طيلة الاسبوع الماضي بعد مغادرة المبعوث الأميركي للمنطقة، اختار مسؤولو كيان الاحتلال الصمت حول ما قُدّم إليهم من ملاحظات من الجانب اللبناني على مقترح وقف إطلاق النار. لكن، ما جعلهم ينطقون أخيراً وتتزايد تصريحات المحيطين بهم عن امكانية التوصل إلى تسوية، كان الحوار بالنار الذي تتقنه المقاومة الاسلامية التي أرادت أن يكون يوم أمس يوماً مفصلياً في الحرب، بعد ان استهدفت تل أبيب 5 مرات وأوقعت مجزرة بدبابات المركافا في بلدة البياضة جنوب لبنان. وعلى الرغم من الاخبار المشحونة بالايجابية، فإن المقاومة تأخذ ما جرى يوم أمس هو انطلاق لأحد المسارين: اما استجابة للتفاوض بالنار الذي أراده الكيان وينتهي بالتوصل إلى تسوية، اما الانتقال لمرحلة تصعيد جديدة، يكون فيها قصف تل أبيب قد أصبح امراً روتينياً.
في يوم استثنائي وصف بأنه "غير مسبوق"، سجلت المقاومة الاسلامية أعلى معدل للعمليات العسكرية في يوم واحد منذ بدء الحرب، أي 51 عملية، قصفت خلالها تل أبيب ووسط الكيان أكثر من مرة وفي أوقات متفرقة بأكثر من 20 صاروخ وفق التقديرات، ترسيخاً لمعادلة -تل أبيب مقابل العاصمة بيروت-. كما أطلق أكثر من 370 صاروخاً على طول الحدود مع لبنان ومستوطنات متفرقة في الداخل المحتل، تسببت بتشغيل صافرات الانذار لأكثر من 500 مرة خلال يوم أمس، وأجبرت 4 مليون مستوطن اسرائيلي على الهرب إلى الملاجئ والأماكن المحصنة.
هذا التصعيد الذي يأتي بوقت مدروس، تردد صداه في مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي عقد اجتماعاً مع المجلس الوزاري المصغر وناقش اتفاق تسوية مع لبنان. غير أن التصريحات المتناقضة التي تناقلتها وسائل اعلام عربية وأجنبية، والصادرة عن "مسؤولين كبار" اسرائيلين وأميركيين دون تحديد الهوية بشكل صريح، أوحت بشيء من الغموض حول النية الاسرائيلية للتعامل مع المرحلة المقبلة. خاصة وأن لنتنياهو ماضٍ ذاخر بالخداع والتملص من الاتفاقيات حتى الدولية منها، ولعل ما حدث في قطاع غزة طيلة سنة كاملة من الحرب خير دليل.
لهذا كان لبنان الرسمي حذراً من كل ما يرد من أخبار حول قرب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار خاصة وأن جيش الاحتلال استهدف مجدداً مراكز وآليات الجيش اللبناني على الحدود وفي القرى الجنوبية. وهذا ما دفع رئيس الوزراء اللبناني لاظهار تشاؤم بالنوايا الاسرائيلي مصرحاً بأن "استهداف العدو الإسرائيلي بشكل مباشر مركزاً للجيش في الجنوب، وسقوط شهداء وجرحى، يمثّل رسالة دمويّة مباشرة برفض كلّ المساعي والاتصالات الجارية للتّوصّل إلى وقف لإطلاق النّار، وتعزيز حضور الجيش في الجنوب، وتنفيذ القرار الدّولي الرّقم 1701"، لافتاً إلى ما وصفه "بانقلاب العدو على النّداء الأميركي - الفرنسي لوقف إطلاق النّار في أيلول الفائت".
يبدو أن كيان الاحتلال يريد تسوية سياسية تنهي حربه على لبنان، لأنه لمس بشكل فعلي أن قدرات حزب الله لا تزال فاعلة وبامكانها تغطية جغرافيا فلسطين المحتلة كاملة لو أراد ذلك. كما أن تعقيدات المشهد الاميركي ترخي بظلالها، لأنه على ما يبدو أيضاً، أن هناك جو سائد في الادارتين، أن الكيان قد حقق ما يمكن تحقيقه، ويجب الحؤول دون غرقه بمستنقع آخر في لبنان. لكن السؤال يتمحور حول كيف ومتى؟
يحاول الكيان فرض شروط يلملم بها بعضاً من "الانجازات" بغية تقديمها للجمهور الاسرائيلي بعد أن تنازل عن عدد من الأهداف التي كان قد وضعها مع بداية الحرب قبل حوالي شهرين: أهمها، القضاء على حزب الله ونزع سلاحه وعزله سياسياً.
وتنقل قناة 14 العبرية اليمينية عدداً من التسريبات عن مصادر، بأنه "هناك تفاهمات بانسحاب حزب الله لما وراء الليطاني ونزع سلاحه بين الليطاني والحدود الاسرائيلية". كذلك وجود "تفاهمات بالسماح بعودة للسكان اللبنانيين غير المسلحين إلى بلدات الجنوب ومنع عودة عناصر حزب الله". كما تقول قناة 14 المقربة من نتنياهو أن هناك "تفاهمات بالحفاظ على حرية الجيش الاسرائيلي جنوب لبنان اذا خرق حزب الله الاتفاق وانسحب الجيش اللبناني".
وهذا ما يمكن وصفه "بالزوبعة" الاعلامية التي يريد من خلالها نتنياهو اقناع مستوطنيه بأنه فرض شروطه خلال الاتفاق. في حين يمكن القول أن ما يجري هو عملية تسويق تشبه تلك التي سبقت قرار 1701 عام 2006.
يريد الطرفان انهاء الحرب. لكن كيان الاحتلال يدرك أيضاً أن حزب الله الذي دفع فاتورة تدميرية كبيرة نتيجة أصبح أكثر جرأة بنزالاته النارية، ويوم أمس شاهد على ذلك. هو يريد حتماً انهاء الحرب لكن ليس بأي ثمن. ولعل ما يضع حداً للمراوغة والمماطلة الاسرائيلية، هو فقط قدرات المقاومة، التي لا تزال تحتفظ بمفاجآت وصواريخ لم تستخدم بعد ولم تدخل إلى الخدمة.
الكاتب: غرفة التحرير