بحجة إرسال مساعدات إنسانية ودعم الجيش وتعزيز الأمن والاستقرار في لبنان، أوصت لجنة الدفاع في البرلمان الفرنسي بإرسال قوات دولية إلى لبنان بشكل طارئ تحت سلطة الأمم المتحدة والبنك الدولي.
توصية توحي للوهلة الأولى ان الإمرة في لبنان هي لفرنسا، وانه ليس في هذا البلد أي قوة او جهة مسؤولة فيه، وان لا دولة ومؤسسات تعمل وشعب يختار ممثليه، قبل ان ندرك ان الامر ليس بهذه السهولة والبساطة وإنما يحتاج الى كثير من البحث والتحليل حول الخلفيات والغايات وما هو متوقع من هذه الدعوة، فهل المقصود بالتوصية ارسال قوات عسكرية؟ وهل فرنسا فعلاً سترسل مثل هذه القوة الى لبنان؟ وهل لبنان يقبل؟ وأي خلفيات تقف خلف هذه الدعوى وماذا لو تجرأت فرنسا وأرسلت قوة بدون موافقة لبنان والقوى العاملة فيه وعلى رأسه المقاومة؟ وهل يمكن القبول بزيادة القوات الدولية العاملة في لبنان تحت أي مسمى من المسميات؟
حول كل هذه التساؤلات، أشارت مصادر مطلعة الى ان "المساعدات الانسانية بشكل عام تستخدم كأحد اهم الوسائل للتدخل بشؤون الدول الاخرى، ولذلك نرى الفرنسيين يتحدثون عن المساعدات منذ انفجار مرفأ بيروت بهدف الولوج اكثر الى الساحة اللبنانية"، وتابع "الاكيد ان هذه المساعدات –إن قُدمت- لن تكون سوى وسيلة للاستغلال السياسي وتحقيق مكاسب ولو غلفت بشعارات الانسانية وحقوق البشر ودعم الاطفال والفئات الفقيرة وغيرها من المسائل التي عانت منها كثير من الدول في افريقيا مثلا طوال عشرات السنين ولا تزال"، وسألت المصادر "هل سيتم تنفيذ مثل هذه الأجندات في لبنان؟"، وأضافت "هل الهدف وضع لبنان تحت الوصاية الأجنبية من بوابة المساعدات الانسانية؟ وهل هذا يتلاقى مع مطالب بعض اللبنانيين لتدويل الازمة المحلية أم انه محض صدفة بدون تخطيط مسبق؟".
لكن اللافت بحسب المصادر المطلعة "هذا التشتت الفرنسي الواضح في معالجة الملفات المتعلقة بالشأن اللبناني"، وأشارت الى ان "الفرنسيين يلوحون بالعقوبات التي لا تخيف كثيرًا (بعكس العقوبات الاميركية بالنسبة لفئة واسعة) ومع ذلك لا يفرضونها، يرسلون سفيرتهم الى السعودية للتنسيق في الملف الحكومي بينما يتواصلون مع حزب الله بهذا الخصوص، برلمانهم اليوم يوصي بارسال قوات ويجلسون مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، ويشيعون ان أجواء اللقاء كانت ايجابية"، وذكرت المصادر نفسها ان "الفرنسيين اساسا لم يستطيعوا فرض أي شيء حتى الساعة في لبنان على الرغم من كل محاولاتهم الاستفادة بل واستغلال جريمة انفجار المرفأ وحضورهم بقوة منذ الساعات الاولى عبر رئيسهم ايمانويل ماكرون وفريق عمله على الارض".
وهنا يطرح السؤال البديهي هل كل هذا الاداء الفرنسي المتذبذب يسمح لهم بالتجرؤ وإرسال قوات الى لبنان؟ بالتزامن، تطرح تساؤلات عن مدى تعلم فرنسا من دروس الماضي، حيث ان أسلوب مسؤوليها يظهر أنهم "يحنون" الى "زمن الانتداب" والاستعمار، الذي مرَّ عليه الزمن، لكن على فرنسا التنبه ان لبنان سبق ان رفض أي تغيير في دور او عديد القوات الدولية العاملة في الجنوب(اليونيفيل)، فهل يمكن الالتفاف على ذلك، وإرسال المزيد من القوات الدولية تحت عناوين المساعدات وحفظ الأمن وغيرها من الشعارات التي لن تمر بهذه السهولة خاصة ان في لبنان قوى متنبهة وعلى رأسها المقاومة لكل ما يحاك من محاولة لتدويل الازمات المحلية بهدف تحقيق غايات معينة لم يستطع الغرب تحقيقها بأساليب مختلفة، وبالتالي مثل هذه الافكار عندما تطرح ينطبق عليها المثل القائل "ولدت ميتة".
في سياق متصل، أوضحت شخصية لبنانية زارت مؤخرًا باريس ان "المقصود بالقوات المقترح إرسالها الى لبنان هي فرق مدنية شبيهة بمن حضر للمساعدة بُعيد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/اغسطس الماضي"، واكدت ان "حضور مثل هذه القوات او غيرها يحتاج الى موافقة من الجهات الرسمية اللبنانية".
وللتذكير فإن فرنسا هي حليفة لفئة كبيرة إن لم نقول لغالبية الطبقة السياسية التي توالت على السلطة والمناصب في لبنان ليس فقط ما بعد اتفاق الطائف وإنما ايضا منذ ما قبل الحرب الأهلية وصولًا الى زمن الانتداب، وحتى بعد الطائف حيث تقلص الى حد ما الدور الفرنسي في لبنان وبقيت باريس حليفة وصديقة هذه الطبقة السياسية، وأصدق مثل على ما نقول العلاقة القوية التي جمعت "قصر الاليزيه" بالرئيس رفيق الحريري الذي يعتبر "عرّاب" الطائف و"مهندس" كل المشاريع والخطط التي نفذت منذ مطلع تسعينات القرن الماضي وحتى اليوم.
وبعد كل ذلك نسمع تأكيدات فرنسا انها تنفض يدها من الفساد والفاسدين، فالواقع ان باريس كان بإمكانها المساعدة سابقًا عندما لم تدعم وتقف بجانب الطبقة السياسية التي أغرقت البلاد بالديون، علمًا ان من أهم المؤتمرات الاقتصادية التي عقدت في هذا الاطار كانت "باريس1، باريس2، باريس 3 وسيدر"، وغيرها من اللقاءات الثنائية والثلاثية التي تظهر اليوم نتائجها وماذا فعلت بلبنان، ومن ثم تأتي فرنسا للحديث عن الاستثمار في البلد وبالتحديد في إعادة بناء مرفأ بيروت والسيطرة عليه، مع الاشارة الى امكانية ان ترسل الصور الجوية لأقمارها الاصطناعية فوق منطقة التفجير بما يخدم ويفيد التحقيق بدل البكاء على الاطلال والتحذير ان النقص بالمواد الغذائية سيكون هو النتيجة لعدم إعادة بناء المرفأ بشكل سريع!
الكاتب: غرفة التحرير