لا يوفّر رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، أي حدث أو فرصة يمكن استغلالها من أجل مواجهة التحديات الداخلية التي باتت تهدّد وجوده السياسي وتحقيق طموحاته. ولعلّ التطورات على الساحة السورية والتي أدّت لسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد شكّلت فرصة مهمّة له في هذه المرحلة الحساسة التي بات يواجه فيها مجموعة من القضايا تتعلّق بالفساد والمحاكمة وقضايا التجنيد والتسريبات والميزانية وغيرها من العناوين التي زادت الضغوط على حكومته في الآونة الأخيرة، حيث سارع لتصوير ما حدث على أنه إنجاز آخر يمكن أن يضيفه إلى جانب غيره من الإنجازات التكتيكية التي يدّعيها منذ بداية طوفان الأقصى وحتى الحرب مع لبنان بصورة باتت خطاباته تشكّل عدّاداً للإنجازات التي يحاول من خلالها جذب الداخل الصهيوني بمختلف كتله وأقطابه ساعياً لتوحيده في مواجهة التحديات التي تواجه حكومته.
ومع سيطرة المعارضة السورية المسلّحة على سوريا، توجّه نتنياهو لقطف ثمار الحدث والتهليل لما جرى، والعمل على تنفيذ خططه التوسعية التي تنضوي تحت خطط الشرق الأوسط الجديد أو "إسرائيل الكبرى" والتي تتكرّس بالسيطرة على المزيد من الأراضي والتوسع، حيث أمر جيشه بالاستيلاء على المنطقة العازلة في الجولان والمواقع المجاورة لها، كما أعلن عن انهيار اتفاق "فض الاشتباك" لعام 1974 حول الجولان. وقد عمد نتنياهو على إلقاء كلمة له من الحدود السورية مستعرضاً ما استطاع من قوة وقدرة وقد جاء فيها:
"هذا يوم تاريخي في الشرق الأوسط، سقوط نظام الأسد الحلقة الرئيسية في محور الشّر الإيراني، كان نتيجة مباشرة للضربات التي وجهناها لإيران وحزب الله الداعمتين الأساسيتين لنظام الأسد، وهذا سينتج عنه موجة من الردود في كل الشرق الأوسط وستصل إلى كلّ الذين يريدون التّحرّر من هذا النظام الاستبدادي، هذا طبعاً يخلق فرصاً جديدة مهمّة جداً لدولة إسرائيل، لكن هذا الأمر لا يخلو من المخاطر؛ نحن أولاً نعمل، وقبل كلّ شيء، على حماية حدودنا، فهذه المنطقة كانت خاضعة لقرابة 50 عاماً، لمنطقة عازلة تمّ الاتفاق عليها في اتفاقية فصل القوات عام 1974 هذه الاتفاقية انهارت والجنود السوريون تركوا مواقعهم. وبالتعاون مع وزير الدفاع، وبدعم كامل من مجلس الوزراء، أصدرت تعليماتي أمس لجيش الدفاع الإسرائيلي بالاستيلاء على المنطقة العازلة ومواقع القيادة المجاورة لها. ولن نسمح لأي قوة معادية بأن تستقر على حدودنا.
وفي الوقت نفسه، نعمل على اتباع سياسة حسن الجوار، وهو نفس حسن الجوار الذي حافظنا عليه عندما أنشأنا مستشفى ميدانياً هنا يعالج آلاف السوريين الذين أصيبوا وجرحوا في الحرب الأهلية. مئات الأطفال السوريين ولدوا هنا في إسرائيل. ولذلك، فإننا نوجه نفس يد السلام إلى جيراننا الدروز. أولاً، إنهم إخوة لإخوتنا الدروز في دولة إسرائيل. كما أننا نمد يد السلام للأكراد والمسيحيين والمسلمين الذين يريدون العيش بسلام مع إسرائيل. وسوف نتابع التطورات عن كثب. سنفعل ما هو ضروري لحماية حدودنا وحماية أمننا".
الدوافع
حاول نتنياهو من خلال كلمته التي ألقاها على الحدود السورية توجيه رسائل عدّة:
- لسوريا أي للفصائل المسلحة بأن الكيان لن يقبل بوجود غير رسمي مسلّح بدون عنوان على الحدود معه، مدّعياً أن الكيان يتخوّف من ذلك، ولذلك تم تعزيز حدوده في الأيام الأخيرة لأكثر من مرة وتمّ إرسال الفرقة 98، وسعى لسيطرة جيش الاحتلال على المنطقة العازلة بين البلدين: تبرير التواجد والإجراءات العسكرية داخل الحدود السورية كما والاستيلاء على الأراضي.
- للداخل الصهيوني؛ وجّه رسالة تُعنى بإظهار نجاحه في تحقيق ما كان يتمنّاه على جبهة أخرى جديدة، دون جهد إسرائيلي ودون أن يفقد الكيان جنديّاً واحداً:
التفاخر بهذا الإنجاز واستعراض القدرة والقوة أمام الداخل في هذه المرحلة الحساسة بالنسبة له والتي يحتاج فيها لتأييد داخلي واسع، على اعتبار أن ما حققه يُعدّ إنجاز ضخم (سقوط نظام الرئيس الأسد) لما له من تداعيات على الكيان على الأقل على المدى القريب، وذلك من خلال استعراض والترويج لفصل حزب الله عن سوريا، وإضعاف المحور الإيراني، وبسط السيطرة الإسرائيلية على المنطقة العازلة بين البلدين (حوالي 230 كم) والتي تنسجم مع الخطط التوسعية الاستيطانية، حيث بات الكيان يشرف على الأراضي السورية من قمة جبل الشيخ.
- لم يعد الكيان يعترف بخطوط وقف الحرب منذ العام 1974 وسوف يستمر باستهداف سوريا بحجة منع المقاومة من الحصول على أسلحة استراتيجية، وسوف يعمل على تثبيت هذه السياسة بصورة دائمة، وتصبح سوريا وسيادتها مستباحة.
- التركيز على استغلال الكيان للفرص المهمة الناتجة عن تداعيات الحدث.
- حماية الأمن والحدود هي العنوان الذي عمد نتنياهو من خلاله لتحصيل شرعية اعتداءات جيشه وهجماته داخل الحدود السورية.
- التأكيد على تحصيله الدعم الكامل من الحكومة للخطوات التي يتبنّاها على هذه الجبهة.
- المسارعة إلى الدفع بائتلافه للضغط من أجل تأجيل موعد شهادة نتنياهو في المحكمة، وبالتالي، استغلال الحدث على الساحة السياسية الداخلية لإزاحة ضغط المحاكمة في هذه المرحلة من خلال المماطلة والمراوغة.