الجمعة 23 أيار , 2025 12:45

ما هي أهداف الكيان من استمرار العدوان على لبنان؟

أهداف "إسرائيل" من التصعيد المستمر على لبنان.

يشكل العدوان الإسرائيلي على لبنان استهدافاً ممنهجاً يتعدى حدود الغارات المباشرة، ليشمل سلسلة من الممارسات اليومية التي لا تقل خطورة. وتطرح هذه الاعتداءات المتواصلة تساؤلات جوهرية حول الهدف الحقيقي للعدو من هذا المسار العدواني المركّب.
 أولاً: تصنيف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان 
-التجسس والتتبع عبر المسيّرات: وهي في كثير من الأحيان صامتة لذا قد لا ينظر إليها من قبل البعض من باب العدوان، هدفها الأساسي جمع معلومات دقيقة عن الوضع الميداني، وتوظيف هذه المعلومات لاحقاً في رسم خريطة الأهداف أو إعداد سيناريوهات الاستهداف.
-الخروقات البرية المتكررة: تتمثل في دخول قوات الاحتلال إلى الأراضي اللبنانية الحدودية، وفتح نيران المدفعية أو إطلاق الرصاص، في محاولات استفزازية ولنشر التوتر.
-"الإنذارات": هي تهديدات قائمة بحد ذاتها، حتى وإن لم تتبعها غارات. الهدف منها ترسيخ مناخ دائم من الرعب والقلق، وإشعار الناس بأن الاستهداف قادم لا محالة وجعل الأفراد يخضعون للتواصل مع العدو عبر (متابعة صفحاته مثلاً).
-الغارات المتكررة، بإنذار أو بدونه: لا يغيّر وجود إنذار من عدمه في حقيقة العدوان، إذ لا يضفي أي مشروعية قانونية أو أخلاقية عليه. وكثير من هذه الغارات تستهدف أحياء سكنية فيها مدارس ومستشفيات، ويتم تعمد توقيت العدوان (نهار الأحد/ وقت عودة الأطفال من المدارس/ أثناء تواجد الناس في قراها قبل موعد الانتخابات البلدية..) مما يوضح أن هذه الاعتداءات تحمل عدة أهداف غير المرتبطة بالجانب العسكري.
 ثانياً: أهداف الكيان من هذا المسار 
-إظهار الهيمنة: العدو يحاول أن يفرض هيمنته في التصعيد والردع، وأنه يتحرك ويضرب ساعة يشاء.
-ضرب الوعي العام وإفقاده الثقة بقدرة المقاومة: من خلال الإيحاء بأن المقاومة لا ترد، أو أنها عاجزة، وبالتالي فإن وجود هذه المقاومة لم يعد مهماً لأنه يهدد أمن لبنان. (وهذا ما نراه في تصريحات الأطراف الخاضعين لسرديات العدو). 
-الضغط على الدولة اللبنانية: خصوصاً في الملفات التي أوكلت إليها من قبل أمريكا، مثل نزع سلاح المقاومة مقابل إعادة الإعمار. لذلك نلاحظ تركيز العدو على تدمير كل البيوت الجاهزة التي تُنصب في القرى الحدودية، لأنها تمثل مظاهر قوة وصمود.
-ضرب الاستحقاق الانتخابي البلدي: خصوصاً في الجنوب، من خلال التهويل على المواطنين ومنعهم من الذهاب إلى قراهم، وبالتالي تراجع عدد الناخبين لتظهير أن المقاومة فقدت شعبيتها. وهذه ليست المحاولة الأولى، فقد سبقها تهويل مماثل قبل تشييع الشهيد السيد حسن نصر الله، إلا أن الحشود الكبيرة أثبتت فشل هذا الرهان.
-جمع بيانات استخبارية بعد كل غارة أو تهديد: لأن العدو بعد الحرب الأخيرة وإعادة بناء التشكيلات والترميم المتواصل فقد الكثير من المعلومات عن بنية المقاومة، ولذلك يحاول تعويض ذلك من خلال الاستطلاع والاستهداف غير الدقيق.
-بالإضافة إلى ذلك، يسعى كيان الاحتلال إلى منع حزب الله من ترميم الردع العسكري وبناء قدراته من جديد، ما قد يشكّل تهديداً حقيقياً على وجود الكيان في المدى المتوسط أو البعيد.
 ثالثاً: نتيجة هذا المسار عزل الجنوب 
يريد الاحتلال من خلال هذا الضغط المتعدد الأوجه أن يعزل الجنوب عن سائر المناطق اللبنانية، ويطمس هويته المقاومة، ويفرغ بيئته من أي بعد وطني.
 رابعاً: عوامل إفشال المخطط الإسرائيلي 
-نجاح 76 بلدية بالتزكية في الجنوب (أكثر من 60% بالمئة): ما يشكّل دليلاً واضحاً على أن المقاومة ما زالت تحظى بالثقة والدعم.
-السلوك المعاكس: كلما اشتد التهويل عادةً على أبناء الجنوب، ازداد إصرارهم على التحدي، كما سيجري في الانتخابات نهار السبت 24 أيار 2025، ليبرهنوا للعدو أن خياراتهم ثابتة.
-علاقة المجتمع بالمقاومة: لا تضعف في الأزمات، بل تقوى، لأن المجتمع المقاوم واعٍ لما يراد منه ويرفضه.
-المقاومة حاضرة وطنياً وملتزمة بالدفاع عن لبنان: وهي تقوم بإعادة تنظيم صفوفها وتوزيع المهام، وعدم ردّها لا يعني خضوعاً، بل قراءة دقيقة للواقع والظروف، والأهم ترميم القدرات وتأمين الإمكانات والجهوزية الكاملة للعودة واستئناف العمل العسكري المقاوم.
-ضعف الموقف الرسمي اللبناني: الدولة لم تتخذ موقفاً حازماً حتى الآن، وهي في الوقت نفسه تنصت للإملاءات الأمريكية، وغير قادرة على التدخل في ملفات كإعادة الإعمار، لأن القرار بيد الخارج.
-المسار الذي يتبعه الكيان في ضغطه على لبنان متعدد الأشكال: نفسي، سياسي، وعسكري. ويراد من خلاله إعادة رسم معادلات الداخل اللبناني وفق رؤية كيان الاحتلال. لإفشال المسار العدواني لا بد من تثبيت عناصر القوة المجتمعية والسياسية للمقاومة في لبنان. فأمام سعي "إسرائيل" لإظهار نفسها كمهيمنة، لا بد من تعزيز الداخل اللبناني عبر الإصرار على الاستحقاقات الشعبية كما حصل في الانتخابات البلدية. في المقابل، فإنّ موقف الدولة اللبنانية الضعيف، وامتناعها عن اتخاذ موقف حازم تجاه الاعتداءات المتكررة، يؤكد شرعية خيار المقاومة لحماية لبنان، وعدم جدوى الدبلوماسية، ويشكّل عنصراً ضاغطاً يجب مواجهته، من خلال الضغط الشعبي والسياسي حتى تتعامل مع التهديدات كملف سيادي لا يخضع للإملاءات الخارجية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور