سلّمت السعودية لحقيقة خسارتها في مأرب، آخر معاقلها الاستراتيجية والنقطة الفاصلة بين الشمال اليمني والجنوب. حيث اتجهت عملياً لتنفيذ استراتيجية جديدة في المناطق الجنوبية التي تحكم السيطرة عليها، بغية تجهيز الأرضية لإعادة "لم شمل" القوى السياسية هناك واعدادها كواجهة لها في المرحلة السياسية القادمة وورقة مساومة للمرحلة التفاوضية المقبلة.
بعد أعوام على اقصاء السعودية والامارات لغالبية القوى السياسية الجنوبية، ومصادرة قرارها والتحدث باسمها حتى بالأمور السيادية الداخلية، تعود الرياض لتوجّه أنظارها نحو الجنوب من جديد، بعدما خسرت كل معاقلها في الشمال، حتى بات حضورها يقتصر على بعض البؤر التي لا تشكل لها أهمية حيوية يمكن ان تقدم لها مكاسب تذكر ان كان على الصعيد السياسي او العسكري.
هذا التوّجه لم يقتصر فقط على تلك القوى التابعة للرياض بل حتى انها توجهت أيضاً إلى مجلس الانتقالي الجنوبي رغم كل الخلافات التي نشبت بين الجانبين طيلة السنوات السابقة والتي وصلت حد الاقتتال العسكري والاتهام المتبادل بتسليم المواقع للجيش واللجان الشعبية خاصة بيحان في شبوة وبيع الأسلحة والذخائر واختلاس الأموال المخصصة لدعم الجبهات وتحصينها لتأخير وقوعها بيد قوات صنعاء.
يرخي هذا التبدل بظلاله على التشكيلة السياسية القادمة في الجنوب، ففي الوقت الذي دعمت الامارات المجلس الانتقالي الجنوبي وعملت على إعادة تعويمه، اقنعت الرياض بتقييد حزب الإصلاح، وكانت من أبرز الدلائل على ذلك إعادة تشكيل "النخبة الشبوانية" التي كانت قد حُلّت عام 2018، فيما أكد مصدر عسكري "لموقع الخنـادق" عن نية الامارات بالانسحاب من منشأة بلحاف في بحر العرب ليتم تسليمها للنخبة الشبوانية المدعومة اماراتيا أيضاً، الأمر الذي يعيد الخلافات بين الانتقالي والإصلاح إلى أوجها.
أما ميدانياً، فتستمر قوات صنعاء بالتقدم على جبهات مأرب حيث سيطرت على منطقة الجرشة جنوبي مأرب، بعد مواجهات عنيفة مع حزب الإصلاح وقوات الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي المسنودة بغطاء جوي كثيف من قبل طائرات التحالف.
هذا وتستمر القبائل بالتوافد إلى العاصمة صنعاء لإتمام "مبادرة مأرب" التي أطلقها قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي من بينهم مشائخ من كبرى القبائل في المحافظة كقبائل عبيدة ومراد وذو محمد بغية تحييد مناطقهم عن العمليات العسكرية، بعدما عمدت ميليشيا الإصلاح إلى استغلال أبناء القبائل إلى دروع بشرية.
الاقبال القبلي الكثيف على تأييد وتنفيذ مبادرة مأرب، جاء بعد تشكيل لجنة من قبل حكومة صنعاء مكونة من كبار مشائخ وزعماء القبائل، لتجنيب الممتلكات والأرزاق سعير الحرب الذي تسعى إليها الرياض فقط من أجل تأخير ساعة حسم مأرب. وقد برز هنا دعوة القيادي في حركة أنصار الله محمد البخيتي لأبناء القبائل "انصح حزب الاصلاح بتسليم مدينة مأرب سلمياً حقناً للدماء، لأن تحريرها أصبح مسألة وقت ونحن سنتولى مهمة تحرير ما تبقى من أرض اليمن ونضمن لهم المشاركة في العملية السياسية في المستقبل مقابل حيادهم ولو في آخر لحظة. وإذا ما أصروا على القتال في صف دول العدوان التي تنبذهم فإنهم سيخسرون كل شيء".
فيما بدأت نتائج هذا الاقبال القبلي تتبلور بعد الإحباط الكبير الذي أصاب قوات هادي والإصلاح الذين شعروا انهم أصبحوا منبوذين في المحافظة دون حاضنة شعبية لهم، وأصابهم اليأس حيال المعركة في مأرب حيث انهم يخسرون بشكل مستمر، وقد تخلت عنهم السعودية بدورها.
الكاتب: غرفة التحرير