تحاول الولايات المتحدة الأميركية استغلال اللحظة الراهنة وترجمتها في ضغوط سياسية تريد من خلالها تحقيق ما عجزت عنه في لبنان طيلة العقود الماضية، معتقدةً أنها تستطيع "تسييل" النتائج العسكرية الإسرائيلية بمنجزات سياسية تتمحور حول ثلاث ملفات أساسية، أولاً، انتخاب رئيس جمهورية غير حليف لحزب الله، ثانياً، تطبيق القرار 1701، ثالثاً إبعاد حزب الله عن الحكومة اللبنانية.
انتخاب رئيس جمهورية غير حليف لحزب الله
يرى المسؤولون الأميركيون أن البيت الأبيض يريد الاستفادة من "الضربة القوية التي وجهتها إسرائيل لقيادة حزب الله وبنيته التحتية للضغط من أجل انتخاب رئيس لبناني جديد في الفترة المقبلة" ووفقًا لتقرير نشرته يسرائيل هيوم فإن "إدارة بايدن تستغل الحرب ضد حزب الله من أجل انتخاب رئيس جديد في لبنان"، وطبعاً تدفع الولايات المتحدة لانتخاب رئيس حليفاً لها، ومن بين المرشحين لهذا المنصب قائد الجيش اللبناني جوزيف عون، الذي تدعمه الولايات المتحدة وفرنسا. في هذا السياق، أبلغ المبعوث الأميركي، هوكشتاين، رئيس الوزراء، نجيب ميقاتي، أن "الأولوية حاليًّا لانتخاب رئيس للبنان". بينما كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، عن ممارسة حكومته الضغط على لبنان، بقوله: "لقد أوضحنا منذ بعض الوقت أننا نعتقد أن الحكومة اللبنانية بحاجة إلى التغلب على الخلل في النظام ــ أحد المحرضين الرئيسيين لهذا الخلل هو حق النقض الذي يتمتع به حزب الله بشأن من سيكون الرئيس المقبل ــ وانتخاب رئيس".
تحريك القرار 1701
يجهد البيت الأبيض بحراك وضغط دبلوماسي وتصاريح سياسية، لإعادة تحريك ملف قرار 1701 في لبنان، متصوراً أن حزب الله يمر بمرحلة من الضعف. ويفيد القرار بانسحاب حزب الله من جنوب الليطاني وإخراج الصواريخ الدقيقة من لبنان. يعتقد الأميركي أنه لا بد من استغلال الفرص المتولدة من الحرب على لبنان، وتعزيز الأهداف المطلوبة، وفي طليعتها سحب السلاح وتراجع حزب الله الجغرافي، ونشر القوات المسلحة اللبنانية على الحدود، بمساعدة مناسبة من القيادة المركزية الأمريكية. في هذا الإطار، ذكرت صحيفة المونيتور الإخبارية خلال زيارة الجنرال جوزيف عون إلى واشنطن في مقر القيادة المركزية في فلوريدا في منتصف حزيران أن مسؤولي إدارة بايدن يرون "القوات المسلحة اللبنانية قوة يمكن أن تنتشر بالقرب من الحدود لمراقبة المنطقة العازلة المستقبلية التي يتم التفاوض عليها بين إسرائيل وحزب الله"، وفقًا لما ورد في مقال "بناء السيادة اللبنانية من جديد"، لديفيد اغناشيوس في صحيفة واشنطن بوست.
إبعاد حزب الله عن الحكومة اللبنانية
ليس طرح إقصاء حزب الله عن الحكومة اللبنانية المستقبلية بجديد، هو حل عملي للاستراتيجية الأميركية باحتواء المنظمات الممانعة للهيمنة الأميركية، وقد نجح هذا التكتيك في العديد من الدول التي تتواجد فيها أحزاب وتنظيمات سياسية تعادي النفوذ الأميركية، عبر محاصرة وتهميش التنظيم عن الحكومة، واعتباره مارقاً عن الشرعية الوطنية، وتجد إدارة بايدن أن الفرصة سانحة في الوقت الحالي لتشكيل حكومة لبنانية خالية من نفوذ حزب الله بالتناغم مع الضربات الإسرائيلية والعدوان على لبنان.
وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين عرب وأميركيين في أن "الولايات المتحدة تضع خطة لإبعاد حزب الله عن الحكومة اللبنانية، مستغلةً الضربات التي تعرض لها، لكنّ مصر وقطر ترفضانها باعتبارها "غير واقعية" وحتى خطيرة". وتنقل الصحيفة عن مصر وقطر قولهما إن حزب لن يختفي ويجب أن يكون جزءاً من أي اتفاق مستقبلي.
أما بالنسبة للمواقف اللبنانية السياسية والحزبية تتراوح التوجهات بين من يحمي المقاومة ومن يبحث عن المصلحة الشخصية الضيقة بعيداً عن الموقف الوطني. التوجه الداعم للمقاومة يرى أن انكسار فريق في الوطن يعني خسارة لكل لبنان، واعتبار أولوية المصلحة الوطنية والنظر إلى التدخل الاميركي لفرض رئيس كمعركة لا بد من خوضها. والاتجاه السياسي المؤيد للمقاومة يعبر عنه رئيس مجلس النواب، نبيه بري، الذي أكّد الالتزام بما ينهي "العدوان الإسرائيلي المتمادي على لبنان". بالمقابل تسعى القوات اللبنانية وحزب الكتائب المتناغمين مع الموقف الأميركي إلى استغلال اللحظة الراهنة، وتكثيف الضغط السياسي لفرض شروطهم وإحكام السيطرة على الدولة، رافضين الحوار الذي يدعو إليه رئيس مجلس النواب باعتبار أن الحوار يعني الاستسلام لحزب الله.
الكاتب: غرفة التحرير