الجماعية الفئوية أو الفردية، وكذلك رؤيتها للمسؤوليات السلبية حول الأزمات المحلية والإقليمية، وبذا تكون مستعدة للانخراط في المسار الأمريكي تحت شعار تحقيق المصالح وتحمل المسؤوليات الإيجابية.
هجرة الأدمغة: تساهم هجرة الأدمغة في إعادة توجيه أفكارها وقناعاتها وهويتها السياسية والثقافية، وهي تمارس تأثيراً محلياً من خلال مساهمتها في دعم التحول التغريبي الثقافي والاقتصادي، وكذلك حين تعمل على خط حرك اللوبيات، وعندما تعود إلى الاستقرار في الوطن يمكن أن تصبح أداةً أمريكية.
المجتمع المدني: يشكل المجتمع المدني وما يظله من منظمات تمتلك مشروعية قانونية وإعلامية إحدى المجالات الرئيسية لتوظيف النخب، وهذه المنظمات هي أدوات متكاملة ومصممة للقيام بعمليات الاستقطاب والتوظيف للنخب.
التجنيد الأمني: تمارس الولايات المتحدة الأعمال التقليدية في تجنيد النخب في المستوى الأمني للقيام بأعمال تجسسية أو تنفيذ عمليات ميدانية.
الثغرات
-عدم التوازن مع المشغل في القدرة والحجم والموارد: العلاقة مع النخب غير متوازنة، فالثقل الأساسي فيها هو لصالح الأمريكي، وبالتالي فإن المصالح المحلية تسقط من الحسبان، وتصبح المصلحة الفردية هي محل النظر الأمريكي، ومن ناحية أخرى، فإن العلاقة تصبح علاقة تحكم وإدارة من طرف لطرف، وليست علاقة شراكة متوازنة، وهنا تفقد مشروعيتها بنظر أبناء البلد غير المستفيدين من تلك العلاقة، على أن المستفيدين عادةً هم قلة.
-اختلاف المصالح المحلية عن المصالح الأمريكية: تبنى السياسات الأمريكية على أساس تغليب المصلحة الخاصة على حساب مصالح الشركاء، تحت شعار حماية الأمن القومي وحراسة المصالح الأمريكية، اذا تجد تبريراً كافياً في ذلك، ونظراً لاختلال موازين القوى، يكون تغليب المصلحة الأمريكية قاسياً تبعاً لهذا الاختلال، مع الأخذ بعين الاعتبار التصور الأمريكي حول ضرورات وامكانيات تحقيق المصلحة الأمريكية، بما يترتب عليه مراعاة مصالح النخب بالدرجة الأولى، وبعض المصالح الشعبية التي يتم تصنيفها على أنها ضرورية وحاسمة.
-ضعف الخيانة مقابله قوة الخدمة التحررية: تعاني النخبة التابعة للولايات المتحدة من شرخ في صورة وطنيتها، وذلك في الدول التي تشهد حالة تحررية، أو تأثيراً للمناخ التحرري، بالمقابل تتمتع النخبة التحررية بميزة تفاضلية وهي الخدمة والتضحية التي تقدمها للشعب.
-عدم امتلاك ضمانات الاستمرار في الوظيفة: تعاني النخبة التابعة من قلق، متفاوت بحسب الظروف، لناحية استمرار التخادم أو التوظيف أو التوكيل الأمريكي، وذلك لعدة أسباب:
-فشل الوكيل: في حال تعرض المهام الموكلة إلى التابع لضغوط تفوق قدرته على التنفيذ، فإنه قد يخسر التوكيل لصالح آخرين، ولذلك يعيش في حالة قلق مستمر، وذلك بسبب العلاقة غير الأصيلة بينه وبين المشغل، فالوكيل الخارجي لا يشكل حالة ضاغطة مثل اللوبيات ودافعي الضرائب مثلاً.
-تراجع الموارد: يتراجع التوكيل الأمريكي ويتقدم بحسب الإمكانيات المالية، فأحياناً يتم تخفيض الموازنات المخصصة للوكلاء على أنواعهم، نظراً لتراجع القدرة المالية، أو لظهور أولويات مالية أخرى، أو لتراجع الجدوى المنتظرة من التوكيل.
-ظهور وكيل بديل: يظهر وكيل أكثر كفاءة، سواءً كان فرداً أو جماعة أو تنظيماً أو نمطاً، وقد يكون هذا الوكيل الجديد هو نتيجة جهود أمريكية متراكمة نضجت في توقيت معين، ويؤدي ذلك إلى التخلي الكامل أو النسبي أو تجميد التوكيل السابق، وتكرار هذه الحالة يؤدي إلى اضعاف الثقة بين الولايات المتحدة ووكلائها.
-تغير الأسلوب والاستراتيجية: تبعاً لتغيير السياسات الأمريكية، يتم تعديل نمط التعامل مع النخب التابعة، فقد يحصل تأجيل عمليات أو تعديل مسارات، ما قد يؤدي للحاجة إلى تغيير نمط النخب المستخدمة في العمليات، وتفقد النخب السابقة دورها.
-توافق المشغل مع أعدائه: يسلك الأمريكي اتجاها توافقياً مع الأطراف التي كان يصنفها في حالة عداء، وذلك تبعاً للمتغيرات، وفي هذه اللحظة يتم التخلي عن الوكلاء، ولذلك يعمل الوكلاء دوماً على تحاشي الوصول إلى هذه النتيجة.
-تراجع هيمنة المشغل: عندما تتراجع السطوة الأمريكية في ساحة من الساحات، فمن الطبيعي أن يتراجع اهتمامها بدعم النخب التابعة وتشغيلهم، وفي بعض الحالات، عندما تتعرض الهيمنة لانتكاسة نسبية، تتضاعف عمليات التشغيل، لكن في حال وصلت الهيمنة إلى طريق مسدود، فإن الاهتمام الأمريكي سيتضاءل نسبياً، وفي حالات نادرة كلياً، وينعكس ذلك بالنسبة والتناسب على حالة النخب التابعة.
-تفوق قوى منافسة للمشغل: تتنافس القوى الاستعمارية على النخب القابلة للتوظيف، وبحسب قدراتها المالية وفعالية برامجها وواقعية أهدافها السياسية، تستطيع كسب السباق نحو تحصيل تبعية فئات نخبوية أكثر عدداً أو أكثر قيمة وتأثيراً، وعندما تتقدم الدول المنافسة للأمريكي في حركتها وتنمو قدرتها على الاستقطاب، تلجأ النخب إلى تعديل تموضعها عند الاستطاعة، وقد يؤدي التنافس إلى تخفيف اهتمام الأمريكي بساحة العمل، ويعدل اهتمامه نحو ساحة أخرى أقل تنافساً، بما يعطل قدرته على تشغيل النخب التي وظفها، ولا شك بأن التنافس في المستويات غير المؤثرة بشكل حاسم على النفوذ الأمريكي، تؤدي إلى زيادة التركيز الأمريكي على حيازة وصيانة النخب التابعة له.
-تغير اهتمامات وأولويات المشغل: بفعل التحولات الدولية والتكنولوجية والاقتصادية والثقافية تتغير اهتمامات وأولويات الولايات المتحدة الأمريكية، ما ينعكس على مستوى وعدد ومجالات توظيف النخب، وهذا التحول لا يحصل بشكل سريع، بل يأخذ وقته كمسار تحول متوسط وبعيد المدى، وتتعرض النخب حينها للاهتمام أو الاهتمام بحسب التحول وسعته ومداه وعمقه.
-تأثر التغيرات في الساحات ببعضها البعض: عندما تحصل تحولات في تعامل المشغل الأمريكي في ساحة ما، فإن ذلك ينعكس على الساحات الأخرى، فتتأثر النخب التابعة بوضعية النخب المثيلة لها في الدول المجاورة أو حتى البعيدة، فتصاب بالقلق وتراجع الثقة بالمشغل في حال تخلى عن نخب مماثلة لها في ساحة أخرى، والعكس بالعكس.
-عدم وجود حوافز للبذل والتضحية: تتميز النخب التابعة لمشغل خارجي بعدم توفر الحافز لديها للبذل والتضحية في سبيل المشغل وأهدافه، أو الأهداف المشتركة بينهما، ذلك أن الثقافة الوظيفية والتخادمية تتميز بالسمات النفعية والبراغماتية، وهي تقوم على أساس فقدان النخبة التابعة للثقة بنفسها وبهويتها وبثقافتها وبقدرتها الذاتية وببلدانها، وخيار التبعية يتم اتخاذه من قبل هذه النخب لتخفيف الخسائر والتضحيات وزيادة المكاسب دون الدخول في مسار التحرر والاعتماد على الذات، وذلك تنتفي دوافع المواجهة نظراً لتكلفتها المرتفعة خصوصاً تجاه قوة متفوقة نفسياً ومادياً. نعم قد تستطيع هذه النخب في ظروف سياسية وثقافية معينة أن تقنع الجماهير التي تقع تحت تأثيرها ببذل التضحيات لأجل مشاريع تشاركية بين المصالح الأمريكية وبين مصالح فئوية، لكن بشرط أن تكون المشاريع والرؤى المحلية متجذرة وأصلية وسابقة على التدخل الأمريكي، بحيث توفر الدوافع لدى الجماهير للتحرك تحت مظلة الدعم الأمريكي.
-الشكوك في المشروعية والمقبولية: تعيش النخب التابعة أزمة المشروعية والمقبولية نظراً لانزياح هويتها السياسية والثقافية، ولذلك تعيش القلق الدائم من انقلاب البيئة أو جزء منها عليها، خصوصاً مع فقدان التوازن في العلاقة مع المشغل لناحية مراعاة المصالح المحلية، ولذلك تعتمد هذه النخب على هويات محلية ورموز ثقافية وتتبناها لتشكل لها رافعةً تحميها من الجماهير ذات الاستفادة المحدودة من عملية التوظيف غير المتوازنة.
-الغايات السلبية للمشغل المهيمن: الحركة الأمريكية في مختلف البلدان هي حركة سلبية ضد مصالح تلك البلدان ومصالح الشعوب، وبالتالي فإن الوظائف التي تقوم بها النخب لخدمة هذه الحركة السلبية تتسم بنفس السلبية والعدائية، ورغم تقديم تلك الوظائف تحت شعارات ليبرالية وحداثوية، فإنها في الحقيقة والواقع تغطي مكاسبها وفوائدها الذاتية من عملية التوظيف، كما تغطي بتلك الشعارات المكاسب والفوائد الخاصة بالجهة المشغلة، ومع مرور الوقت قد تدرك الشعوب بأن ما يصحل من تحركات تحت الشعارات الليبرالية لم يؤدي إلى استفادة فعلية وواقعية للأعم الأغلب من الناس.
طبيعة التخادم
-تقوم النخب بأعمال محلية آخذة بعين الاعتبار مصالحها الذاتية: تحاول النخب التابعة تضليل الجمهور وتصوير مصالحها الخاصة على أنها مصلحة عامة، بالاستفادة من القاموس السياسي الاستعماري الذي يعطي الانطباع بالتقدم والحداثة والقدرة، كما تضلل النخبة التابعة الجمهور حيث إنها تقدم نفسها وكيلاً للمستعمر المتطور وبالتالي تعتبر نفسها نخبة قادرة على التحديث الاقتصادي والسياسي، وبالتالي تحتكر القدرة على التطوير.
-الجهة المشغلة إلى غايات محلية وإقليمية ودولية: من جهتها تقوم الجهة المشغلة، المستعمر الخارجي، بتحريك النخب والسياسات المحلية في مختلف البلدان بناءً على رؤية دولية وإقليمية، تصب في المستويات الثلاثة في تحقيق مصالح المستعمر، وحين تتأثر سياساتها في الدولة المحتلة بسياساتها في الدول المجاورة وكذلك بحركة الدول الاستعمارية الأخرى، فإن مصالح الجمهور المحلي تصبح خارج الاعتبار إلا في حال شكل إهمالها خطراً لا يمكن تفاديه على المصالح الاستعمارية.
تنظر الجهة المشغلة إلى النخب كأداة تنفيذية لسياساتها ومشاريعها: ترى الدولة الاستعمارية أن النخب المستعدة لقبول الشراكة القائمة على التبعية، هي أدوات مفيدة لتنفيذ مشاريعها وبرامجها وتحصيل مكتسباتها في الموارد والجغرافيا. الشراكة تقوم على أساس تقديم المشغل المال والتوجيه والتنظيم والضبط، مقابل أن تقدم النخبة موقعها ومصداقيتها ومقبوليتها وقدراتها في خدمة المصالح الخارجية.
الوظائف
-اقناع الجمهور بالمصالح الأمريكية: تقوم النخب التابعة بإقناع الجمهور بأن تحقيق المصالح الأمريكية هو أمر مفيد للعموم، وبأن مراعاة السياسة الأميركية هو في مصلحة الشعب، نظراً للتكاليف المرتفعة التي تترتب على رفض الهيمنة الأمريكية.
-تجنيد النخب: يعمل التابع كمنصة لاستتباع النخبة المحلية، فهو يقدم نفسه كتجربة متقدمة وحداثوية، كما يستفيد من الحماية والرعاية التي توفرها له الدولة المستعمرة، لكي يجتذب ويستقطب النظراء والمتأثرين فكرياً أو اجتماعياً به وبشبكة تأثيره الوظيفي.
-إحباط حالات التحرر: نظراً لأن حضور المستعمر ونفوذه في البلاد يشكل مادة استحكام ورفاه للنخبة التابعة له، فإنها تستشعر الخطر من أي حالة تحررية تتحرك في بلادها وحتى في الجوار، فتعمل بشكل تلقائي على إحباط تلك الحالات، سواءً بقدراتها الذاتية أو بتوجيه ودعم وغطاء المستعمر.
-التنظير لضرورة الخضوع للهيمنة: تقدم النخب التابعة نظريتها القائمة على أساس أن تحقيق المصلحة العامة مرهون بالتدخل الأمريكي والرعاية الأمريكية، وهذه الرواية هي في الحقيقة غطاء لتحقيق المصالح الأمريكية، لأن العلاقات الأمريكية مع الدول تقتصر في الأساس على النخب التابعة، أما الجمهور العام فليس ضمن الحسابات إلا بما يحقق لها السيطرة على الموارد والأسواق.
-إنشاء القوانين المنسجمة مع الهيمنة: النخب التابعة التي تتسرب بفعل نشاطها المدعوم والممول من الأمريكي والغربي عموماً نحو البرلمان والمؤسسة التشريعية، تقوم بقوننة التبعية الدولتية، وبتشريع التبعية الفردية وتلك المتاحة في القطاع الخاص، وبذلك تجعل من التبعية أمراً طبيعياً واعتيادياً ومألوفاً، بحيث تصبح مخالفته مستهجنة من العموم وتواجه بمقاومة شديدة. القوننة كذلك تسمح للهيمنة الغربية بالتسرب إلى الشرائح والأجيال المختلفة، بحكم أنها تفتح لها المجال نحو كل المؤسسات العامة والخاصة، وبالتالي تنفذ إلى كل مجالات الحياة.
-تغذية البنى التحتية التي تيسر الهيمنة: تشكل النخب التابعة مادة البنى التحتية للهيمنة، فالتغول الغربي ليس قائماً على أساس المواقف والقوانين والإجراءات، وإنما يرتكز ويتقعد على بنية تحتية شاملة تيسر له الاستمرار والشمول والرقابة الدائمة. هذه البنية التحتية تديرها النخبة التابعة وتمثل خيط امتدادها ومواكبتها للمتغيرات والاحتياجات المختلفة.
-تنشئة أجيال تمارس الوظائف: تعود للنخبة التابعة وظيفة تنشئة الأجيال التابعة، سواءً في النطاق العائلي أو المدرسي والأكاديمي أو الثقافي والإعلامي، فهي تنقل بذرة التبعية جيلاً بعد جيل، ومن خلال سياق التنشئة التي تهيمن عليه المقولات الغربية والبنى والمسارات الغربية، تقوم مقومات ومقدمات استدامة الهيمنة.
-إرشاد قوى الهيمنة للفرص: تشتغل النخب التابعة على تقديم الفوائد للمستعمر، فهي تحتاج دوماً إلى إثبات الجدوى لدى المشغل، فتعمل على البحث عن الفرص التي تفيد المشغل، وترشده إليها، خصوصاً تلك الفرص التي تؤدي إلى اضعاف الحالات التحررية التي تأخذ من رصيد النخب التابعة.
-تنبيه قوى الهيمنة للمخاطر: مضافاً إلى الإرشاد للفرص، تنظر النخب التابعة إلى وضعيتها على أنها تشارك المستعمر في نفس المركب، ولذلك تتحفز أجهزة التحسس لديها حينما تستشعر الخطر تجاه نفوذ المستعمر، خصوصاً عندما لا يكون هناك بديل جاهز يحل مكانه في توفير الرعاية والوظيفة لتلك النخب.
-تبرير سياسات الهيمنة دولياً: تساهم النخبة التابعة في انخراطها في منصات المشاركة الدولية في تبرير سياسات الاستعمار، وإعطائه صورة الجهة الراعية للدول والشعوب المتخلفة، كما تقدم للمستعمرين التعليل الأخلاقي والعملي لسياسات النهب والهيمنة تحت عناوين مختلفة.
-تأهيل موظفي الهيمنة الجدد: تقوم النخبة التابعة بوظيفة تأهيل الأجيال المتلاحقة من المستعمرين حول طبيعة ساحات عملهم في البلدان المستهدفة، وكذلك تأهيل الموظفين الأجانب الذين يحلون في السفارات والأجهزة التابعة لها بشكل دوري.
-توفير بديل لحالات التحرر: تعمل النخب التابعة في منافسة حالات التحرر عبر تقديم بدائل ممولة ومدعومة من قبل دول الهيمنة الغربية، وهي استراتيجية جذرية تعمل على تقويض مبرر التحرر وتفكيك خطابه.
-إسقاط البنى التي تتيح التحرر: تشتغل النخب المستتبعة من قبل الاستعمار على تفكيك وتقويض البنى المحلية التي تسمح بنشوء واستمرار ونمو حالة التحرر، سواءً كانت بنىً اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية أو ثقافية أو سياسية.
-اختراق حالات التحرر وتحويرها: بفعل تموضعها الاجتماعي اللصيق تستطيع النخب التابعة اختراق حالات وحركات التحرر والتأثير على توجهاتها بالتدريج، ويمكن أن تصل إلى مستويات قيادية متفاوتة تتيح لها القيام بهذه المهمة.
-تبديد قيم التحرر وفلسفته: تنخرط النخب الثقافية والسياسية والإعلامية التابعة للمستعمر في ورشة التنظير لقيم مضادة للتحرر وفلسفته، وتوفر تلك المادة للاستهلاك التربوية وللتنشئة، كما توفرها للتداول الآني، وهي وظيفة أساسية من وظائفها.
-جمع المعلومات عن البيئة: توفر النخب التابعة المعلومات والإحصاءات والتحليلات والنظريات التي تفسر وتوضح الحالات المختلفة في البيئة المحلية، وتقدمها للمستعمر كأحد المصادر الأساسية لاتخاذ القرارات الاستراتيجية أو التكتيكية أو هندسة البرامج المتوسطة والبعيدة المدى.
-الاستخبار عن قوى التحرر: تقوم النخب التابعة بوظيفة استخباراتية تقوم على أساس الاحتكاك بالحالات التحررية واختراقها بشكل سري، وذلك بهدف توفير المعلومات الكافية للمستعمر ليتسنى له استهدافها بالطريقة الأكثر نجاعة.
المجالات
-اقتصادي: الخبراء الاقتصاديين، التجار، أصحاب رؤوس الأموال، مدراء وموظفي البنوك، أساتذة كلية الاقتصاد، أعضاء المؤسسات الاستشارية الاقتصادية، الموظفين الاقتصاديين والماليين في القطاع العام، الصحافيين الاقتصاديين، أعضاء المنظمات الأهلية الاقتصادية.
-فني: الفنانون، مدراء المؤسسات الفنية، أساتذة كليات الفنون، النقاد الفنيون، الصحافيون الفنيون، أصحاب المؤسسات الصحافية الفنية، أصحاب المنتديات الثقافية، المنظرون والباحثون في المجال الفني، مؤسسات الإنتاج والتوزيع، المنظمات الأهلية الفنية.
