مع تسلم الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، ازداد القلق الإسرائيلي حيال تراجع دعم واشنطن لـ "إسرائيل"، فبعد سنوات من العمل الشاق التي بذلت فيه "إسرائيل" مجهودًا كبيرًا وكان في أغلب الأحيان سريًا، تظهر السياسة الأمريكية اليوم أنها أقل اهتمامًا ببعض القضايا والأزمات الإسرائيلية كما في معركة "سيف القدس".
ولا ينسى الإسرائيليون ان واشنطن عارضت الهجمات والعمليات الأمنية الإسرائيلية التي استهدفت إيران لا سيما منشأتها النووية في نطنز، والتي استهدفت عرقلة العودة الأميركية الى الاتفاق النووي، في هذا الإطار كتب الباحث المتخصص بالصراع العربي-الاسرائيلي وعلاقة "إسرائيل" بالأقلية العربية، وهو المسؤول السابق في المؤسسة الأمنية دورون متسا، مقالًا في صحيفة "مكور ريشون" الاسرائيلية تحت عنوان "الإدارة الأميركية تُضعف الجدار الحديدي لاتفاقات أبراهام".
وأوضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة تسعى لأن تضع سياسة البلاد الداخلية أولى اهتماماتها، كما تعمل على التفاوض مع إيران و"إضعاف الجدار الحديدي لاتفاقات أبراهام"، ما يشكّل أخبارًا سيئة لاسرائيل حيث "من المتوقع أن نشهد في المستقبل تعاظُماً استراتيجياً إيرانياً" حسب متسا.
النص المترجم:
البيانات الرسمية من واشنطن تبشر بتقليص القوات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط. سيتضمن هذا التقليص أيضاً الدفاعات الجوية المنصوبة في السعودية التي تواجه مشكلة الحوثيين في اليمن. ما يجري ليس خبراً جديداً، فتقليص القوات العسكرية الأميركية كان أيضاً هدفاً لإدارة دونالد ترامب في سعيها لتحويل مركز اهتمامها الاستراتيجي إلى أميركا نفسها، وإلى عملية تعاظُم قوتها الاقتصادية في مواجهة التحدي الصيني. يدرك الرئيس بايدن أن سلّم الأولويات في الولايات المتحدة يتركز قبل أي شيء آخر على الصين، وبدرجة أقل على روسيا وشؤون الشرق الأوسط.
هذا هو سبب عدم الاهتمام الذي تُظهره الإدارة الأميركية بالشرق الأوسط، وهو أيضاً سبب عدم إبداء الرئيس بايدن حماسته حتى الآن لمحاكاة الولاية الأولى للرئيس أوباما والتورط مجدداً في المستنقع المعقد للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. لهذا السبب تراجع أبو مازن، الذي عقد آمالاً مبالَغاً فيها واعتمد على التقدميين في واشنطن، عن عملية إجراء الانتخابات العامة في المناطق، بعد أن أدرك أن الإدارة الديمقراطية ليست متحمسة لفكرة الانتخابات.
في هذه المرحلة لا يزال من غير الواضح ما إذا كان سيستمر التوجه نحو عدم التدخل في القضية الفلسطينية. من المحتمل جداً أن يشجع التغيير السياسي في إسرائيل مع منح الثقة لحكومة بينت - لبيد طاقم بايدن على المحاولة مجدداً. تولّي بينت رئاسة الحكومة يمكن أن يأتي بأشخاص يعتقدون أن النزاع يحدد مكانة إسرائيل الإقليمية.
لكن من الواضح جداً أنه على الرغم من أن التوجه نحو تقليص الوجود الأميركي في الشرق الأوسط هو مسألة مشتركة بين الإدارة الأميركية السابقة والإدارة الحالية، إلّا إن هناك فارقاً كبيراً بينهما بشأن كل ما له علاقة بخلق الشروط الاستراتيجية التي تسمح بالانسحاب الأميركي. بالنسبة إلى الرئيس ترامب، تقليص القوات الأميركية مرتبط باستخدام ضغط كبير على إيران من أجل دفعها إلى طاولة المفاوضات وهي ضعيفة ومستعدة لصفقة أفضل من صفقة أوباما. في المقابل، اهتم ترامب بخلق توازن استراتيجي جديد في الشرق الأوسط يعتمد على تحالف إسرائيلي - خليجي على شكل اتفاقات أبراهام، ومن خلال التعهد بتقديم صفقات سلاح متقدم للدول المشاركة في الائتلاف من أجل إقامة "جدار حديدي" لـ "معسكر العقل"، أي الدول البراغماتية الغنية، التي تكره المخاطرة بالمنطقة، ضد "معسكر القلب" الذي تمثله الأطراف المقاوِمة العنيفة الباحثة عن المغامرة في المنطقة.
في مقابل ذلك، القصة في إدارة بايدن مختلفة. الولايات المتحدة تريد الخروج بسرعة من المنطقة، وهذا ليس عن طريق إخضاع إيران، بل عن طريق اتفاق سيسمح بتحويل إيران إلى قوة إقليمية عظمى، سواء من ناحية إمكان الوصول إلى سلاح نووي أو من ناحية التخلص من الحصار الاقتصادي المفروض عليها. مع استعداد الولايات المتحدة القبول باتفاق ضعيف والتفاوض مع إيران، فإنها تقوّض اتفاقات أبراهام وتُضعِف "الجدار الحديدي" الإسرائيلي - الخليجي ضد إيران. ويتجلى هذا الأمر عملياً في عملية الغزَل التي تنتهجها دول في الخليج مع إيران، بعد أن أدركت هذه الدول تغيّر التوجه الأميركي مع إدارة بايدن.
كل ذلك لا يشكل أخباراً جيدة بالنسبة إلى إسرائيل. عشرة أعوام من عملية متواصلة لبناء وضع استراتيجي، جزء منه جرى بسرية، يواجه اليوم تحدياً. وهناك انطباع يشير إلى أننا في بداية عملية معاكسة، أو على الأقل عملية تراجُع إلى الوراء في التوجهات الإيجابية التي برزت في الأعوام الأخيرة. إذا حدث ذلك، من المتوقع أن نشهد في المستقبل تعاظُماً استراتيجياً إيرانياً في ظل تآكلٍ في عمق التواجد الأميركي في المنطقة. وهذا سيسمح بنمو "معسكر القلب" في الشرق الأوسط ووضع "معسكر العقل" أمام صعوبة جوهرية في مواجهة الواقع الشرق الأوسطي، الذي يبدو أنه سيكون أكثر تعقيداً وقابلية للانفجار كما ظهر في أحداث جولة القتال الأخيرة في قطاع غزة.
الكاتب: غرفة التحرير