الإثنين 22 أيلول , 2025 01:36

كالكاليست: لماذا يريدون إخراج الأباتشي إلى التقاعد؟

في هذا المقال الذي نشره موقع كالكاليست الإسرائيلي وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، يناقش الخبير العسكري نيتسان سادان الملقّب الكابتن، الآراء التي تدعو الى التخلّص من المروحيات القتالية وخاصة الأباتشي ومثيلاتها، والاعتماد بدلاً عنها على الطائرات دون طيار. فبالنسبة لهذا الفريق فقد مضى 30 سنة على تزايد سقوط الأباتشي والكاموف 52 وبقية المروحيات القتالية، لذلك هم يرون أنه يجب تسليم مهامها إلى الطائرات بدون طيار وإرسال المروحيات إلى المتاحف. ولذلك يحلل "الكابتن" الخسائر والتكاليف والأشياء التي لا تستطيع إلا المِروحيّات القتالية تحقيقها.

النص المترجم:

مرحباً، معكم "الكابتن"؛ هل تعلمون؟ أنا أحب المروحيات القتالية. أحبّها حقّاً — حيواني الروحي هو ذئب طائر. لكن حتى أنا لا بدّ أن أعترف: المروحيات القتالية ليست كما كانت في السابق. خلال الثلاثين سنة الماضية دُمّرت مروحيات أكثر فأكثر على ساحات القتال — ووفقاً لكثير من الباحثين في العالم، فقد انتهى زمانها. بحسبهم، المروحية القتالية ستُلتهمها التطورات وتُستبدل بطائرات بدون طيار صائدة. إلى أين ستذهب؟ إلى المتحف أم مصنع شفرات الحلاقة؟

السبب في ذلك تغيّرات حدثت في بنية ساحة المعركة وقدرات الدفاع الجوي، تغيّرات جعلت المروحيات الصلبة غير ذات صلة. اليوم سنفحص هذا الادعاء، ونرى أي مستقبل ينتظر الأباتشي وأقرانها.

في الأصل، وُلدت المروحية القتالية الحديثة لإيقاف هجمات المدرعات الكبيرة أو لمرافقتها، ولسبب وجيه: عندما صُممت في أواخر الستينات، كان غزو آلاف الدبابات السوفييتية لغرب أوروبا واحتلال القارة تهديداً لا يقلّ عن القنابل النووية.
لكي تبقى على قيد القتال، أخذت المروحية صفات الدبابات نفسها: تنقّل ومرونة عبر أي تضاريس، وتدريع وحماية يساعدانها على النجاة في قتال على ارتفاع ومسافة حيث يمكنك رؤية بياض عيون العدو والسواد على أنوفهم، وبطبيعة الحال — تسليح قوي ومتنوّع.

التركيز على معارك المدرعات كان منطقياً جداً: كل الحروب في تلك الأيام تضمنت غزوات مدرعة واسعة — من حرب الأيام الستة مروراً بحرب الهند وباكستان عام 1971، حرب يوم الغفران 1973، الغزو الفيتنامي لكامبوديا 1979، حرب إيران والعراق وحرب الخليج الأولى، وهذه أمثلة قليلة فقط.

لكن العالم تغيّر والحروب تعمل الآن بطريقة مختلفة: هل تعلمون كم أصبح نادراً أن تقوم دولة بغزو دولة أخرى بقوّة مُدرعة بحجم أكثر من لواءين؟ خلال الثلاثين سنة الأخيرة (1992–2025) حدث ذلك في الحرب الشيشانية الأولى، حرب الخليج الثانية، الغزو الروسي لجورجيا وفي حرب أوكرانيا؛ هذا كلّه. وهناك أيضاً دليل، بالمناسبة، أن أحياناً من الأذكى ترك الدبابات تقترب وتدميرها بصواريخ مضادة للدبابات — وسيلة لا تتطلب دورة طيران لتشغيلها.

المهمة الثانوية للمروحية القتالية تحوّلت إلى مهمة رئيسية: الدعم القريب للقوات الأرضية. هذا يعني التحرك معها، استهداف الأهداف التي تراها، مرافقة وتأمين مروحيات إنقاذ الجرحى. وهنا شيء تقوم به الطائرات بدون طيار الصائدة اليوم بشكل أرخص، بدقة مماثلة ومدة مهمة أطول بأربع مرات من أي مروحية؛ هناك من يرافق القوات لمدة 12 ساعة أو أكثر.

للدرون هنا ميزة كبيرة أخرى — ساحة المعركة أصبحت قاتلة للغاية للمروحيات، والطيارين لا ينمون على الأشجار (للدلالة على الصعوبة الكبيرة في التعويض عن النقص الحاصل في الطيارين بعد عمليات الاسقاط).
انظروا إلى معدلات الخسائر: في حرب الخليج 1991 شغّلت قوات التحالف نحو 280 مروحية أباتشي وكوبرا وما شابهها ضد العراق. كم سقط؟ قلة؛ لقد تعرّضت بنية الدفاع الجوي للعدو لضربات قاسية وصارت عاجزة عن التأثير.

لكن في حرب الخليج الثانية 2003 كان العراقيون مستعدّين: من بين 250 مروحية شاركت في مرحلة الغزو، فُقد على الأقل 10%. في 2008 غزت روسيا جورجيا، تذكرون؟ الروس شغّلوا 20 مروحية قتالية، وفقدوا 20% منها؛ شبكة الدفاع الجوي المحلية قاتلتهم.

وأبرز ما في الأمر في حرب أوكرانيا: منذ 2022 أرسل فلاديمير بوتين أفضل طيّاريه ومروحياته إلى الجبهة، نحو 200 مروحية — وفقد منها 30%. ولم يكن هو وحده: الأوكرانيون أيضاً فقدوا على الأقل 20% من مروحياتهم في القتال. ولاحظوا، في كثير من الحالات كانت نماذج المروحيات نفسها تتعرض لهجوم بواسطة نفس أنظمة الدفاع الجوي.

لنغوص أعمق في هذه الحرب: الرأي السائد يقول إنّ كثيراً من المروحيات سقطت هناك لأن الجانبين زوّدوا قوات الأرض بمئات الصواريخ المحمولة على الكتف. هذا سلاح خطير أثبت فعاليته جيداً في 1986، عندما استخدمت الميليشيات الأفغانية صواريخ ستينغر لصد المروحيات السوفييتية بسهولة. لا عجب أن الحصول على صاروخ محمول على الكتف في جبهة أوكرانيا أصبح أسهل من الحصول على علبة سجائر مالبورو.

ولكن عندما ننظر إلى بيانات الاعتراضات المؤكدة عن الطرفين، نرى أن فقط 10% من الخسائر نتيجة إطلاق صواريخ محمولة على الكتف مثل الستريلا والإيغلا، بينما 80% كانت أضرار ناتجة عن نيران الدفاع الجوي "الاعتيادي" — أنظمة ثقيلة بعيدة المدى مثل S-300، وأنظمة مرنة ومتنقلة مثل بانتسير وتور. ما طوى المروحيات القتالية هو الاصطدام بتشكيلات دفاعية متعددة الطبقات، مع شبكات كشف حديثة.

لكن لاحظوا: أوكرانيا خسرت في الحرب أيضاً 50% من دروناتها الصائدة — التي تطير أعلى، مكشوفة للكشف والنار، ولا تحاول تفادي الإصابة كما تفعل المروحية المأهولة. يبدو أن المروحية لم تصبح أكثر عرضة بمفردها، بل أن كل المنصات الطائرة تأثّرت، بسبب تحسّن جودة وطرق تشغيل الدفاع الجوي.

فلماذا يلتفتون تحديداً إلى المروحية القتالية؟ قد يكون سبب رئيسي أنّ لديها بديلاً غير مأهول لا يكتفي بأن يتفوّق عليها في بعض المجالات، بل أرخص بكثير أيضاً.

يصعب المجادلة بالأرقام: الدرون فعلاً أرخص، سواءً في أغلاها أو في النسخ الشعبية. مثلاً، الأباتشي الأحدث في السوق، الطراز E، تكلّف 52 مليون دولار للشراء وتكلّف ساعة الطيران بها حوالي 7,000 دولار بحسب بيانات الجيش الأمريكي.

وهذا غالي جداً مقارنة بـ MQ-9 ريبر، الدرون الصائد طويل المدى الرئيسي للأمريكيين: شراؤه يكلّف حوالي 30 مليون دولار، وساعة طيران تصل حتى 3,000 دولار. وكلاهما يتلاشى أمام البيرقدار BK2، درون تركي صائد يعمل في أوكرانيا: أغلى نسخة منه تكلف خمسة ملايين، وساعة طيران — أقل من ألف دولار.

ولا تنسوا تكاليف التدريب — لا يوجد في الطبيعة أداة طيران أكثر تعقيداً من مروحية قتالية للطيران، والفرق تمرّ بتدريبات طويلة ومكلفة للغاية: للأمريكيين يستغرق تدريب طيّار أباتشي وطاقمه بالكامل 24 شهراً — بينما طاقم الريبر يضم طياراً قائداً تستغرق تدريبه سنة، ومشغّل حسّاسات يتأهل بعد ثمانية أشهر. وبحسب التقديرات، طاقم البيرقدار التركي يتأهل خلال ستة أشهر.

وبحسب بيانات وزارة الدفاع الأمريكية، إذا حسبت تكاليف عشر سنوات للتدريب، الجاهزية، التدريبات ونفقات الطاقم، فتكلفة طاقم المروحية ستكون عشرين مليون دولار، وطاقم الدرون؟ أقل من أربعة ملايين. فكيف تبرّر الأباتشي وباقي المروحيات القتالية أسعارها؟ ماذا تقدم في ساحة القتال الحديثة لا تستطيع منصات أخرى توفيره؟

أولاً، مرونة المروحية أسطورية وذات صلة في أي حرب. بإمكانها الاختباء خلف سلسلة جبال أو خط من الأشجار، التسلّل في وادٍ والمباغتة من اتجاه غير متوقع — وهكذا تلعب دوراً هامّاً جداً في الهجوم. هذه القدرة على التوقف والطيران ببطء هي ما يصنع الفارق، شيء لا تمتلكه الدرونات الصائدة حالياً.

وعند إضافة مدفع قوي ودقيق جداً، الذي في مروحيات مثل الأباتشي قادر على التحرك والتوجيه وفق حركة رأس الطيّار، نحصل على قاتل متنكّر: المروحية القتالية ببساطة أداة هجومية رائعة. المرونة واضحة أيضاً في طريقها إلى المعركة: للدرون والمروحية سرعة تحليق متقاربة إلى حد ما، لكن الدرون ستحلّق نحو الهدف على ارتفاع حوالي 20,000 قدم (6.1 آلاف متر تقريباً) ومعدل صعوده أعلى من المروحية، لكنه لديه الكثير ليصعده؛ قبل أن يصل لارتفاع التحليق، ستكون المروحية قد قطعت نصف الطريق إلى الهدف. هذه المرونة الحركية ميزة حاسمة يجب أن تساعد مثلاً قوة تتعرّض لهجوم.

والميزة الأكثر تأثيراً للمروحية هي الوعي المحيطي: الطيّارون على الأرض يرون بالضبط ما تراه قوات الأرض، يستطيعون رصد رجل يطلّ برأسه من شرفة ووضع طابع انفجاري فوري على جبينه. رؤية القتال بزاوية مائلة تساعد المروحية في صيد الأعداء أيضاً في مناطق مبنية، المملوءة بالأسطح والمخابئ. أما الدرونات فتهجم أساساً من الأعلى. وصدقوني، مشاهدة الأرض بزاوية مائلة أمر حاسم عند القتال في ظروف الفوضى وعدم اليقين، كما في هجوم السبت الأسود في 7/10.

فرق الأباتشي في سلاح الجو الإسرائيلي قضت هناك على مئات من المقاتلين، بعضهم وجدوه بأنفسهم ومعظمهم جاء عبر تقارير من مقاتلي الحزام المحيط في البلدات والقواعد المتعرضة للهجوم.

من المذهل أن منظومة المروحيات كانت في طور تقليص في جيش الدفاع الإسرائيلي قبل ذلك الصباح اللعين؛ في كتاب "آلات الحرب" لميراف هلفرين الذي يتناول تجارب الطواقم، قال أحد الطيارين الأوائل الذين وصلوا إلى جبهة الحزام إنّه لو أن الهجوم وقع في 2025 وليس قبل عامين، لكان أكثر من نصف الأباتشي قد خرج من الخدمة؛ تخيّلوا كم كان ذلك سيكبّر من الكارثة.

على ضوء كل ذلك، أرى أنه ما زال مبكراً لدفن الأباتشي وأقرانه؛ صحيح أن مهمة صيد المدرعات التي خُلقت لأجلها تغيّرت جذرياً، وقد تنتقل بهدوء إلى مشغّلي الطائرات بدون طيار وكتائب المدفعية الدقيقة طويلة المدى. ومن الواضح أن جزءاً كبيراً من مهام الدعم القريب سيُنفّذ فعلاً بشكل أفضل بواسطة أدوات غير مأهولة — لكن المزايا الفريدة للمروحية لا تزال تجعلها ذات صلة للعمليات الخاصة، وسيناريوهات الاستجابة السريعة، وغير ذلك.

أعتقد أنه رغم توقعات بعض الباحثين، فإن المروحية القتالية بحد ذاتها ستبقى معنا لبعض الوقت. على الأقل، حتى يُطوّر درون طائر مروحي مزوّد بمدفع صائد.

نختم بالجيش الإسرائيلي — الذي كان ذكياً في استخلاص الدروس وفهم أنّه رغم كل الاختراقات في مجال الطائرات بدون طيار ونماذجها، لا تزال هناك أمور تقوم بها المروحية أفضل من منصات أخرى.
صحيح أن غالبية نشاط مروحياتنا يكون في مناطق خالية من دفاع جوي معقّد، لكن تحديات المناطق المبنية ومرونة العدو تفرض علينا مرونة منا أيضاً.

لذلك، ليس مستغرباً أنه تقرّر التسلّح بعدد أكبر من مروحيات الأباتشي وعدم تقليص السرب. سيأتي يوم تُعرض الأباتشي في المتاحف حيث تُروى حكايات مجدها — لكن في الوقت الراهن، ما زلنا بحاجة إلى كل مروحيات القتال في الجبهة. احموا أنفسكم، كونوا يقظين وسننتصر.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور