الولايات المتحدة الأميركية المنسحبة من أفغانستان بعد عشرين عاماً دون انجاز يُذكر، والمَأزومة في سوريا والعراق وتمهّد لانسحاب قواتها تدريجياً من البلدين، تحاول ان تلملم شتاتها في المنطقة بتحقيق شيء ما على الساحة اللبنانية من خلال خطوات تكشف عن تراجع واضح في سياستها تجاه لبنان.
وقد وقعت الإدارة الأميركية في الفخّ وأثبتت عليها تهمة محاصرة لبنان اقتصادياً وعزله إقليمياً، عندما أجبرتها السفن النفطية القادمة الى لبنان، بالتحرك فورا قبل ان يُفلت الوضع من "قبضتها". فأسرع الوفد من الكونغرس الذي زار لبنان ليومين، برئاسة رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط السيناتور كريس مورفي، بمرافقة السيناتور ريتشارد بلومنتل، السيناتور كريس فان هولن، السيناتور جون اوسوف وعدد من مستشاريهم، وبحضور السفيرة الأمريكية دوروثي شيا، وكان لافتًا الخطوات والمواقف التي أعلن عنها الوفد، أهمها:
_ تسهيل استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا متخطيةّ "قانون قيصر"، وكانت شيا قد اتصلت مباشرة بعد اعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله انطلاق أول سفينة، والتقت برئيس الجمهورية ميشال عون الذي أعطى بدوره الضوء الأخضر لإرسال وفد حكومي الى دمشق برئاسة وزير الدفاع زينة عكر لمتابعة الملف.
_ إلزام المسؤولين اللبنانيين المعنييّن بتشكيل الحكومة، بل يتعدى نحو "واجب" "تقديم عذر" للولايات المتحدة عن التأخر بولادتها، بحسب قولهم "لا عذر لهذا الأمر"، وان ما توصلوا اليه خلال لقاءهم المسؤولين "يجب ان يترجم أفعالاً"، زاعمين ان أي تقديمات للبنان لابد ان يسبقها إصلاحات.
_ التأكيد على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية 2022 في موعدها المحدّد، وعلى اعتبارها الاستحقاق الأهم في المرحلة المقبلة، فواشنطن لا تعمل فقط للحد من الآثار الايجابية لإنجاز حزب الله باستقدامه للسفن النفطية، بل أيضا تسعى لأهداف بعيدة المدى، ولتدخل أوسع وأوضح في مجلس النواب اللبناني من خلال ايصال "شخصيات ناشطة" تكون صوت واشنطن في البرلمان وتنفذ أجنداتها، وقد أعلن الوفد عن لقاء جمعه بأشخاص من جمعيات المجتمع المدني.
زيارة الوفد الأمريكي تُظهر بأن السفيرة الامريكية شيا، وعلى الرغم من ادارتها السيئة للأزمة في لبنان وتشديد الحصار وتضييق الظروف المعيشية اليومية على اللبنانيين وترك البلد رهينة الفوضى الداخلية، الا أنها لم تستطع القيام بما كلّفتها به الإدارة في واشنطن، ما استدعى تدخلاً مباشراً من نوع آخر.
كما أنّ التدخلات الأمريكية في الشأن اللبناني برزت في تصريح الوفد قبيل مغادرته مطار بيروت، أهمها زعمه بأن "لا داع لاعتماد لبنان على الوقود الإيراني"، فلماذا ستحدد الولايات المتحدة للبنان من أين سيستورد حاجات سوقه من المشتقات النفطية؟ بالإضافة الى وصف حزب لبناني ، حزب الله، الذي يمثل شريحة واسعة من اللبنانيين، ومكون أساسي في البرلمان ومشارك في الحكومات وله تحالفات داخلية "بالإرهابي" و"بالسرطان"، ما استوجب رداً من المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان بأن " حزب الله فخر لبنان وأيقونة سيادته واستقلاله وضرورة ماسة لدوام وجوده واستمراره، وإذا كان من سرطان متفش في لبنان والعالم فهو أمريكا وأزلامها"، وأضاف "مصير لبنان تحدده أنابيب طهران النظيفة، وليس أوكار واشنطن".
لم تكن المرة الاولى التي تتدخل فيها واشنطن في موضوع المشتقات النفطية القادمة من إيران، فقد سبق وتدخلت ومنعت لبنان من أن يستفيد من العروضات والهبات المقدّمة من دول أخرى مثل روسيا والصين ( أسلحة وآليات وذخيرة للجيش اللبناني، مشاريع في مرفأي بيروت وطرابلس، المصافي لتكرير النفط في الزهراني، مشاريع تحسين وتطوير البنى التحتية والمواصلات في لبنان...وغيرها). فهل اقتنع أدعياء السيادة والاستقلال في بكركي ومعراب وغيرهما أن لبنان يتعرض لحصار اميركي ظالم، وان واشنطن هي المسؤولة عن مآسي وآلام اللبنايين؟ هم يدركون ذلك بالطبع، بل شركاء في قتل اللبنانيين وإذلالهم امام محطات البنزين والدواء و....
الكاتب: غرفة التحرير