حينما أقدم كيان الإحتلال الإسرائيلي على شن حربه على لبنان في تموز العام 2006، كانت صورة جيشه عشية الحرب، وعلى لسان كبار قادته على الشكل الآتي:
_رئيس شعبة التخطيط اللواء الاحتياط اسحق هرئيل: "نحن جيش فارغ".
_ أما رئيس محكمة الاستئناف اللواء يشاي بار فقال بأن "الجيش الإسرائيلي هو جيش متوسط مع جزر تفوق معدودة"، محذراً بأنه في يوم الحسم سيتم اكتشاف أن أجزاء منه هي بمثابة شيك بلا رصيد.
لذا شكلت حرب تموز 2006 تجربة، من الأحدث على صعيد الحرب اللامتماثلة، بأبعادها الكثيرة وكثرة القدرات التي شهدتها، إضافة إلى أنها أحد أهم الأحداث التي هزت كيان الإحتلال في كل تاريخه. حيث ترسخت وحفرت عميقا في الإدراك الجمعي لمجتمع الكيان، في كل فئاته، من مستوطنين و جنود و سياسيين وقادة فكر.
فلم يكن السبب فقط، بسبب ظهور مشاهد مثيرة للقلق، على صعيد حصانة التجمع الاستيطاني، أو ضعف القدرة التنفيذية للجيش، أوعدم أهلية البنى التحتية الطارئة، وطريقة سلوك قياداته السياسية، وإنما لأن هذه الحرب تسببت بتغيرات شاملة، أظهرت الكيان على أنه قد تغيرت قوته، أمام تهديد خطير ووجودي على أمنه ومستقبله. بسبب قدرات حزب الله على الصعيد الفكري، وأهمها الصمود الأيديولوجي، وما تجسده واقعاُ من قدرة تحمل عالية، واستطاعة النجاح في تحديد نقاط ضعف مجتمع الكيان، وتركيز الهجمات والضربات عليها.
أما بالنسبة لحركات المقاومة الكثيرة في المنطقة، فقد نجح حزب الله بواسطة هذه الميزات، في إعطائهم تجربة تستحق الإستفادة منها ونقلها إلى ساحات عملهم، لناحية إظهار القدرات وكيفية استخدامها في الصراع، بالإضافة إلى غرس مقومات التفاؤل، لكي يستمروا في المواجهة مع الكيان، أو أي عدو أجنبي آخر قد يتهددهم. وما تجارب المقاومتين الفلسطينية والعراقية بعدها، ثم في التجربة اليمنية والنمو الهائل في قدرات محور المقاومة لاحقاً، سوى أكبر مثال على امكانية الإستفادة والتطبيق لهذه التجربة.
ففي أعقاب ذلك، تم وصف حرب تموز بأنها مثلت ذروة في عملية صعود ما يسمى بالمقاومة الحديثة. وبحسب رأي المحلل الصهيوني "إيهود يعاري"، فإن هذه المواجهة جاءت بعد حوالي ثلاثين عاماً، لتبطل الإعتقاد بأن العرب قد تخلوا عن أفكارهم بشأن تدمير "إسرائيل"، وأعطت حافزية جديدة لحركات المقاومة، تجعل من حلم القضاء على "إسرائيل" هدفاُ قابل للتحقق، بعدما تم العثور في هذه الحرب، على الوسائل الأساسية لانجازه. انطلاقاً من تحييد التفوق العسكري الواضح لكيان الإحتلال.
أما على الصعيد العسكري، فقد تركت هذه الحرب انطباعاً قوياً في وعي الشعوب والدول العربية، التي ما زالت تؤمن بخيار المقاومة المسلحة، لدرجة أن الكثيرين منهم وصفوها بأنها أحد أكثر واهم الإنجازات في تجربة الصراع المستمر مع الكيان. حتى أن قادة كبار في الجيش السوري ذهبوا بعيداً بهذا الانطباع، عندما أعلنوا في نهاية الحرب بأنهم يدرسون إدراج أسلوب المقاومة، وأساليب القتال غير المتماثلة في إستراتيجية الجيش، بعدما كانوا يخططون للقيام بذلك قبل الحرب، والتي أعطتهم دفعاً ملحوظاً لذلك.
