الخميس 06 آذار , 2025 11:13

ترامب يتخلى عن أوكرانيا: ماذا يعني التوجه نحو موسكو؟

في خطاب هو الأطول أمام الكونغرس، لم يكن الرئيس الاميركي دونالد ترامب بحاجة للتأكيد على مواقفه حول روسيا وأوكرانيا. اختار الحديث المباشر إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الوقت الذي تتصاعد فيه الأزمات على الأرض الأوكرانية. كان من الواضح أن التوجهات الأميركية تجاه هذه الحرب قد بدأت تتغير، وتسلل إلى الكلمات التي اختارها ترامب نوع من التحفظ الذي لا يمكن أن يغفل عن أن الحرب في أوكرانيا قد وصلت إلى نقطة اللاعودة.

ترامب، الذي طالما اعتمد في خطابه على الأسلوب غير التقليدي، بدأ ينزع الستار عن نواياه الحقيقية بشأن الحرب في أوكرانيا. لم يكن مستغرباً أن يخاطب بوتين مباشرة، في وقت كان فيه يشدد على ضرورة التفاهم مع روسيا. في تصريحاته، لم يتوانَ عن الإشارة إلى ضرورة إيجاد حلول واقعية تحقن دماء الشعب الأوكراني وتضع نهاية لدمار مستمر لم يجد له مبرراً على الساحة الدولية. لم يكن ترامب يتحدث عن أوكرانيا بمعزل عن روسيا، بل كان يدعو إلى تفاهم بعيد المدى مع الدولة الروسية، وهو ما يعكس تنامي الفكرة التي تقول إن الحرب باتت عبئاً على الولايات المتحدة أكثر مما هي فرصة.

لقد أوقف ترامب العديد من الإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا، في خطوة كانت بمثابة إعلان عن بداية تراجع أميركي عن دعم كامل للمعركة الأوكرانية. كان القرار بمثابة تذكير للقيادة الأوكرانية بأن واشنطن لم تعد مستعدة لدفع ثمن الحرب في أوكرانيا إلى ما لا نهاية. صحيح أن هذا القرار قد أثار ردود فعل غاضبة في كييف، إلا أن الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع هي أن واشنطن، خاصة في ظل إدارة ترامب، تبحث عن سبل لإنهاء الحرب لا مجرد دعم طرف ضد الآخر. وهذا لا يعني أن ترامب يوجه ظهره لأوكرانيا بقدر ما يعني أنه يسعى لإغلاق ملف الحرب من خلال تفاهم مع روسيا.

هذه السياسة الجديدة لا تنبع فقط من حسابات عسكرية أو اقتصادية، بل من إدراك متزايد داخل أروقة البيت الأبيض أن الإدارة الأميركية وصلت إلى مرحلة من الإرهاق الاستراتيجي. فمنذ بداية الحرب، كانت الولايات المتحدة قد قررت تقديم كل ما في جعبتها لأوكرانيا، من الأسلحة إلى المال، إلا أن الفشل في الحسم العسكري جعل المساعدات الأميركية تبدو غير مجدية. الحرب في أوكرانيا تحولت إلى استنزاف طويل الأمد يصعب تبريره أمام الشعب الأميركي، خصوصاً في الوقت الذي تظهر فيه الولايات المتحدة ضعيفة أمام تحديات أخرى مثل التنافس مع الصين والتدهور الداخلي.

 وصف البعض لقاء ترامب بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي في البيت الأبيض، بكونه نقطة فاصلة في العلاقات بين البلدين. الموقف الذي ظهر في اللقاء بين ترامب وزيلنسكي كان يعكس التوتر المتزايد بين الطرفين. فقد كانت تصريحات ترامب في ذلك الوقت أشبه بتوجيه رسالة مشفرة للزعيم الأوكراني: واشنطن قد توقفت عن دعم الحرب بكل ما أوتيت من قوة، وآن الأوان للبحث عن طرق جديدة لتحقيق التسوية.

إن الحقيقة الواضحة من هذا التغير في الموقف الأميركي هي أن ترامب يسعى لفتح قنوات تفاهم مع روسيا، وهو ما يراه الطريق الأقصر لإنهاء الأزمة في أوكرانيا. قد تكون هذه السياسة غير شعبية في بعض الأوساط السياسية الأميركية، إلا أن ترامب يدرك تماماً أن استمرار الحرب، خاصة في ظل التهديدات الاقتصادية والسياسية المتزايدة، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الأضرار. لا يمكن لواشنطن أن تظل في حالة تأهب قصوى وهي تجد نفسها محاصرة في مستنقع أوكرانيا، دون أي أفق لتحقيق انتصار ملموس.

لذلك، كانت إشارات ترامب التي لا تخطئها العين في خطابه أمام الكونغرس بمثابة محاولة لبناء واقع جديد: التفاهم مع روسيا هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الفوضى. سياسات واشنطن في المستقبل القريب قد تشهد تحولاً جذرياً، ليس فقط في علاقاتها مع موسكو، بل في تعريفها لنجاح السياسة الخارجية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور