منذ بداية الحرب على سورية أوكل الى المجموعات الارهابية ومنذ بداية العام 2011 مهمة ضرب وتدمير وحرق كل ما يتعلق بالمؤسسات الخدمية والبنية التحتية ومقدرات الثروة الوطنية ومحطات المياه والطاقة ومراكز التوليد والتوزيع وشبكات النقل للغاز والنفط والكهرباء، ضمن خطة مدروسة وتحت شعارات مختلفة سمعناها عند استهداف هذه المنشآت الاستراتيجية، التي بناها السوريون خلال عشرات السنين.
فقد تم تدمير المحطة الحرارية في حلب التي كانت تنتج 1250 ميغا وتم تدمير محطة زيزون الحرارية التي كانت تنتج حوالي 500 ميغا وكانت الشعارات الدينية التي يرددها المهاجمون على محطة زيزون "لا نريد نور الاسد فنور محمد يكفينا" مع انها كانت تغذي محافظة ادلب اي نفس اهالي المنطقة التي تغذيها هذه المحطة الكهربائية وبالتالي تعرضت كل منظومات التوليد والنقل والمحطات للتدمير الممنهج مما شكلا عبئاً ثقيلًا جدًا على الحكومة السورية خلال سنوات الحرب العشر الماضية..
هذه الضغوطات وهذا التدمير وأضيف له الحصار الدولي، فرض على الدولة السورية ايجاد بدائل اضطرارية لاستمرارية عمل مؤسسات الدولة ومؤسسات الرعاية الصحية والمشافي والمعامل والمطارات والمؤسسات المرتبطة بمنظومات الحماية والدفاع عن كيان الدولة السورية واستمرارية وجودها من خلال توسيع البحث عن البدائل..
البدائل التي سعت اليها الدولة السورية كثيرة ومتنوعة أهمها:
-الاستفادة من أبار النفط والغاز الموجودة في المناطق الآمنة وإعادة صيانتها واستثمارها.
-ايجاد وسطاء لشراء النفط من قسد عبر طرف ثالث.
-التعاون مع الحلفاء وخاصة إيران لتوريد شحنات نفط عبر شركات وهمية وعبر شركات نقل متعددة للهروب من الحصار والعقوبات الامريكية.
-الاعتماد على التجار والصناعيين السوريين في دفع قيمة هذه الشحنات بالقطع الاجنبي كاش من خارج سورية واستيفاء ثمنها بعد وصولها وبيعها من قبل الحكومة السورية وبالليرة السورية..
-الاعتماد في بعض الاحياء على حماية الأسطول الروسي لإيصال هذه السفن الى الشواطئ السورية لحمايتها من القرصنة الامريكية والاستهداف الاسرائيلي.
-التنسيق مع عدة دول صديقة في سبيل تسجيل شركات وتأمين مكاتب تحويل أموال وشراء مشتقات نفطية وغيرها بعيدة عن أعين الرقابة الامريكية ان كان عبر ممولين سوريين او من قبل حلفاء سورية كإيران ولبنان وروسيا وبعض الدول التي ترتبط بعلاقات جيدة مع سورية
لم تقف الحكومة السورية مكتوفة الايدي ومكبلة طوال مدة سنوات الحرب العشر الماضية بل كان لوحدة القرار السياسي والامني والاقتصادي السورية ومرجعيته الرئيسية دور كبير في كسر الحصار وفي التغلب على مصاعب تأمين المشتقات النفطية وتوفيرها ولو بالحد الادنى وخاصة ان المعارك لم تتوقف خلال كل سنوات الحرب وكانت المؤسسة العسكرية والفيالق والفرق ووحدات الجيش السوري لديها من الاحتياطي الاستراتيجي ومن المخصصات التي ساعدتها في تأمين الوقود لكل القطعات العسكرية وان كان الطيران الحربي يحتاج للكيروسين او الدبابات التي تعمل على المازوت او السيارات والعربات التي تستخدم البنزين الممتاز والعادي..
كل الخيارات المتاحة والممكنة استخدمتها الحكومة السورية لتأمين عصب الحياة اليومية لأي دولة وخاصة استمرارية تشغيل المصانع السورية ان كان تابع للقطاع العام والمرتبطة بالمجهود الحربي او الخدمي او معامل القطاع الخاص التي كانت في المناطق الآمنة.
لكن الحكومة السورية عملت الى وضع سلم اولويات والبحث عن الموارد المتاحة في مناطق سيطرتها بالإضافة الى البدء بعملية مسح شاملة للمناطق التي تحوي على ثروات نفطية وغازية وخاصة في مناطق شمال شرق دمشق مثل القلمون ودير عطية وقارة والتي وجدت فيها اكتشافات غازية تم البدء باستثمارها ووضعها في الخدمة لتغذية الشبكة العامة.
المحور الاخر هو تشكيل فرق عمل وطنية لصيانة محطات التوليد ومصافي النفط المتواجدة على الاراضي السورية والبدء بعمليات صيانة واسعة ودورية وتأمين بدائل محلية لقطع التبديل وأنابيب الغاز والبخار والدرارات التبريدية لمحطات بانياس والزارة وتشرين ودير علي وهذه الانجازات الكبيرة ساعدت في ابقاء هذه المحطات على قيد الحياة ومنع خروجها عن الخدمة وايضا ساعدت في تأمين امدادات الطاقة للمرافق العامة والمؤسسات الخدمية.
الخيار الثالث هو البدء بالبحث عن الطاقات البديلة وخاصة الاستفادة من الطاقات الريحية والشمسية وتم اقلاع هذه المنشآت ووضعت بالخدمة وبدأ التوسع تدريجيًا في خطوط الانتاج للطاقات الشمسية وضمها للشبكة العامة بالإضافة الى تركيب العنفة الثانية من المراوح الهوائية المولدة للطاقة والتي وضعت في فتحة حمص وهذه المنطقة يمكن أن تستوعب كمية ضخمة من المراوح تكفي لتغذية معظم الشرق الاوسط.
إن السوريون حكومةً وشعبًا تعرضوا لأبشع أنواع الحصار والتدمير في العصر الحديث، بالرغم من ذلك كان هناك أولويات لدى الحكومة السورية في تأمين المواد والمشتقات النفطية والتغذية الكهربائية حيث كانت المشافي والمؤسسات الخدمية في سلم الاولويات ولم يتوقف على سبيل المثال اي مشفى عام او خاص في كل سنوات الحصار بل استمرت هذه المنشآت بالعمل وتقديم الخدمات في أصعب ظروف الحرب وخاصة بين أعوام 2012 و2016 وهو عام التحرير لحلب الشرقية وعام التوحيد للمدينة بعد ان كانت قسمين.
حيث اعتمدت الدولة على الكوادر الوطنية ورفعت شعار البدائل المحلية في عمليات الصيانة والاستخراج والنقل والتسويق والتوزيع وحتى التشغيل للمنشآت التي تم اعادتها للخدمة وكل ما تم استخدامه هو من الورش والمعامل المحلية وتم الاستعانة بشكل محدود بالشركات الحليفة والصديقة في انجاز بعض الصيانات الضخمة لبعض المنشآت او المعامل الخاصة بتوليد الطاقة او استخراجها او حتى تكرير المشتقات النفطية في مصفاتي حمص وبانياس.
وكان للكوادر المحلية دور كبير في حل كثير من المشاكل التي واجهت الحكومة السورية في عدد من المفاصل الخدمية المتخصصة بفعاليات النفط والغاز تكرير او نقل او توليد. المعاهد والجامعات والمدراس الفنية بالإضافة الى الكوادر الوطنية العاملة في القطاع الحكومي المختص بهذه الصناعات له دور اساسي في ابقاء سورية على قيد الحياة في وقف انكفأت في معظم الدول عن ارسال خبرائها او مندوبيها الى سورية وتحت حجج مختلفة.
ختامًا نحن لم نصل بعد الى مرحلة الكمال لكن الحلول التي أنجزتها الدولة السورية استطاعت ابقاء عجلة الحياة مستمرة وان كانت بنسب متفاوتة وحسب القطاعات وحسب المدن واهميتها السياسية او الامنية او الخدمية او الصناعية، لكن لم تدخل أي منطقة في سورية مرحلة الموت السريري جراء عدم توفر المشتقات النفطية، وكانت هذه الحلول وأن كانت غير مرضية في بعض المراحل او الازمنة لسكان بعض المدن السورية لكنها ابقت سورية ككل دولة وحكومة وشعب وخدمات على قيد الحياة حتى لو كانت هذه الحلول من المنغصات لبعض أطراف الشعب السوري. لكن حقيقة الامر هي حلول اسعافية مهمة وضرورية وفيها اولويات ولم تنقطع ولا مرة المخزونات الاستراتيجية للدولة السورية لا بالقطاع العسكري ولا بالقطاع المدني وفي كل الاستحقاقات التي فرضت على الواقع السوري كان القطاع النفطي ومشتقاته متواجدين ان كان من خلال شبكات الغاز التي تؤمن استمرار عمل محطات التوليد الكهربائي او كان اسطول نقل النفط الخام السوري من عدد من المناطق الى مصفاتي حمص وبانياس او حتى بواخر النفط القادمة من الدول الصديقة وطبعًا ايران ساهمت في تأمين امدادات اساسية ومهمة جنّبت سورية مرحلة الشلل التام كما يحدث في لبنان الشقيق.
الكاتب: كمال جفا