الجمعة 27 حزيران , 2025 12:02

محاولة انقاذ نتنياهو من المحاكمة: صفقة ترامب لانهاء حرب غزة؟

أثار تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الداعي إلى إلغاء محاكمة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أو منحه عفواً فورياً، جدلاً واسعاً داخل كيان الاحتلال. وعلى الرغم من أن هذا التصريح قد يبدو مفاجئاً في توقيته وحدّته، إلا أنه ليس معزولاً عن السياق العام للعلاقة  بين واشنطن وتل أبيب، والتي تتجاوز الدعم التقليدي إلى حدود التأثير المباشر في البنية السياسية والقانونية داخل الكيان.

إسرائيل، ومنذ تأسيسها، قامت على أساس ضمان الدعم الأميركي سياسياً ومالياً وأمنياً. ورغم أن هذا الدعم كان يُقدَّم تاريخياً باعتباره "ثابتاً واستراتيجياً"، فإن حالة نتنياهو تكشف اليوم أن هذا الثبات مشروط، بل يُعاد تعريفه وفق الحسابات الخاصة بالرئيس الأميركي، سواء أكان في السلطة أو يسعى لتعزيز موقعه داخلها.

تصريحات ترامب بشأن ضرورة وقف محاكمة نتنياهو لا تندرج فقط ضمن خانة الدعم السياسي التقليدي، بل تكشف نية فرض أجندة على المؤسسات الإسرائيلية، وتحديداً القضائية منها. هي رسالة واضحة: لا مكان للاستقلال المؤسسي عندما يتعارض مع مصالح الحليف الأميركي أو مع خطته الشخصية. بهذا المعنى، يُعاد إنتاج "التحالف الأميركي-الإسرائيلي" من بوابة الضغط، لا الشراكة.

محاكمة نتنياهو في قضايا فساد كانت منذ بدايتها مادة خلافية داخل إسرائيل، إلا أن دخول ترامب على الخط أخرجها من بعدها المحلي. فهو لا يكتفي بالدفاع عن شخصية مقرّبة، بل يسعى عملياً إلى إعادة رسم المعادلة القضائية في إسرائيل، مستفيداً من انقسام داخلي حاد يعطل قدرة مؤسسات الدولة على المقاومة.

رغم أن الرئاسة الإسرائيلية لم ترد على دعوته، فإن الصمت الرسمي يُقرأ في تل أبيب كأحد مظاهر الحذر إزاء إدارة أميركية حاضرة ومؤثرة. وبالتالي، فإن التدخل في الشأن القضائي لم يعد خطاً أحمر. هذه اللحظة تكشف هشاشة الفصل بين السلطات في كيان يدّعي الديمقراطية، لكنه يقبل بتعليق المحاكمات السياسية إذا جاء الأمر من واشنطن.

الانقسام داخل إسرائيل ليس جديداً، لكنه أصبح في السنوات الأخيرة أكثر وضوحاً، مع تصاعد الاستقطاب بين معسكر اليمين الديني القومي والمعارضة الليبرالية. تصريحات ترامب جاءت لتعميق هذا الشرخ، وهو يعلم مسبقاً أن بيئته السياسية داخل إسرائيل -والمتمثلة في شخصيات مثل إيتمار بن غفير وسيمحا روثمان- ستستخدم هذه التصريحات كسلاح ضد القضاء.

الردود المقابلة من شخصيات معارضة مثل يائير لابيد تعكس خشية حقيقية من تحول إسرائيل إلى ساحة اختبار لرغبات ترامب السياسية، في وقت تعاني فيه المؤسسة القضائية من تآكل الثقة، وتُستخدم فيها تهم الفساد كأدوات في صراع النفوذ الداخلي. وعليه، فإن التدخل الأميركي لم يعد يُقرأ كحماية، بل كمصدر تهديد.

من الخطأ فهم سلوك ترامب كمجرّد محاولة لدعم نتنياهو أو إرضاء اللوبي المؤيد لإسرائيل. الرئيس الأميركي يدير أجندة ذات طابع شخصي واستراتيجي، يهدف فيها إلى تعزيز أوراقه السياسية عبر التأثير المباشر على المشهد الإسرائيلي. كل تحرك، وكل تصريح، يحمل رسالة للداخل الأميركي: "أنا من ينقذ إسرائيل، وبالتالي أنا القادر على حماية المصالح اليهودية في الخارج".

هذا التوظيف العلني للملف الإسرائيلي في خدمة أهداف داخلية أميركية يسلط الضوء على ضعف إسرائيل كفاعل مستقل، ويؤكد أن العلاقة مع واشنطن ليست شراكة بل علاقة تبعية سياسية قد تتخذ في لحظة ما شكل إملاء مباشر على مجريات القضاء والسياسة.

إن ما كشفته أزمة محاكمة نتنياهولا يمكن قراءته كمسألة ظرفية. إنها تعكس أزمة بنيوية في طبيعة العلاقة الأميركية-الإسرائيلية، وفي قدرة إسرائيل على ممارسة سيادة فعلية في ظل اعتمادها الكامل على الغطاء الأميركي. فيما اعتبر مراقبون ان محاولة ترامب لانقاذ نتنياهو من المحاكمة تأتي ضمن إطار رغبته في انهاء حرب غزة وبالتالي صفقة انقاذ الأخير سياسياً، لأن الاستمرار بالابادة لن يحقق إي من الأهداف.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور