أثارت أحداث سوريا الأخيرة، إشكالية جدية وواقعية، تستحق البحث والمعالجة، حول مدى تأثير هذه الأحداث وتداعياتها، على إمداد المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله بالسلاح والعتاد والتجهيزات. لا سيما وان سوريا لطالما كانت العمق الاستراتيجي لحزب الله ولجميع حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية في المنطقة، طوال أكثر من 5 عقود من الصراع مع الكيان المؤقت.
وإذا ما استعرضنا تاريخ حزب الله وما مر به من تحديات كبيرة، خاصةً خلال معركة اولي البأس الأخيرة، من استهداف لطرق النقل الدولية والمناطقية، وما زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه مخازن ومنشآت وآليات خاصة بنقل الدعم اللوجستي للحزب، في سوريا ولبنان. فإن بالرغم من كل ذلك، كان الحزب قادراً على تنفيذ عشرات العمليات الهجومية الصاروخية وبالطائرات المسيرة الانقضاضية، بالإضافة الى صد الهجمات البرية العسكرية الإسرائيلية، وهذا ما يعني امتلاكه لمخزون لوجستي عسكري كبير، مكّنه من خوض حرب ضروس وقاسية لحوالي 66 يوماً، مع إمكانية لاستمرارها لأسابيع وأشهر أخرى.
وعليه، فإنه على المدى القصير، تمتلك المقاومة في لبنان بلا شك، كلّ ما تحتاجه من قدرات وعتاد لمواجهة أي اعتداء إسرائيلي، خصوصاً لأنها لم تستخدم كل ما تملكه من قدرات وكميات، بل اعتمدت على وتيرة تناسب القتال لمدة زمنية طويلة (مع الأخذ بالاعتبار صعوبات النقل وغيرها من تعقيدات ومخاطر الدعم اللوجستي).
فماذا على المدى الزمني الأبعد؟
أمّا على صعيد المدى الزمني الأبعد، فيمكن للمقاومة إعادة إمداد نفسها بالأسلحة والعتاد والتجهيزات، من خلال العديد من الطرق والوسائل أبرزها:
_عبر سوريا وفق السيناريوهات التالية:
1)إذا تشكلت سلطة حاكمة مركزية، وكانت كما تدّعي مهتمة فعلاً بالقضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، فإنه يمكن إجراء اتفاقات مباشرة وغير مباشرة مثل فصائل المقاومة الفلسطينية، تُتيح وصول ما تحتاجه المقاومة من إمداد ودعم عبر المرافق البحرية والجوية والبرية السورية.
2)وقوع سوريا بحالة من الفوضى السياسية والعسكرية: عندها يمكن إقامة مسارات نقل وإمداد برية وربما بحرية، مع لحاظ الظروف المرافقة لذلك (كميات محددة بحجم صغير نسبياً، وإعطاء الأولوية لنقل الأسلحة والمعدات التي لا يمكن تصنيعها محلياً في لبنان).
_ عبر مرافق الدولة اللبنانية الجوية والبرية والبحرية، بأسلوب يضمن سرية إجراءات ذلك بالتنسيق مع أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، وفي إطار استراتيجية الدفاع الوطني.
_عبر المسارات البحرية في البحر الأبيض المتوسط: قد يعتمد حزب الله على نفس إجراءات الإمداد، التي تستخدمها القوات المسلحة اليمنية بالرغم من الحصار الدولي المفروض عليها، أو التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
_ الاستفادة من سوق السلاح العالمي الموازي (أو ما يُعرف بالسوق السوداء)، للحصول على بعض القدرات المهمّة. ويُتداول بأن الحزب تمكن خلال الأشهر الماضية، الحصول على الكثير من الأسلحة الغربية التي تم إعطاؤها لأوكرانيا، خلال العملية العسكرية الروسية.
قدرات التصنيع الذاتية المحلية
طوال السنوات الماضية، طوّر حزب الله بعض القدرات المحلية لإنتاج الأسلحة، استعداداً وتحسباً لأي ظروف قد تمنع الإمداد الخارجي، بهدف تأمين القدرة على التكيف الاستراتيجي والاستقلالية، بما يضمن بقائه قوة فعالة في مواجهة الحصار الدولي وتعطيل طرق الإمداد التقليدية.
وعليه فإن هذا التحدي الجديد، قد يدفع المقاومة في لبنان على تسريع وتطوير جهودها الرامية إلى تصنيع الأسلحة محلياً، وهذا ما ظهر بعض النماذج عنه خلال معركة أولي البأس مثل (العديد من الصواريخ القصيرة والمتوسطة والباليستية التي صنعها وطورها مهندسو المقاومة، معدات عسكرية مختلفة، قواذف وراجمات، وطائرات دون طيار انقضاضية).
ويمكن أن يشمل هذا المسار المجالات التالية:
1)تجميع الصواريخ والقذائف: باستخدام المكونات المهربة من الخارج، يمكن لحزب الله تجميع كافة أنواع القذائف والصواريخ التي يحتاجها داخل لبنان.
2)تصنيع الطائرات دون طيار: وهو ما أثبتت الحزب بالفعل كفاءته فيها خلال الحرب، ويمكنها توسيع هذه الجهود لتشمل نماذج أكبر وأكثر تطوراً.
3)العبوات الناسفة: فالحزب يتمتع بخبرة واسعة في تطوير العبوات الناسفة ويمكنه تكييف هذه المهارات لأنواع أخرى من الأسلحة.
4)أسلحة بحرية: يتداول في بعض المصادر بأن حزب الله طور قدرات لإنتاج أو تعديل الأسلحة البحرية، بما في ذلك الزوارق المحملة بالمتفجرات والألغام البحرية (بشكل مماثل لما يمتلكه الجيش واللجان الشعبية في اليمن).
وفي هذا السياق، لا بد الإشارة الى أن هكذا خيار يحمل الكثير من الإيجابيات أهمها:
1)الكفاءة الإنتاجية: فإنتاج أنواع معينة من الأسلحة محلياً، وخاصة العبوات الناسفة أو المعدلة، يمكن أن يكون أكثر فعالية من حيث التكلفة المادية والنتيجة العملية، من الحصول عليها من مصادر خارجية.
2)توسيع عديد كادره البشري والفني والتقني والتخطيطي والإداري، القادر على تشغيل مشاريع صناعية عسكرية لا تقل كفاءة وإبداعاً عما لدى أهم شركات الأسلحة في العالم. وقد استثمر حزب الله بشكل كبير في تدريب عشرات الكوادر لديه في مجالات الهندسة والإلكترونيات وتصنيع المتفجرات. ولعب المستشارون والمهندسون العسكريون الإيرانيون دورًا مهمًا في نقل المعرفة الفنية إلى كوادر حزب الله.
المقاومة ستحوّل التهديد الى فرصة كما فعلت دائماً
لا شك لأن التطورات السورية، من شأنها أن تثير القلق حول تعطل سلاسل الإمداد القائمة لدى حزب الله، ويفرض تحديات كبيرة على جهود إعادة تسليحه. ولكن بالرغم من ذلك، فإن لحزب الله تاريخ طويل في القدرة على التكيف وتخطي كل الصعوبات وتحويل ما يواجهه من أزمات لفرص. وإذا ما أضفنا ذلك إلى جانب التزام إيران القوي والثابت بدعم حلفائها، فإن كل ذلك يشير إلى أن المقاومة الإسلامية اللبنانية ستجد حتماً طرقًا لإعادة التسلح، من خلال مزيج من الدعم الإيراني المباشر والتحالفات الإقليمية والإنتاج المحلي واستغلال الأسواق الموازية.