كما أن هذه الحرب سطرت إضافة جديدة، في علوم وفنون الحرب، أقر بها العدو قبل الصديق. بحيث أعلنت أكاديمية البحرية الأميركية، وقبل توقف العمليات الحربية، بأنها ستدرس هذه التجربة غير المسبوقة في القتال، والتي بسببها لم تتضرر هيبة ردع الكيان فقط، بل تضرر معها أيضاً النظرية الجيوسياسية القائمة على فاعلية سلاح الجو، في مواجهة مقاومة متخندقة بطريقة فعالة في الأرض.
المميزات التي ساعدت المقاومة الإسلامية في لبنان
فمن أهم ما ميز أداء المقاومة الإسلامية خلال هذه الحرب، إثبات قدرتها الناجحة على ضرب مركز الثقل الاستراتيجي للكيان. بعد أن استفادت في ذلك، من عدة عوامل وأسباب مميزة:
1_ القرب الجغرافي لجنوب لبنان من المراكز الإستيطانية الرئيسية في الكيان: أعطاها القدرة على تحويل سلاحها الصاروخي القصير المدى والبسيط والرخيص (سلاح تكتيكي)، إلى سلاح استراتيجي يهدد ويضرب عمق الكيان.
2_الدمج الخاص بين القدرات العسكرية الكلاسيكية، وبين القدرات الخاصة بحرب العصابات (وما بات يعرف بالأسلوب الهجين):فقد طبق مجاهدو المقاومة ببراعة أساليب فن حروب العصابات من استتار وتمويه واختفاء، مقابل جهود الإستهداف وجمع المعلومات الإستخبارية خلال المعركة، بالتزامن مع استمرارهم في مواجهة النيران وتأدية المهام الدفاعية والهجومية طيلة أيام الحرب.
3_ البيئة الشعبية الحاضنة للمقاومة، التي صمدت طيلة ال 33 يوماً، رغم هول عمليات القصف، ومشاهد الدمار الغير المسبوقة في أي حرب تقليدية قصيرة، وتصرفات بعض اللبنانيين التي ان لم تكن مساندة لحرب الكيان، كانت محايدة ومنتظرة نتيجتها.
أسلوب المقاومة في المواجهة
وعلى خلفية هذه المميزات، طورت المقاومة أسلوباً ذا بعدين، مباشر وغير مباشر لمهاجمة مركز الثقل في الكيان. البعد الأول يتيح لها الاستهداف المباشر ضد مركز ثقل الكيان الاستراتيجي.
والثاني كان بتشكيل مجموعات مقاتلة، مجهزة بوسائل قتال دفاعية و هجومية، لصد أي محاولة لقيام الجيش الإسرائيلي باحتلال جنوب لبنان.
فمكن هذا الأسلوب المقاومة من وضع الكيان أمام خيارين أحلاهما مر: كشف جبهته الداخلية أمام الضربات الصاروخية الإستراتيجية ، أو احتلال جنوب لبنان.
بعض إخفاقات جيش الإحتلال العسكرية
1)الفشل في ضرب أهداف المقاومة البنيوية والصاروخية ( فشل عملية "الوزن النوعي" الإسرائيلية مقابل نجاح عملية المقاومة "الوهم النوعي" التي خطط لها الشهيد القائد الحاج عماد مغنية).
2)الفشل في تحليل ومعرفة قدرات المقاومة، وكيفية عمل منظوماتها العسكرية في كل المستويات.
3)عدم قدرة جيشه البري على تنفيذ أي من مهامه و أهدافه، التي بدأت مساراً تنازلياً خلال تصاعد أيام الحرب.
4)تحييد قوته البحرية من أول أيام الحرب، إثر استهداف مدمراته "ساعر 5" مقابل بيروت وساعر"4.5" مقابل صور، والزورق الحربي السريع "سوبر ديفورا".
5)فشل وحداته النخبوية الخاصة من تحقيق أي نجاح في إنزالاتها العميقة.
الكاتب: غرفة التحرير