قائد في لواء الوسطى، الشهيد محمد أبو عبدالله، الذي يعتبر من الرعيل الأول المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وخاصة في المنطقة الوسطى في قطاع غزّة حيث ترك بصماته السياسية والثقافية والعسكرية، وبالإضافة الى وضع البذور الأولى للإمكانات وأساليب العمل والتقنيات الأولية التي عمل الجيل الذي أسس له القائد ابو عبد الله على تطويره من بعده حتّى استطاعت سرايا القدس ان تثبت تعاظم قدراتها العسكرية في كلّ معركة خاضتها لصدّ عدوان الكيان الإسرائيلي ورسم معادلات الردع الاستراتيجية في المنطقة، وخاصة في معركة "سيف القدس" في أيار 2021.
فمن هو الشهيد القائد محمد أبو عبد الله؟
كانت بدايات الشهيد القائد أبوعبد الله مع المؤسس الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي، حيث كانت علاقتهم قوية وعلى مستوى عالي من السرّية والتفاهم، ونظراً للشخصية الكتومة وشديدة الحذر التي تمتّع بها القائد اختار الدكتور الشقاقي منزله لتنظيم لقاءاته السرّية في بداية دعوته الجهادية وخاصة بين عامي 1981 و1982.
ومع اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، بدأ القائد بتشكيل أول المجموعات العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي تحت لواء "سيف الإسلام" آنذاك، والتي نفذت العديد من العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال في محافظات قطاع غزة.
وعمل ايضاً على تفعيل النشاط الطلابي في الجامعات وتأسيس الكوادر الطلابية والتقى حينها مع الأمين العام الثاني للحركة الدكتور رمضان شلّح الذي كان استاذاً محاضراً وكان القائد واحدأً من طلابه وجمعتهم علاقة قوية استمرت حتى حين استبعد الاحتلال الدكتور شلّح خارج فلسطين.
وتميز الشهيد القائد أبو مرشد بحسه الأمني، مما أهله في مرحلة بدايات الانطلاق الفعلي للحركة أن يتولّى مسؤولية جهاز الأمن في قطاع غزة وذلك في فترة الثمانيات، حيث عكف على إعداد وتجهيز جهاز أمني يحفظ صفوف "الجهاد الإسلامي" من الاختراق.
وفي العام 1989، اعتقلته قوات الاحتلال على خلفية "التنظيم العسكري للجهاد الإسلامي" حيث أمضى في السجن سنتين، ثم خرج من ليبدأ مرة أخرى بتشكيل النواة العسكرية الأولى للحركة تحت لواء "القوى الإسلامية المجاهدة قسم" برفقة الشهداء القادة هاني عابد، ومحمود الخواجا، وعمار الأعرج ومقلد حميد وبشير الدبش وغيرهم. ونجحوا في تنفيذ عمليات عسكرية أصابت أهدافاً في عمق الكيان الإسرائيلي، ومن أهمها
_ عملية "بيت ليد" التي نفذها شابين من الحركة بعد تنكرهم بزي جيش الاحتلال واقتحما محطة للاحتلال والتفجير، اعتبرت العملية نوعية آنذاك لأنها أدخلت تكتيك "التفجير المزدوج" للمرة الأولى بتاريخ المقاومة الفلسطينية وأدت الى قتل 19 جندياً وجرح 62 آخرين.
_ وعملية "مفترق الشهداء" الاستشهادية، التي كان من المقصود أن تكون بالقرب من سجن "مجدو" لما يوصل للاحتلال رسالة ان السرايا لن تترك الأسرى، واستهدفت العملية باص للجنود ما أسفر عن مقتل 17 جندياً.
_ وعملية "كفارداروم" المشتركة مع كتائب شهداء الأقصى حيث اقتحم شابين من الكتائب المستوطنة وسط غزة ساندتهم مجموعة أخرى تابعة للسرايا استهدفت المستوطنة بعدد من الصواريخ، ما أسس لمرحلة جديدة في نوعية عمليات المقاومة.
العقل التقني لسرايا القدس
وفي عام 1994، تم تأسيس مركز فلسطين للدراسات والبحوث لحركة الجهاد الإسلامي وأخذ المركز يجمع الباحثين المميزين، وكان من بينهم القائد محمد أبو عبد الله، وقد عمل في مجال البحث، وقام بإصدار العشرات من الأبحاث والدراسات والكتيبات، كما عمل على تنظيم الندوات السياسية والتنسيق مع كافة الفصائل لعقد العديد من الورش الثقافية والسياسية والفكرية.
وفي تلك الفترة حصل القائد على عدة دورات تقنية والكترونية كان لها الدور البارز في تطوير المنظومة التقنية والهندسية العسكرية للجهاد الإسلامي، وأهلته ليكون أحد أهم المسئولين في الهندسة والتصنيع الحربي.
ومع انطلاق الانتفاضة الثانية، بدأ القائد ومجموعة من رفاقه من تأسيس الجناح العسكري "سرايا القدس"، وأشرف شخصياً على هيكلة صفوفه على المستوى التنظيمي وعلى مستوى الهندسة والتصنيع وعلى مستوى التسليح، وباشر بتنظيم دورات تدريبية عسكرية، كما تميز القائد بالانضباط الشديد وحرص على تربية أفراد السرايا على أساس النظام والانضباط الشديدين.
أما من ناحية العمل العسكري المباشر، فقد كان القائد أبو عبد الله العقل التقني والمفكر لتطوير صواريخ القدس، والعبوات التي منها "رعد" و"برق" و"سجيل"، وعبوات موجهة ضد "الأفراد"، كما يسجل له تصنيع وتطوير قذائف الهاون من العيار الثقيل وتطوير القنابل اليدوية، بالإضافة الى دوره في صناعة القنبلة البلاستيكية الفرنسية، وصناعة قذائف الهاون البلاستيكية التي قطع فيها شوطاً كبيراً لأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، اعتبر العقل التقني للمنظومة الصاروخية لسرايا القدس، وخطط للعديد من العمليات العسكرية.
الاستشهاد
يوم السابع والعشرين من شهر كانون الأول عام 2007، عندما خرج القائد أبو عبد الله للإعداد والتجهيز للرد على اغتيال قوات الاحتلال لأفراد من السرايا في غزة وشمالها، وما أن خرج حتى أطلقت طائرات الاحتلال صاروخ استهدف رفاقه الشهيدين محمد فوزي أبو حسنين، ومحمد أحمد أبو حسنين، فسارع القائد نحو منطقة القصف لإنقاذهما، لكن صاروخ ثاني استهدفه ورفيقه الشهيد إبراهيم اللوح، لكنه لم يصب وعاد نقلهم من مكان الاستهداف، لكن الاحتلال قصف بصاروخ ثالث أدى الى استشهاده، وتسّلم مسؤولية قيادة لواء الوسطى من بعده شقيقه القائد عرفات الذي استشهد أيضاَ عام 2017.
الكاتب: غرفة التحرير