لم تجد واشنطن حتى الآن الخيار الأنسب لتضييق خناقها على حزب الله، الحصار الذي تفرضه لم يعاقب المقاومة، بل أدى إلى معاقبة لبنان ووصوله إلى حافة الإنهيار، إثر ذلك بدأ التخوف الغربي والعربي والإسرائيلي من سقوط لبنان في مستنقع الإنهيار الكامل، حيث يرى هؤلاء أن الوصول إلى لحظة الإنهيار الشامل لمؤسسات الدولة سيؤدي إلى تحول حزب الله إلى القوة المسيطرة بشكل كامل، أو قد يؤدي إستمرار الحصار وفق رؤية قادة الاحتلال الاسرائيلي إلى فتح الحرب على "إسرائيل".
قدرة حزب الله لم تتأثر بالحصار الاقتصادي الاميركي
تختلف التوجهات لدى الإدارة الأميركية حالياً، وتطرح الكثير من الأسئلة عن قدرة "حلفاء" البيت الأبيض اللبنانيين على تحقيق نتائج مرضية في الحصار الإرهابي الاقتصادي المفروض على لبنان، ففي مؤتمر معهد الشرق الأوسط حول لبنان اتفق الباحثون على أن قدرة الحزب لم تتأثر، واختلفت التوجهات بين الحديث عن مخاطر حصار لبنان وجعله دولة فاشلة ومنهارة كلياً، وهو ما عبر عنه مجموعة من الباحثين، وبين عدم التدخل في لبنان لتحسين الظروف، إلا إذا كان هناك فرص للقطف والاستثمار، فيما يراهن البعض الآخر على تغيير موازين القوى من خلال الانتخابات النيابية القادمة.
تدرك واشنطن أن حزب الله لا يزال صامداً، لا بل أنه يراكم قدراته، وأن بيئته لم تنقلب عليه على الرغم من كل الضغوطات، إلا أن المرتجى لم يتحقق، كل المؤشرات لديها أن حزب الله قوي وقادر على النهوض أو خوض حرب طاحنةً مع "إسرائيل"، كل ذلك يشكّل تحدّيًا متعاظمًا لخيارات الولايات المتحدة العسكرية وغير العسكرية في مجال حيوي واستراتيجي، لذلك تبحث عن ظروف تؤدي الى إخضاع لبنان وحزب الله.
وكما يتضح أن الإدارة الأميركية فشلت في كسر حزب الله، ولو استطاعت أن تحقق ذلك لحققته منذ العام 2018، إلا أن خياراتها تضاءلت في هذه المعركة، ولم يعد أمامها إلا تغيير موازين القوى في الانتخابات القادمة، حيث بات إجراؤها أمراً محسوماً لديها لتغيير خارطة القوى من خلالها.
منظمات "المجتمع المدني" أدوات أمريكا لتغيير موازين القوى
تعتبر واشنطن أن أفضل شريك حالياً للتغيير هو "المنظمات غير الحكومية" NGO، ما يسهم في تحقيق أهدافها دون التورط العلني في دعم اللاعبين السياسيين من حلفائها التقليديين الذين تورطوا في الفساد، والذين تلقوا الدعم منها إبان الحرب الأهلية في لبنان وما يزالون، ولكي تتملص من تهمة التدخل السياسي عبر دعم حلفاءها السياسيين، تؤكد مصادر خاصة للخنادق أن السفيرة الأميركية لدى بيروت دوروسي شيا طلبت من كافة هؤلاء الحلفاء ( قوات، تقدمي، كتائب، مستقبل ... وغيرهم) خلع أثوابهم القديمة وتقديم أسماء ووجوه جديدة مختلفة كليًا للترشح في الانتخابات النيابية القادمة، والتماهي مع المنظمات غير الحكومية" وقررت تصعيد وتيرة استغلال المنظمات التي تطلق على نفسها "المجتمع المدني" والتي لعبت دوراً غير مباشر في الحصار الذي شهده لبنان من دون أن يتم تحميلها المسؤولية، وكما لعبت هذه المنظمات التابعة في أغلبها لواشنطن دوراً رئيسيًا في التحولات التي شهدتها المنطقة العربية والإسلامية، وسيكون دورها اليوم متقدم في التغيرات اللبنانية، لذلك يثير تنامي عدد هذه المنظمات وما طرحته من ملفات حقوقية واجتماعية جدية، العديد من التساؤلات وعما إذا كانت هذه المنظمات ذراعًا سياسياً واقتصادياً لواشنطن!.
ومن المعلوم أن الولايات المتحدة الأميركية وجدت في المساعدات الخارجية سبيلاً لتحقيق أهدافها التوسعية في العالم، وقدرت بشكل دقيق أن شراء الحلفاء يكون من خلال مساعدتهم على الخروج من الكوارث التي حلت بهم بعد الحربين العالميتين، وخاصةً بعد الحرب العالمية الثانية، وتحت عناوين وعبارات رنانة منها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية"USAID" التي تعمل على تغيير موازين القوى في مختلف الدول. وهي منتشرة في عدد كبير من الدول وخاصةً النامية منها، تحت غطاء، الإغاثة في حالة الكوارث، الإغاثة في حالات الفقر، وغيرها من أجل تغيير الحكومات التي تناهض السياسة الأميركية أو تختلف معها.
دائماً ما يكون خطاب هذه الوكالة قائماً على شعارات تدغدغ مشاعر الشعوب من أجل كي وعيها، وإظهار الولايات المتحدة الأميركية على أنها الملاك الذي سينقذ الوطن والعالم، وحيث تتمحور سياساتها نحو تعزيز الشفافية ومساعدة الشعوب على الانتقال إلى دول ديمقراطية، ومحاربة الفساد، وتعزيز الإنماء عبر تقديم مساعدات لتحسين ظروف معيشتهم وللتعافي من الكوارث.
مئات ملايين الدولارات ستنفقها امريكا لهزيمة حزب الله في الانتخابات
ووفق ما تقدم، يبدو جلياً أن واشنطن سوف تستخدم مجددًا منظمات "المجتمع المدني" وافرادها بالآلاف يتقاضون رواتب بالدولار تتراوح بين 700 الى 5000 دولار شهريا، ولهذا هم لا يشعرون بوطأة الانهيار الاقتصادي الذي يعصف باللبنانيين وتسببت به الإدارة الأميركية وأدواتها الفاسدين، هذا الاستخدام سيكون تحت مسميات متعددة، للحشد الإعلامي والسياسي والاقتصادي تحضيراً للإنتخابات النيابية القادمة، التي ترى فيها واشنطن مساراً جيداً لتقويض حزب الله، عبر خسارته الأكثرية النيباية، وفك تحالفاته التي تؤدي في حال تكتله وفوزها في الانتخابات إلى بقاء الأكثرية معه، وتضيف المصادر الخاصة للخنادق " إن واشنطن سوف تبدأ بضخ ملايين الدولارات لهذه المنظمات قبل أشهر من الانتخابات، بالتوازي مع دعم غير معلن لحلفائها السياسيين من أجل هزيمة حزب الله وحلفاءه، كما سوف تبدأ بضخ مساعدات وإعاشات للناس عبر هذه المنظمات، وتجديد الخطاب عبر استغلال حادثة انفجار 4 آب وغيرها، من أجل تحقيق الفوز عبر جمع اللبنانيين حول هذه المنظمات".
ومع ذلك، يتوقع أن تذهب جهودهم هباء وتفشل فشلاً ذريعاً، ذلك لأن عمل هذه المنظمات الحليفة لواشنطن ليس لديها مشروع حقيقي للإنقاذ، وعدم وجود خطاب موحد ولا خطة واضحة لديها وأسباب أخرى سنستعرضها لاحقًا.