-سياسي: المسؤولين الرسميين، موظفي القطاع العام، قادة وأعضاء الأحزاب السياسية، المنظمات الأهلية السياسية، أساتذة العلوم السياسية، الكتاب والمثقفون السياسيون، المحللون السياسيون، قادة الرأي، أصحاب المنصات السياسية المختلفة.
-أمني: وزير الداخلية، مدراء وموظفي وزارة الداخلية، قادة الأجهزة الأمنية، ضباط وعناصر الأجهزة الأمنية، الأمنيون المتقاعدون، مسؤولي الملفات المعلوماتية في القطاع العام، شركات المعلوماتية في القطاع الخاص، الأفراد المتصلين بمصادر معلومات حساسة، مدراء وموظفي شركات الاتصالات والإنترنت، الصحافيون الاستقصائيون.
-عسكري: قادة الجيش وضباطه، العناصر العاملين في أماكن حساسة في المؤسسة العسكرية، المحللون العسكريون، الضباط المتقاعدون، الخبراء والباحثون في المجال العسكري، وزير الدفاع، مدراء وموظفي وزارة الدفاع.
-أكاديمي: وزير التربية، مدراء وموظفي وزارة التربية، مدراء الجامعات والكليات العامة والخاصة، أساتذة وموظفي الجامعات، الباحثون المتخصصون والمحاضرون الجامعيون، دور النشر الجامعية، الجمعيات الراعية والمانحة للطلاب، مدراء وأعضاء مراكز الدراسات.
-إعلامي: وزير الإعلام، مدراء وموظفي وزارة الإعلام، مدراء وموظفي المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة، مؤسسات الإنتاج الإعلامي، الصحافيون والإعلاميون.
-ثقافي: وزير الثقافة، مدراء وموظفي وزارة الثقافة، المكتبات العامة والتجارية، دور النشر والتوزيع، المثقفون والكتاب والأدباء والشعراء، أعضاء الجمعيات الثقافية، النجوم الثقافيين، نجوم الثقافة العامة، مدراء المقاهي الثقافية، العاملين في الصحافة الثقافية، مدراء المنصات الثقافية.
-قضائي: وزير العدل، مدراء وموظفي وزارة العدل، المحامون، الجمعيات الأهلية الحقوقية، الإعلاميون الحقوقيون.
-النقابي: رؤساء الاتحادات العمالية والنقابية، رؤساء النقابات، أعضاء الجمعيات الملحقة بالنقابات.
الأنماط الشخصية
-الطامعين: الشخصيات الطامعة مالياً، وترى في التبعية مدخلاً لتحقيق أطماعها.
-الطامحين: الشخصيات التي لديها طموح سياسي واجماعي وتستخدم الارتباط والتبعية كوسيلة.
-المحتاجين: الذين لديهم مشكلات معيشية وحياتية ويلجأون لخدمة المستعمر بناءً على الحاجة.
-المتضررين: من سلوك القوى التحررية سواءً كان سلوكاً عادلاً وقانونياً أو ظالماً ومجحفاً، فيولد لديهم العداوة والحاجة للرد والتعويض من خلال العلاقة مع الدولة الأجنبية المستعمرة.
-المتحركين اجتماعياً: الشباب الباحث عن فرصة للتحرك الاجتماعي الطبقي أو الثقافي.
-المتأثرين ثقافياً: الذين تأثروا عبر الإعلام أو الفن أو الأكاديمية بثقافة المستعمر، ويجدون أنفسهم في خدمته كمكان طبيعي لهم.
مستويات التبادل
-تحصيل المهيمن للأرباح المادية المقصودة وحراستها وفق شبكة مصالح متبادلة.
-توفير الفرصة للاستفادة من الموقع الجغرافي للمنطقة أو الدولة الواقعة تحت الهيمنة.
-توفير مستوى معيشي للنخب التابعة يفوق المستوى المعيشي للنخب الأخرى.
-تسهيل المهيمن للنخب التابعة له الوصول إلى القدرة والسلطة السياسية.
-بناء شراكات مالية عبر القطاع الخاص للدولة المهيمنة يتيح توفير التمويل غير المباشر للتابع.
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا