منذ مجيء حزب العدالة والتنمية الى السلطة في العام 2002، بزعامة رئيسه رجب طيب أردوغان، وهو يسعى الى التمدد والنفوذ الى منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، لما لهذه المنطقة من أهمية جيوبولتيكية كبيرة. فمن يستطيع السيطرة عليها أو التحكم فيها، سيستطيع بسط سيطرته على "قلب العالم". هذا الطموح (المدعوم برضى أمريكي) يخلق جواً من التوترات والصراعات في المنطقة، تهدد أمن كل دولة فيها. لاسيما وأن كل واحدة فيها مكونة من شعوب ذات فسيفساء عرقية متنوعة ومتداخلة، وموزعة على كل باقي البلدان. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن مبادئ السيطرة الأمريكية على أي منطقة في العالم تبدأ من: التحطيم (كيانات الدول والمؤسسات الجامعة) – التمزيق (تفريق الشعوب بناء على الاختلافات المذهبية العرقية الخ..) – التحكم والسيطرة (فرض اراداتها من خلال القوى الناعمة والخشنة). وهذا ما تحاول تركيا تحقيقه اليوم، من خلال تدخلاتها في هذه الدول، لكن بطريقة لا تستفز الدول الكبرى الأخرى فيها، مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا.
مفتاح النفوذ: مشاريع الطاقة
وعليه فإن مفتاح النفوذ الذي اعتمده أردوغان للدخول الة المنطقة، جاء من البوابة الاقتصادية، مستفيداً مما روج له على أنه "معجزة نمور الأناضول الاقتصادية". وكانت أولوية تركيا هي مجال الطاقة، والمشاركة في تحقيق "مشروع القرن"، الذي أمن بناء خط أنابيب من باكو، وتبليسي، وجيهان، واختصاراً (BTC).
فهذا المشروع تحقق في العام 2005، من بعد مفاوضات ومناورات سياسية مكثفة وطويلة، ليؤمن نقل كمية مليون برميل نفط يومياً قادرة على الارتفاع نحو 10 ملايين برميل، بواسطة انابيب طولها 1776 كم، وبكلفة إجمالية نحو 3.9 مليار دولار أمريكي.
هذا المشروع حول تركيا، إلى البلد الرئيسي لنقل الهيدروكربونات من بحر قزوين إلى الأسواق الأوروبية. كما أن هناك مشروعي أنابيب آخرين للغاز هما قيد التنفيذ TAP وTANAP، ويمران عبر البحر الأدرياتيكي والأناضول. وبمجرد اكتمالهما، ستحول خطوط الأنابيب هذه تركيا إلى مركز للطاقة وفاعل رئيسي للتبادلات بين أوروبا وحوض بحر قزوين.
القوة الناعمة أيضاً
وعلى صعيد القوة الناعمة أيضاً، فإن لتركيا تأثير كبير في جنوب القوقاز. فمن أبسط الأمثلة، تحظى العروض والبرامج التلفزيونية التركية بشعبية استثنائية في أذربيجان، إضافة ً لنشاط حركة السياحة المتبادلة تزدهر بين تركيا والقوقاز. كما أن للتأثير الديني التركي دور ملحوظ، في أذربيجان وفي المناطق الإسلامية في جورجيا أيضاً (مثل منطقة أدجارا والمناطق الحدودية لأذربيجان).
وترتبط هذه المناطق والبلدان بأنشطة ثقافية وتعليمية أيضاً، من خلال إنشاء المدارس والجامعات. حتى في أرمينيا التي تعتبر من الدول المناهضة للأتراك، تم فيها افتتاح قسم للدراسات التركية في جامعة العاصمة يريفان، والذي يضم أكثر من 200 طالب يدرسون اللغة والحضارة التركية.
توحد الدول الناطقة باللغة التركية
من أهم طموحات الأتراك مهما اختلفت أيديولوجياتهم أو انتماءاتهم الحزبية، هي صنع تحالف للدول الناطقة بالتركية. وقد كشف عن هذا الطموح بوضوح، المسار السياسي لأردوغان وحزبه في السنوات الأخيرة. ففي تصريح لوزير العلاقات التركية مع الدول المستقلة الناطقة بالتركية، أكد أن دولته التي تعد "خليفة الإمبراطورية العثمانية العظيمة"، عليها أن تنشئ تحالفًا مع دول أذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان وتركمانستان، حتى لو أدى إنشاء هذا التحالف إلى مواجهة حادة مع روسيا.
وفي المسار نفسه، يرى الخبير الروسي "فلاديمير أفاتكوف" أن أنقرة تريد أن تصبح "سيدة العالم التركي"، حتى أن أكثر القوميين الأتراك تطرفاً واثقون من أن جميع الأتراك، يتعين عليهم التوحد تحت الراية التركية وأن يعيشوا وفقا للقواعد التركية.
الكاتب: غرفة التحرير