يتكتّم الجيش الأميركي عن مسألة اختفاء أسلحته النارية ويقلّل من أهميتها، رغم المعلومات التي تؤكّد أنّ الأسلحة سُرقت واستُخدمت في جرائم الشوارع في الولايات المتحدة الأميركية، إذ عُثرعليها في أيدي المجرمين.
فيُخفي الجيش الأعداد الحقيقية للأسلحة المسروقة خوفًا من إثارة قلق الأميركيين، خصوصًا أنّ السارقين يستخدمونها لقتل المدنيين وسرقتهم. وهذا يتطلّب جهدًا إضافيًا من الجيش للسيطرة على الأمن وضبط الجرائم.
في هذا السياق، طرحت وكالة أسوشييتد برس سؤالًا بسيطًا عام 2011: "كم يبلغ عدد الأسلحة النارية التي يملكها الجيش ومشاة البحرية والقوات البحرية والقوات الجوية ولا يُعرف مصيرها؟". ثمّ فتحت تحقيقًا حول فقدان وسرقة الأسلحة النارية العسكرية، معتقدةً أنها ستحصل على الإجابة من سجل الدفاع للأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة حيث تتمركز قاعدة البيانات المركزية، التي تتعقب دورة حياة البنادق والمسدسات والمدافع الرشاشة وغيرها.
لكنّها تفاجأت بحجم التكتّم الذي تمارسه قيادة الجيش لمنع إصدار أي معلومة واضحة حول الموضوع، والتي لم تعطي إلّا معلومات مضلّلة، فيها أعداد أسلحة مفقودة أقل بكثير من الأعداد التي حصلت عليها الوكالة من الوثائق والتسريبات.
علمت وكالة أسوشييتد برس أنّ الحصول على البيانات من سجل الأسلحة، يتطلّب طلبًا رسميًا بموجب قانون حرية المعلومات. فتقدّمت به الوكالة عام 2012 إلى تشارلز رويال الموظف في الجيش منذ فترة طويلة، والمسؤول عن التسجيل في المؤسسة العسكرية ريدستون أرسنال في ألاباما.
واستجابة لطلب الوكالة، سحب رويال البيانات المرتبطة بالأسلحة الأميركية المفقودة وفحصها مرتين، ثم عرض النتائج على رئيسه في الجيش، الذي رفض تسليم البيانات "دون ذكر السبب".
وبعد انتهاك حرية الحصول على المعلومات ورفض تسليم البيانات، واصلت الوكالة الضغط للحصول عليها عن طريق الطعون القانونية وطرق أخرى. فأصدر الجيش قائمةً بالأسلحة المفقودة، "إلّا أنّ المسؤولين تنصّلوا منها لاحقًا، ثم أنتجوا مجموعةً ثانيةً من السجلات التي لم تقدم أيضًا عددًا كاملاً للمفقودات".
علمًا أنّ موظف الجيش السابق تشارلز رويال-المتقاعد حاليًا- كان قد أكّد للوكالة أنّ الإفصاح عن البيانات الحقيقة والأرقام الصحيحة "سيفزع الجميع، إلى حدٍّ ما، ليس لمجرّد أنها أسلحة نارية، بل لأنها تتطلب رقابة صارمة من قبل الجيش".
لم تتمكن أسوشيتد برس من الوصول إلى مشرف رويال، كما "لم يكن لدى المتحدث باسم الجيش أي تعليق على التعامل مع طلب قانون حرية المعلومات".
وفي عام 2013، أعلن الجيش أنّه لن ينشر أي سجلات، فاستأنفت الوكالة هذا القرار. وبعد حوالي أربع سنوات، وافق محامو الجيش على أن سجلات التسجيل يجب أن تكون علنية، لكنّ "الجيش لم يصدر إلّا مجموعة صغيرة من البيانات حتى عام 2019". وقد أظهرت هذه البيانات سجلّ 288 قطعة سلاح مفقودة فقط خلال الست سنوات.
هذا وتلفت الوكالة إلى أنّ السرية المحيطة بموضوع حساس كهذا، تمتدّ إلى ما هو أبعد من الجيش وتصل إلى القوات الجوية التي ترفض بدورها إعطاء بيانات عن الأسلحة المفقودة، مبرّرةً بأنّ الإجابات يجب أن تنتظر طلب السجلات الفيدرالية الذي قدّمته الوكالة قبل حوالي عام ونصف.
وحتّى وزارة الدفاع الأوسع لم تصدر التقارير اللازمة عن خسائر الأسلحة التي تتلقاها من القوات المسلحة.
بعد مرور سنوات، لا زالت الاستجابة غير مكتملة بشكل واضح. ففي الخريف الفائت، استعرض تشارلز رويال الصفحات السبع المطبوعة من السجلات التي قدمها الجيش في نهاية المطاف لأسوشييتد برس، والتي "تُبيّن أنّ الجيش لم يبلغ إلا عن فقدان سلاح واحد في عدة سنوات، فبدا رويال "متشككًا"، كما ورد في تحقيق الوكالة.
وقال لاحقاً: "من بين الملايين الذين تعاملوا مع هذه البيانات، هذا خطأ!"، فاستأنفت الوكالة لإصدار قانون حرية المعلومات للمرة الثانية.
و"لم تكن البيانات دقيقة" حتى عند مقارنتها بسجلات التحقيقات الجنائية للجيش. فحدّدت أنّ الوكالة حدّدت 19 سلاحًا ناريًا مفقودًا لم تكن موجودة في بيانات السجل ، مستخدمةً الأرقام التسلسلية الفريدة المخصصة لكل سلاح. وشمل ذلك مدفع رشاش M240B أبلغت وحدة من الحرس الوطني بالجيش عن فقده في وايومنغ في عام 2014. فـ "لم يستطع الجيش تفسير هذا التناقض"!
مع ذلك يصرّح قياديو الجيش حتى الآن "لا يوجد جهد لإخفاء البيانات"، "لا يوجد جهد للعرقلة".
وتجدر الإشارة إلى أنّه بعد نشر الوكالة للوثائق، طالب السيناتور ريتشارد بلومنثال، خلال جلسة الاستماع للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، البنتاغون بإعادة التقارير الدورية. فردّ البنتاغون في بيانٍ مكتوب قائلًا إنه "يتطلع إلى مواصلة العمل مع الكونجرس لضمان الإشراف المناسب" على سير العملية.
كما كلّف بلومنثال وزيرة الجيش كريستين ورموت، بإصدار المعلومات اللازمة من فرعها، فعبّرت عن استعدادها للتعامل مع مشكلة السلاح المفقود واصفةً نفسها بالـ "منفتحة" على مطلب السيناتور. لكنّها توقّعت أنّ عدد الأسلحة التي حصل عليها المدنيون ضئيل.
أمّا الجنرال دوان ميلر، المسؤول الثاني عن إنفاذ القانون في الجيش، فعلّق معتبرًا أنّ "قضية السلاح هي أصغر قضية من ألاف القضايا الجنائية التي يفتحها محققو الجيش كل عام".
المصدر: وكالة أسوشييتد برس- AP
الكاتب: غرفة التحرير