ان التحدي الأكبر الذي ينتظر حركة طالبان هو إمكانية تشكيل هيكليتها السياسية وإدارة الحكومة والشؤون الداخلية ونجاحها في الاندماج مع محيطها الجيوسياسي وتثبيت علاقاتها وتحالفاتها الدبلوماسية الخارجية حتّى لا تعود أفغانستان ارضاً للنزاعات السياسية والعسكرية، منذ سيطرة الحركة على البلاد تتجه أنظار الدول اليها ومنها السعودية التي قد تحوّل الساحة الأفغانية الى ساحة تنافس لها مع إيران.
وفي مقال للكاتب " كامران كرمي" الخبير في الشؤون الأفغانية، على الموقع الالكتروني لمركز دارسات "جريان"، يشير الى "أن نتيجة التطورات الراهنة...إما أن يكون عامل تعارض واستمرار للصراعات، إما أن تنجح الجهات المؤثرة الى توفير نموذج للتعاون المؤقت، وإدارة المصالح المتعارضة للسيطرة على التوترات".
النص الكامل:
عودة نهوض حركة طالبان وتحكمها السلطة بعد 20 عامًا من الاحتلال، وتهميش الولايات المتحدة لها، قد آثار العديد من التساؤلات والغموض حول مستقبل البنية السياسية والاجتماعية الأفغانية. في غضون ذلك هناك تساؤل مهم ورئيسي آخر حيث له دور مؤثر على صعيد آفاق الساحة التنافسية بين إيران والسعودية، وهو هل أفغانستان تضاف إلى ساحة أخرى من التنافس الماضية في التوسع بين إيران والسعودية؟ وهل علاقات طالبان السياسية والوجودية بالمنظمات الأمنية والدينية السعودية تشكل، مصدر تهديد على حدود إيران الشرقية؟ وما هي المتغيرات المؤثرة الدخيلة لهذه العملية وهل يكون لها دور مسرع أو محدود في هذا المجال.
المتغيرات المؤثرة:
من خلال شرح وتحليل عدة متغيرات مهمة، يجب معالجة إجابات الأسئلة المطروحة:
أن أحد المتغيرات الحاسمة للغاية هو كيفية انتقال طالبان، من إطار حركة، إلى الحكومة وتشكيل الإمارة الإسلامية في ظل البنية المعقدة والهشة لأفغانستان. أن المتطلبات لمثل هذا الانتقال، أي تحويل حركة وسيعة ومحلية الأداء إلى منظمة وهيكلية سياسية وتنظيمية في إطار الدولة أو الإمارات الإسلامية، كان سبباً لعدم تمكن طالبان، من متابعة برامجها، على غرار أداءها السابق من خلال الحرب والصراع العسكري فقط. يمكن ملاحظة ذلك من خلال التصريحات التي أدلى بها مسؤولو طالبان خلال الاسابيع الماضية حين أدركت هذه المجموعة أن الحكم وإدارة الموارد يتم من خلال التشاور والتفاهم، وإن كان غير مطلوباً ومقيداً ببعض المجموعات والجهات الفاعلة الأخرى وقبول القواعد والاعتبارات المتعلقة بالواقع السياسي واجتماعي والاقتصادي. بالتالي، في مثل هذا الإطار، لا يمكن وضع طالبان كونها مجموعة حرب عصابات أو إرهابية في إطار استراتيجية المملكة العربية السعودية لدعم المجموعات شبه السلفية. طبعاً، فإن الفشل في مثل هذا الانتقال يمكن أن يمهد الطريق لتدهور الوضع الراهن وعودة الأزمة إلى أفغانستان، مما يفسح المجال لدعم السعودية لهذه المجموعة.
المتغير المهم الثاني هو موضوع الاعتراف الدولي، حيث تسعى حركة طالبان بمواقفها الأخيرة إلى وضع نفسها في أتون هيكل الصراع الأفغاني المقبول من قبل القوى الإقليمية والدولية والدخول بسرعة في طور العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول. طبعاً، في مسار مثل عملية تبديل حركة طالبان الى الحكومة، الاعتراف بطالبان على أنها حقيقة قائمة أو مفروضة في إطار مجموعة تمارس الحكم، سيؤدي إلى تعديل النهج المتطرف للحركة، بصفتها حركة عرقية باشتونية تعتمد على تعاليم الفقه الحنفي والديوبندي والوهابي.
مقاربات السعودية
المتغير الثالث يشمل خطط تطوير ولي عهد السعودية في إطار وثيقة رؤية 2030، والتي تنوي من خلال تنويع الإيرادات الحكومية، الى تقوية الاقتصاد السعودي المعتمد على النفط من خلال توسيع وتعزيز السياحة والطاقة المتجددة وجذب الاستثمار الأجنبي والاستثمار في الدول والمناطق الأخرى وارتقاء مكانة السعودية على صعيد المنافسة مع رقباء الإقليميين. في هذا السياق، يرى الخبراء أن استمرار ونجاح مثل هذا النهج يتطلب سياسة خارجية توسيعية وداعمة للاستقرار والتسويات وهو ما يحاول محمد بن سلمان التأكد عليه بعد فترة من التوتر، في ظل الاستراتيجيات السياسية والأمنية للمملكة.
يبدو أن الوعد بحماية الإسلام المعتدل، هو نهج آخر تسعى اليه السعودية للنظر اليه بالتزامن مع متابعتها النهج السياسي والاقتصادي. في سياق ذلك، أعرب ولي العهد السعودي في الاجتماع القائم على الحوار عام 2017 لجمعية "خطة الاستثمار المستقبلية" المنعقدة في الرياض عن استعداد بلاده مواجهة التطرف، وتابع إننا سنقضي على أولئك الذين لديهم أفكار متطرفة وسيكون لدينا حياة طبيعية، ونحن سنعود إلى الإسلام المعتدل الذي يشمل جميع الثقافات. وترجع هذه التصريحات إلى فشل استراتيجية دعم داعش والجماعات السلفية في العراق وسوريا، وكذلك إلى المخاوف الداخلية من انضمام المواطنين السعوديين إلى المجموعات والأيديولوجيات المتطرفة.
تعدد اللاعبين
المتغير الرابع والمهم الآخر يشمل طبيعة ومستوى التنافس بين القوى الإقليمية وفوق الإقليمية المؤثرة في أفغانستان الذي سيلعب دورًا مهماً في موضوع تبديل أفغانستان الى مركز للاستقرار الإقليمي، أو على عكس تبديلها الى مصدر للتوتر والتهديد ووقوع حروب مستمرة. في هذا السياق تُعتبر دول کقطر والإمارات والسعودية والهند وباكستان وإيران وتركيا والصين وروسيا والولايات المتحدة، من اللاعبين الرئيسيين العشرة على هذه الساحة، حيث هناك بطبيعة الحال تنافسات وتعارضات وتضارب فيما بينهم، على أساس المصالح وأيضاً المضي في تشكيل التحالفات. من جهة أن كيفية إدارة هذه الصراعات، وإدراك هذه الجهات الفاعلة، التطورات الراهنة في أفغانستان، سوف يلعب دوراً مهماَ فيما سوف تذهب اليه الأمور. بمعنى آخر، أن نتيجة التطورات الراهنة في أفغانستان وعودة صعود الطالبان، إما أن يكون عامل تعارض واستمرار للصراعات، أما أن تنجح الجهات المؤثرة الى توفير نموذج للتعاون المؤقت، والأهم من ذلك، إدارة المصالح المتعارضة للسيطرة على التوترات.
الآفاق
بالتالي من خلال شرح وتحليل ما تم التأكيد عليه من خلال المتغيرات الأربعة، من المهم النظر الى هذه الملاحظة أن تعدد المتغيرات المعنية وتعقيدات تطورات الأزمة الأفغانية وآفاقها الغامضة، سيؤدي الى عدم إمكان اتخاذ قرار حاسم بشأن تحول أفغانستان أو عدم تحولها الى ساحة أخرى من التنافس المتزايد بين طهران والرياض في الشرق الأوسط.
أن نجاح أو فشل طالبان في أيجاد هيكلة وإدارة الوضع المضطرب في أفغانستان، يعد من أهم المتغيرات الداخلية من شأنه أن يتسبب في اهتمام الجاد لقضية اعتراف طالبان من قبل الدول والجهات الفاعلة المهمة من جهة، ومن جهة أخرى تنافس الجهات الفاعلة للتأثير على هذه التطورات المعتمدة على هذا المتغير.
في غضون ذلك، أن نهج المملكة للتقارب الى طالبان يعتمد على نجاح الاخيرة في إدارة التطورات الداخلية والصراعات الإقليمية، حيث من شأنها أن توفر الأرضية للعمل المستقل عن بعض اللاعبين كالسعودية.
من جهة أخرى، أن التغييرات في المواقف السياسية والدينية للمملكة، والجهود المبذولة للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وتطوير العلاقات مع الصين وأفغانستان والتواجد النشط في آسيا الوسطى يُعدّان من العوامل الأخرى حيث تساهم في هذه العملية، بالإضافة إلى ذلك، فإن نجاح المحادثات الإيرانية السعودية، حيث انعقدت مرات عدة باستضافة بغداد، سيلعب دورًا مهماً في تحويل أفغانستان إلى ساحة تنافس أو تعاون بين طهران والرياض. طبعا فان النتائج العكسية لهذه التطورات، بإمكانها أن تمهد التواصل والدعم السعودي لطالبان ولا سيما أن عدم توحيد قوات طالبان واحتمال حدوث انشقاق في الفصيل الأكثر استياء وتطرفًا لطالبان على صعيد التطورات المضطربة في أفغانستان، ربما سيمهّد لتطوير العلاقة بين السعودية وهذا الفصيل، للضغط على إيران.
المصدر: مركز دارسات "جريان"
الكاتب: كامران كرمي