ما بعد مجزرة الطيونة التي ارتكبتها ميليشيا القوات اللبنانية ورئيسها عن سابق تحضير وترصّد لم تفضح فقط حقيقة التدريب والتسليح العسكري لعناصر القوات، ولا أجندات سمير جعجع الخارجية المرتبطة بالأمريكي والسعودي، ونواياه زعزعة السلم الأهلي والتضحية بالمسيحيين قبل المسلمين لأجل مصالحه الخاصة المالية والانتخابية، بل كشفت المزيد من تهافت مواقفه، وزيف ادعاءاته، وتناقض آراءه.
هذا التخبط والارباك لدى جعجع وفي صفوف القوات عبر إطلاق المواقف والمقابلات التلفزيونية كشف عن ادلة ومؤشرات إضافية تثبت تورّط القوات في جريمة الطيونة الخميس 14/10/2021.
تناقض المواقف والأفعال
أولاً، وبالعودة الى الساعات والأيام الأولى ما بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 حيث بدأت قناة MTV المعروفة بتبعيتها للقوات وتمويلها السعودي والامريكي، في حلقة خاصة، بتحميل حزب الله مسؤولية الانفجار، مستغلةً هذه الجريمة في استثمار سياسي مكشوف ومفضوح، وذلك قبل أن يبدأ التحقيق بل قبل إحصاء أعداد الشهداء والجرحى والأضرار، فيما ظهر جعجع في نفس المؤسسة والبرنامج ليقول انه "لم يتوقع في بادئ الامر ان لحزب الله علاقة".
ثانياً، تحديداً في 22 شباط 2021، كان حزب القوات اللبنانية قد سلّم للأمم المتحدة عريضة موقّعة من 14 نائباً من نوابه تطالب بتشكيل "لجنة تقصي حقائق دوليّة" في انفجار مرفأ بيروت، وأرجعت القوات هذه الخطوة الى انعدام الثقة بالتحقيق المحلي، فما الذي بدّل الأحوال ليتمسّك حزب القوات اليوم بالقاضي بيطار والتحقيق المحلي، وصار "الرّمز النزيه" في القضاء اللبناني؟
ثالثاً، جعجع الذي ادعّى ان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله "هو من أرسلهم" (ويقصد المتظاهرين المدنيين) الى حيث وقعت المجزرة في الطيونة، واستنكر التظاهر بشأن التحقيق في الانفجار ضد القاضي بيطار بذريعة ان التظاهر هو ضغط يمارس على القضاء، لكن بالأمس يستنجد بشارعه الذي نزل الى الطرقات "رفضاً" لاستدعاء القاضي فادي عقيقي للاستماع اليه في المحكمة العسكرية بناءً على إفادات الموقوفين والشهود، فنسف بذلك القضاء اللبناني واتهم القاضي عقيقي بالتسييس، فهل بات مشروعًا التظاهر في عوكر ضد القضاء لكن غير مسموح ومستنكر التظاهر ضد البيطار أمام قصر العدل؟! ام ان مقولة "صيف وشتاء" على سطح واحد وازدواجية المعايير باتت مدرسة في سلوك حزب القوات وأدبياته.
رابعاً، زعم جعجع في مقابلاته التلفزيونية ان حزب الله "بتصرفاته الأخيرة يقول لنا انه قد يكون معنياً بانفجار المرفأ" قاصداً رفض الحزب لأسلوب تحقيق القاضي البيطار، لكن في المقابل رفض جعجع علناً ان يلبي طلب استدعاء المحكمة العسكرية له، بل واتهم القاضي عقيقي بأنه "قاضي حزب االله"، فاذا كان بريئًا من دماء شهداء مجزرة الطيونة فلماذا يخاف المثول امام المحكمة العسكرية كمستمع!
فشل سياسي
ومن جانب آخر، تبدو جولة الزيارات التي قام بها البطريرك الماروني بشارة الراعي الى رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يوم أمس، دليل على ان جعجع فشل في تحقيق هدفه – الذي وعد به الأمريكي مقابل دعمه بالتسليح – وهو جرّ حزب الله ولبنان الى التوتر الأمني والسياسي، فجاءت زيارة البطريرك لتوضيب فوضى الخطوات غير المدروسة لجعجع وهشاشة تصريحاته الصحفية الأخيرة، وإعادته للغطاء الطائفي حتى لا يستذكر "طريق اليرزة"، وتسوية الأمور السياسية "على الطريقة اللبنانية" بوضع "الخطوط الطائفية الحمراء".
الكاتب: غرفة التحرير