نفذ العدو يوم أمس الثلاثاء 28/10/2024 مناورة كبيرة على مستوى المحورين الثالث والرابع التابعين للفرقتين 98 و91، حيث استكمل خطوة إعادة تنظيم وترتيب ونشر قواته على مستوى الفرقتين بشكل تقني وعلى مستوى منطقتي عمليات الفرقتين بشكل تعبوي. وعند الليل، توغلت دبابات إسرائيلية، في تلة الحمامص والأطراف الشرقية لبلدة الخيام في القطاع الشرقي بجنوب لبنان
قام الاحتلال بسحب معظم استعداداته العاملة في (كفركلا - العديسة - رب ثلاثين - الطيبة - مركبا - حولا - ميس الجبل - بليدا) وأظهر من خلال هذه الخطوة الخداعية أنه انسحب بفعل الضربات التي تلقاها طوال الاسبوع الماضي. وبدا للمراقبين أن العدو يتحضر للإعلان عن خطوة كبيرة على مستوى المناورة الهجومية ككل، إلا أن المقاومة التي كانت تسبق عدوها الاسبوع الماضي بخطوة أو خطوتين قامت باستباق العدو بخمس خطوات من خلال الاطباق المعلوماتي الذي كانت تمتلكه على مستوى الجبهة ككل وقامت بعدة عمليات استطلاع بالقوة في المحاور الثلاثة الباقية، حيث تعرضت في المحور الاول منطقة مسؤولية الفرقة 146 بشكل عنيف لنقاط التجمع في المستعمرات الملاصقة لعلما الشعب والضهيرة ومروحين، ثم تعرضت على المحور الثاني منطقة مسؤولية الفرقة 36 بالتجمعات الملاصقة لعيتا الشعب ومارون الراس وعيترون ونفذت تعرضاً ثالثاً في منطقة مسؤولية الفرقة 210 استهدفت فيها مناطق العمرا والوزاني والمطلة ونفذت مسحاً استخبارياً للمحاور الثلاثة، فتبين لها أن التجمعات الموجودة في المطلة وكفريوفال وكفر غلعادي ومعيان باروخ تتخذ شكل استعداد هجومي بنسقين يوازي استعدادهما 5 إلى 6 كتائب مشاة وكتيبة مدرعة، وتبين أن دبابات الكتيبة 8130 التابعة للواء 179 المدرع تتخذ نسقاً هجومياً وباستطلاع وضعية كتائب المشاة الأخرى التابعة للواء 35 المظلي المنتشرة جنوب كفر يوفال واللواء التاسع المنتشر شرق منطقة انتشار اللواء 179مدرع.
كما تبين أنها تتخذ وضعية الاستعداد الهجومي ولم يكن هناك شك لدى قيادة العمليات في المقاومة أن العملية التي نفذها العدو علناً في النهار في منطقتي عمليات الفرقتين 98 و91 هي عملية خداع عسكرية كبيرة هدفت إلى اخفاء نوايا العدو بتنفيذ عملية تعرضية هجومية كبيرة مستفيدة من الليل الحالك الظلمة بسبب دخول الشهر القمري في آخر الربع الاخير منه، حيث ينعدم الضوء نهائياً مما يسهل على العدو العمليات بالاستفادة من أجهزة الرؤية الليلية الحديثة التي زود بها. هدف العملية كان الضغط في جنوب غرب المحور الخامس في منطقة عمليات الفرقة 210 باتجاه سهل الخيام وتطوير ذلك التعرض الهجومي إلى عملية هجومية باستعداد لواء بعدة اتجاهات.
أتمت المقاومة تفعيل الاستعداد اللازم لكبح جماح أي جهد رئيسي معاد وتجهيز العدة اللازمة لاستقبال لائق بهذا التعرض الهجومي المتوقع.
ومع دخول الليل تحركت ثلاثة فصائل دبابات تابعة للكتيبة 8130 المدرعة من محمية "دان" جنوب شرق الغجر برفقة سرية مشاة من الكتيبة 9204 التابعة للواء التاسع المعروف بلواء "عوديد" تؤازرها مجموعة من الفصائل التابعة للكتيبة 202 المظلية التابعة للواء 35 مظلي واتجه ذلك اللفيف التكتي مباشرة نحو الشمال الغربي قاطعاً منطقة الوزاني باتجاه قرية سردا، ثم اتجه إلى تلة الحمامص وانفصلت فصيلة مدرعة من ذلك الاستعداد بمعاونة مجموعات من المشاة والمظليين باتجاه كنيسة سردا في منطقة تعرف باسم اليعقوصة فيما بدأت الكتائب (8130 و9204 و202) بالاستعداد بانتظار عملية الاستطلاع بالقوة التي سيجريها ذلك اللفيف التكتي الذي تحرك شمالاً بهدف اختبار دفاعات المقاومة في تلك المنطقة. ولم يمهل المقاومون القوة المتوغلة، حيث استهدفوها من الساعة 8:30 مساءاً وحتى الساعة 9:40 أربع مرات بصليات من الصواريخ ورشقات من القذائف المدفعية الثقيلة وعند الساعة 9:45 ليلاً استهدف حزب الله دبابة ميركافا من الاستعدادات الموجودة في تلة الحمامص بصاروخ موجه مما أدى إلى إحراقها ومقتل طاقمها واشتعلت المواجهة التي اعدت لها المقاومة جيداً ولم تستمر المواجهة أكثر من 30 دقيقة. اضطرت قوات العدو بعدها إلى الانسحاب تحت النار باتجاه أحد المنخفضات ويدعى وادي العصافير.
لماذا تلة الحمامص وما هو الهدف من المناورة الخداعية الصهيونية؟
تُعد تلة الحمامص موقعًا استراتيجياً هاماً، وبالتالي، يُمكن أن يكون لتقدم دبابات العدو نحوها أهدافًا متعددة ومرتبطة ببعضها البعض. سنقوم بتحليل كل هدف على حدة:
الاحتمال الأول: التقرب الهجومي من الخيام
الإمكانية: مُمكنة، فالسيطرة على تلة الحمامص تُعطي العدو نقطة مُرتفعة تُمكنه من مُراقبة مدينة الخيام واستهدافها بِنيران المدفعية بِدقة أكبر.
التحديات: تُعتبر مدينة الخيام منطقة مُحصنة ويصعب اقتحامها بِـسهولة، كما أن التقدم نحوها يُعرض قوات العدو لِلكمائن والهجمات المُضادة.
الاحتمال الثاني: اجتياز سهل الخيام باتجاه خط مرجعيون - القليعة - برج الملوك
الإمكانية: مُمكنة، فتلة الحمامص تُشرف على سهل الخيام، والسيطرة عليها تُسهل على العدو التقدم باتجاه العمق اللبناني والوصول إلى الخط الواصل بين مرجعيون والقليعة وبرج الملوك وصولاً إلى تل النحاس فالخردلي. وهذا ما يعزل قوات المقاومة غرب تلك المنطقة بشكل كبير.
التحديات: يُعتبر سهل الخيام منطقة مُكشوفة ويُمكن لِـ"المقاومة" استهداف قوات العدو فيه بِـسهولة باستخدام الصواريخ المُوجهة والقذائف المُدفعية. كما أن الوصول إلى خط مرجعيون-القليعة-برج الملوك يتطلب من العدو قطع مسافة طويلة ومواجهة مقاومة شرسة.
الاحتمال الثالث: عزل منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومنطقة الخيام
الإمكانية: مُمكنة جزئياً، فالتقدم نحو تلة الحمامص يُمكن أن يكون جزءاً من خطة أوسع لِفصل الجنوب اللبناني إلى مناطق مُنعزلة، وقطع خطوط الإمداد عن المقاومة في مزارع شبعا وكفرشوبا.
التحديات: تُعتبر هذه الاستراتيجية مُكلفة جداً للعدو، فهي تتطلب السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي والدخول في مواجهات مُباشرة مع المقاومة، الأمر الذي قد يُؤدي إلى خسائر فادحة في صفوفه.
الاستنتاج
من المُرجح أن يكون تقدم دبابات العدو نحو تلة الحمامص يهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المُترابطة، والتي قد تشمل:
- تحسين الوضع التكتيكي في المنطقة: وذلك من خلال السيطرة على نقطة مُرتفعة تُعطي العدو تفوقاً نارياً ومرئياً.
- الضغط على المقاومة في الخيام ومحيطها: وذلك من خلال تهديد خطوط إمدادها ونِقاط تمركزها.
- دفع المقاومة إلى الانسحاب من بعض المواقع: وذلك تجنباً لِلتطويق أو الوقوع في مواجهات غير متكافئة.
لذا يجب مُتابعة تحركات العدو في المنطقة بِحذر لِـفهم نواياه بشكل أفضل، حيث أنه لا يمكن استبعاد إمكانية قيام العدو بِعمليات خداع لِـتضليل المقاومة وإخفاء أهدافه الحقيقية.
وهنا نرجح أن تكون الأهداف المحتملة لتقدم دبابات العدو نحو تلة الحمامص مُرتبةً كالتالي من الأقوى إلى الأضعف:
أولاً: الضغط على "المقاومة" في الخيام ومحيطها (الأقوى):
يبدو أن هذا الهدف هو الأكثر واقعية ومنطقية في سياق العمليات القتالية، فالسيطرة على تلة الحمامص تُعطي العدو بعض المزايا التكتيكية، لكنها لا تكفي للسيطرة على مدينة الخيام أو البدء بتوغل واسع في العمق اللبناني.
يُمكن اعتبار السيطرة على تلة الحمامص كَهدف مرحلي ضمن خطة أكبر تهدف إلى إضعاف المقاومة في هذه المنطقة وتقييد حركتها.
ثانياً: عزل منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومنطقة الخيام عن منطقة كفركلا - العديسة (المتوسط):
تحقيق هذا الهدف سيكون له تأثير استراتيجي كبير، حيث سيُؤدي إلى تقسيم مناطق سيطرة المقاومة وإضعاف قدرتها على التحرك والتنسيق.
لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب من العدو السيطرة على مساحات واسعة والدخول في مواجهات مُباشرة كبيرة، الأمر الذي قد يُؤدي إلى خسائر فادحة ويُثير ردود فعل كبيرة.
ثالثاً: التقرب الهجومي من الخيام (الأضعف)
تُعتبر مدينة الخيام منطقة مُحصنة وذات أهمية رمزية كبيرة للمقاومة، مما يجعل اقتحامها مُكلفًا جداً للعدو.
لا يُستبعد أن يقوم العدو بِقصف مدينة الخيام بِشكل عنيف بعد السيطرة على تلة الحمامص، لكن من غير المُرجح أن يُقدم على اقتحامها في هذه المرحلة.
قد تكون هناك دوافع أو اعتبارات أخرى ثانوية لتحرك العدو، مثل:
جمع المعلومات الاستخبارية: قد يكون تقدم دبابات العدو نحو تلة الحمامص مُرفقًا بِعمليات استطلاع واسعة باستخدام الطائرات المُسيرة وأجهزة التنصت لِجمع المعلومات عن تحصينات المقاومة ونِقاط قوتها وضعفها.
اختبار رد فعل المقاومة: قد يقوم العدو بِهذا التحرك المُستفز لِقياس رد فعل المقاومة وتحديد عتادها وتكتيكاتها.
الكاتب: غرفة التحرير