رسالة واضحة تُنبئ بمعادلة جديدة من الردع ورسم محدّد لقواعد الاشتباك، فقد دخل محور المقاومة مرحلة من المواجهة المباشرة ضد الولايات المتحدة، اذ ان استباحة الأجواء السورية واستهداف مواقع المحور لن يُسكت عنه بعد اليوم، حيث تم قصف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في سوريا "التنف" بطائرات مسيَرة ذكية تدخل خطوط الاشتباك للمرة الأولى. فما هي هذه القاعدة وموقعها؟ وما أهمية استهدافها على المستوى الإستراتيجي؟
ما هي "التنف"؟
"التنف" هي قاعدة عسكرية أمريكية جنوب شرق سوريا وهي منطقة صحراوية في محافظة حمص سيطرت عليها الجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة، وتقع غرب الحدود العراقية بمسافة 22 كيلومتراً، كما تبعد نحو 22 كيلومتراً عن الحدود السورية - الأردنية، وعلى بعد 24 كم من الغرب من معبر التنف "الوليد" عند المثلث الحدودي (سوريا – الأردن – العراق) على طريق بغداد - دمشق السريع ذي الأهمية الاستراتيجية.
يتمركز فيها قوات خاصة أمريكية وبحسب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2019، فإن "حوالي 400 جندي أمريكي سيبقون في سوريا بعد الانسحاب، نصفهم في قاعدة الاتحاد الديمقراطي لشمال سوريا، والنصف الاخر في قاعدة التنف".
وتعتبر "التنف" المقر الرئيسي لتدريب الجماعات المسلحة، وتؤمّن تمركز القوات والنفوذ الأمريكي بالقرب من الأراضي النفطية السورية، وملاذاً للفارين والمنشقين عن الجيش السوري لتأهيلهم وإعادتهم الى ساحات القتال لصالح أمريكا، وسُميت هذه الجماعات سابقاً "بفصائل الجيش الحر" ويطلق عليها اليوم اسم "مغاوير الثورة"، بالإضافة الى مجموعات أخرى منها " أسود الشرقية"، "قوات أحمد العبدو"، و"قوات سورية الديمقراطية (قسد)".
كما كان لقاعدة التنف الدور الرئيسي في الحرب على سوريا وقتال الجيش السوري وحلفائه في الأراضي السورية.
عام 2015 مهّد تنظيم "داعش" الإرهابي الوهابي المدعوم أمريكياً بعد ان سيطر على المعبر لتفعيل عمل قوات الولايات المتحدة في "التنف"، وفي عام 2018 بدأت محاولات الجيش السوري لاستعادة هذه الأراضي الحدودية، واعتبرت واشنطن ان نية الدولة السورية هو "عزل التنف" والالتفاف عليها، حيث تعترف الأوساط الامريكية بأن الجيش السوري وحلفاءه نجحوا بتطهير كامل المنطقة الى حدود الـ55 كلم حول القاعدة، وتشير الى ثلاث محاولات لاستهداف "التنف"، وتطرح الأوساط سؤلاً جديّاً: هل تستطيع القوات الأميركية السيطرة على التصعيد إذا قُتل جندي أمريكي؟
أسباب التواجد الأمريكي في "التنف"
تدّعي أوساط التحليل الأمريكي ان قاعدة "التنف" العسكرية تهدف الى منع توسع النفوذ الإيراني، وخنق الاقتصاد السوري من خلال تعطيل العبور على طول الطريق السريع بين بغداد ودمشق ما يعني نظريًا ضغوطًا اقتصادية على الدولة السورية، ويحرمها من أحد الجسور البرية الثلاثة المحتملة بين إيران والبحر الأبيض المتوسط.
تُقابلها رغبة أمريكية بفتح ممر بين الشمال والجنوب في شرق سوريا، يمتد من الحدود التركية الى الحدود الأردنية تسيطر عليه القوات الكردية والقوات الأخرى المدعومة من واشنطن ويقطع هذا الممر الامدادات الإيرانية الى حلفائها في سوريا ولبنان.
وقال مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون في أوائل عام 2019 عقب اعلان واشنطن نيتها سحب قواتها من سوريا، إن العمليات الامريكية ستستمر في التنف "لمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا".
وبالإضافة الى ذلك، ان وجود القوات الأميركية في القاعدة هو " لحماية أمن إسرائيل"، حيث يدّعي كيان الاحتلال "حاجة إسرائيلية" لزيادة الضغط على "النشاط الإيراني" في سوريا، وقال رئيس الأركان السابق في جيش الاحتلال،غادي إيزنكوت، إنه "حصل على موافقة بالإجماع من حكومته في 2017 للرد على إيران. وكانت النتيجة أن الاعتداءات الإسرائيلية أصبحت أحداثًا شبه يومية" في سوريا، وشكلت "التنف" القاعدة الأساسية لانطلاق الطائرات والصواريخ الإسرائيلية في هجماتها التي تطال مواقع الجيش السوري وحلفائه في محور المقاومة في سوريا.
مساحة 55 كم حول التنف: الحزام العسكري
اعتبرت منطقة "عدم قتال" أو "منع الاشتباكات"، وهي بمثابة "حزام عسكري" بمساحة نصف دائرة بقطر 55 كلم حول القاعدة الامريكية، وبحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا "يستخدم الأمريكيون منطقة طولها 55 كيلومترًا من جانب واحد حول قاعدتهم العسكرية بالقرب من التنف، لتهريب مقاتلي داعش من مطاردة القوات وإعادة تجميعهم"، كما أن هذه المساحة تشكل حماية برية لهذه القاعدة.
التجهيزات اللوجستية في "التنف"
تتطلب القاعدة أبعد من مجرد تواجد قوات، فالجنود يجب أن يكونوا مدربين وقادرين على حماية أنفسهم ويتمتعون بردة فعل سريعة. كما تتطلب فريقاً طبياً وفريقاً استخباراتياً قادراً على اكتشاف أي خروقات أو تهديدات. وتستلزم الدعم المدفعي وقوة نيران قريبة أو تحت الطلب السريع للردع وإذا لزم الأمر الرد على "العدوان"، بالإضافة الى الدعم الجوي بالطائرات وكل ما تتطلب من امدادات من وقود وغيره... ولا توجد طرق معبدة إلى التنف، أو المطارات، لذا تصل جميع الإمدادات تقريبًا عبر الصحراء.
الكاتب: غرفة التحرير