بعد الانتخابات الرئاسية التي أفرزت المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة، دخلت إدارة الرئيس جو بايدن المرحلة المعروفة في الولايات المتحدة باسم "البطة العرجاء"(يطلق وصف "البطة العرجاء على السياسي المنتهية ولايته أثناء انتظاره انتهاء فترة حكمه، وطبقاً لتقليد سياسي أميركي قديم). في هذه المرحلة، يصبح الرئيس الأميركي أقل تأثيراً، بما أن أيامه في السلطة باتت قليلة.
في هذا الإطار، سيحاول بايدن ترك إرثٍ واضحٍ ليبقى في الذاكرة. وبما أنه ليس في وسعه فعل الكثير على مستوى الشؤون الأميركية الداخلية، فهو في الشرق الأوسط يرغب في أن يُسجل باعتباره الشخص الذي أنهى الحرب في غزة ولبنان، ووضع حداً لمعاناة الفلسطينيين، وردع إيران.
ومن الممكن للرئيس الأميركي الحالي أن يتّخذ الكثير من القرارات البالغة الأهمية، وربما الراديكالية، خلال الأسابيع العشرة الأخيرة من عهده، بما في ذلك رسم مستقبل السياسات الخارجية للولايات المتحدة، من دون أن يفرض الالتزامات على الإدارة المقبلة أو يقيّد الرئيس المنتخب الجديد، دونالد ترامب، على غرار ما فعله الرئيس السابق باراك أوباما عندما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت لصالح قرار مجلس الأمن رقم 2234 في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2016 باعتبار الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد 5 حزيران/ يونيو 1967 "غير شرعي ويشكل انتهاكاً صارخاً بموجب القانون الدولي".
في سياق متّصل، يعوّل التيار الصهيوني الديني، الذي عبّر مختلف قياداته عن فرحهم بعودة الرئيس الجمهوري، على أن هذه العودة ستتيح إزالة العقوبات التي فرضتها إدارة جو بايدن على بضعة مستوطنين وكيانات ومنظمات استيطانية، وستدفع نحو تأييد فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية والمستوطنات التي التهمت أكثر من 60% من أراضيها.
ستنقسم الفترة المقبلة على صعيد العلاقة بين الكيان والولايات المتحدة إلى مرحلتين:
- ما تبقّى من عهد بايدن: والتي سيتخلّلها عدّة خيارات أمام إدارته، فسيحاول الرئيس الحالي ترك بصمة في الشرق الأوسط، إما من خلال محاولة الترويج لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وربما أيضاً تجديد الاتصالات من أجل التوصل إلى صفقة الاسرى في غزة، أو تقييد سياسة ترامب عبر دعم التصعيد في هذه المرحلة لإغراقه في دوامة حروب إسرائيل ومنعه من الوصول لنتيجة عسكرية وسياسية.
لكن في المقابل، قد يستغل بايدن أيضاً هذه الفترة لتصفية حساباته مع نتنياهو، حيث قد يسعى خلال الشهرين الأخيرين من ولايته لزيادة الضغوط بهدف التوصل لتسويات سياسية، ومطالبة نتنياهو بتنازلات مثل الانسحاب من محور فيلادلفيا.
وعلى غرار إدارة أوباما، قد يتخذ الرئيس الحالي قرارات تتعلق بالامتناع عن حماية الكيان الإسرائيلي في المحافل الدولية، وصولاً إلى إبطاء إمداد "إسرائيل" بالأسلحة. في هذا السياق، يقول الكاتب "يوآب ليمور" في صحيفة إسرائيل هيوم بأنه "من المؤكد أن إدارة ترامب ستخفف من بعض المشاكل لدى الكيان - على سبيل المثال، مشكلة تجميد توريد الأسلحة الثقيلة وإزالة التهديد بفرض حظر على مبيعات الأسلحة، وبالطبع الخوف من إلحاق الضرر بإسرائيل في مختلف القضايا القانونية. والساحات الدبلوماسية".
- بدء ولاية ترامب: يتمثّل الهدف الأول لسياسة ترامب في الشرق الأوسط في العمل على وقف إطلاق النار على مختلف الجبهات بعد الحسم العسكري لصالح الكيان بما يخدم أمنه ومصالحه (زيادة الدعم والتسليح لتحقيق ذلك). بالإضافة إلى استئناف ملف التطبيع مع الكيان في المنطقة العربية (لا سيما مع السعودية).
لكن هل سيتناغم ترامب مع سياسة اليمين المتطرّف في الداخل الإسرائيلي؟ تتضارب التحليلات العبرية في هذا الخصوص، فيعتبر البعض أن ترامب سيسمح للكيان المؤقت بفرض سياساته في قطاع غزة وخططه التوسعية في الضفة الغربية. ويذهب البعض الآخر إلى القول بأنه لا يمكن التنبؤ بسياسة ترامب اتجاه نتنياهو والائتلاف اليميني، فيعتبر الكاتب يوسي ميلمان في صحيفة هآرتس بأن نتنياهو ووزراؤه من اليمين المتطرف الذين يرغبون في ضم شمال غزة وإقامة المستوطنات هناك وتوسيع تلك في الضفة الغربية، قد يكتشفون "أن ترامب ليس شريكاً في مخططاتهم الوهمية.. ترامب، الذي لا يمكن التنبؤ به، ليس في جيب نتنياهو".
أما فيما يتعلّق بالملف الإيراني، سيلجأ ترامب إمّا إلى تصعيد العقوبات كما فعل في فترة ولايته السابقة، أو السعي لاتفاق جديد، وبالتالي سيكون مساند للكيان في الدفاع وليس في الهجوم على إيران.
ختاماً، وفقاً للمحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي "فإن إقالة غالانت وغيابه خلال هذه الفترة سيؤثران على العلاقات الأمنية بين إسرائيل والولايات المتحدة، خصوصاً أن إدارة بايدن لا تثق كثيراً بنتنياهو ولا تخفي هذا. وعليه، ستطالب الإدارة الأميركية إسرائيل بزيادة كبيرة في كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة، وتخفيف كثافة الحرب في شمال القطاع، وصولاً إلى وقف إطلاق النار والقبول بإدارة بديلة فيه، تضم على الأقل أعضاء من السلطة الفلسطينية، بصفة ذلك مفتاحاً لمشاركة الدول العربية في إعادة الإعمار".
الكاتب: غرفة التحرير