مع انطلاق الحرب على غزة في عامي 2023/2024، أثار بعض النواب في البرلمان البريطاني مخاوف بشأن صادرات الأسلحة البريطانية إلى الكيان الإسرائيلي، مشيرين إلى خطر استخدامها لما يشكّله من انتهاك للقانون الإنساني الدولي. ففي ديسمبر 2023 وأبريل 2024، قررت الحكومة البريطانية عدم تعليق التراخيص الحالية المتعلقة بدعم الكيان بالأسلحة، أو وقف منح التراخيص لتصديرها معتبرة أنّ جميع تراخيص تصدير الأسلحة تخضع للمراجعة. ولكن أمام الجدل السياسي حول الحرب على غزة، دعا الحزب الوطني الأسكتلندي والديمقراطيون الليبراليون الحكومة إلى تعليق تراخيص التصدير إلى الكيان الإسرائيلي، وعدم منح أي تراخيص جديدة. وأيّدت هذا القرار مجموعة من المنظمات، مثل الحملة ضد تجارة الأسلحة (CAAT) ومنظمة Saferworld، وطالبت بوقف صادرات الأسلحة إلى الكيان.
خلال حكومة المحافظين، استجاب الوزراء لمثل هذه المخاوف بالإشارة إلى نظام تراخيص التصدير الاستراتيجي في المملكة المتحدة، والذي بموجبه يتم تقييم جميع الطلبات للحصول على ترخيص لتصدير المعدات العسكرية والعناصر ذات الصلة وفقًا لمجموعة من المعايير، وأكدوا على حق الكيان الإسرائيلي في الدفاع عن نفسه ضمن حدود القانون الإنساني الدولي. تعكس معايير التصدير، من بين أمور أخرى، التزامات المملكة المتحدة بموجب القانون الدولي، ولكن في نفس الوقت تثير إمكانية استخدام الأسلحة المصدرة في انتهاك حقوق الإنسان. تقول الحكومة البريطانية أيضًا بأنّ تراخيص التصدير تخضع للمراجعة ويمكن تعديلها أو تعليقها أو رفضها أو إلغاؤها حسب ما تقتضيه الظروف، وبناء على ذلك، أجرت الحكومة مراجعة للتراخيص القائمة والمعلقة في ديسمبر 2023. ففي 18 ديسمبر 2023، قررت وزيرة الأعمال والتجارة، كيمي بادينوخ، عدم تعليق التراخيص القائمة أو وقف منح التراخيص، بل إبقاء قراراتها "تحت المراجعة الدقيقة". وفي 8 أبريل 2024، وبعد مراجعة أخرى ونصيحة من وزير الخارجية، قررت كيمي بادينوخ أن موقف الحكومة "سيظل دون تغيير".
منذ عام 2008، رخصت المملكة المتحدة أسلحة بقيمة تزيد عن 576 مليون جنيه إسترليني للكيان الإسرائيلي، وفقًا لتحليل بيانات الصادرات الحكومية من قبل CAAT. ثم انخفضت قيمة التراخيص الممنوحة من 42 مليون جنيه إسترليني في عام 2022 إلى 18.2 مليون جنيه إسترليني في عام 2023. وفي 13 يونيو 2024، نشرت الحكومة البريطانية بيانات التراخيص الممنوحة للكيان منذ 7 أكتوبر 2023 كمنشور خاص. جاء ذلك بعد ضغوط من أعضاء البرلمان ورئيس لجنة الأعمال والتجارة لإصدار مثل هذه الإحصائيات. ووفقًا لهذا المنشور، أصدرت الحكومة 42 ترخيصًا بين 7 أكتوبر 2023 و31 مايو 2024. ويطرح السؤال هنا حول ماهية الصادرات العسكرية البريطانية للكيان ومدى أهميتها؟ وهل وقف وتعليق بعض التراخيص او مراجعتها يؤثر بشكل فاعل على مجريات الحرب الدائرة ويلزم الإسرائيلي بالتراجع؟ وكيف أثارت مراجعة تراخيص التصدير البريطانية الجدل القانوني والسياسي؟ تجيب الورقة المرفقة أسفل الملخّص أدناه عن هذه الأسئلة.
استخدم الكيان الإسرائيلي أسلحة بريطانية في الحرب، فحوالي 15% من مكونات كل طائرة مقاتلة إسرائيلية من طراز إف-35 تصنعها شركات بريطانية، بما في ذلك شركة بي إيه إي سيستمز. ووفقًا للحملة ضد تجارة الأسلحة، منحت المملكة المتحدة تراخيص تصدير أسلحة إلى "إسرائيل" بلغت قيمتها 574 مليون جنيه إسترليني (727 مليون دولار) منذ عام 2008، بما في ذلك 42 مليون جنيه إسترليني (53 مليون دولار) في عام 2022. وعلى الرغم من الدعوات المتزايدة من المنظمات الدولية المختلفة، من أكثر من 600 خبير قانوني في بريطانيا، إضافة إلى ثلاثة قضاة كبار سابقين، والذين احتجوا على مبيعات الأسلحة البريطانية للكيان واعتبروا انها مشاركة بشكل مباشر في الانتهاكات الحاصلة في غزة لقواعد القانون الدولي، صرّح وزير الخارجية ديفيد كاميرون في 9 أبريل 2024، إن المملكة المتحدة "لن توقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل". انتقدت منظمات حقوق الإنسان الدولية مثل هيومن رايتس ووتش المملكة المتحدة بسبب دعمها العسكري والدبلوماسي لإسرائيل، بحجة أن مثل هذا الدعم قد يجعل المملكة المتحدة متواطئة في جرائم الحرب والإبادة الجماعية الإسرائيلية. اعتبارًا من أبريل 2024، تشير التقديرات إلى أن الصراع أدى إلى مقتل أكثر من 34000 فلسطيني.
إنّ حجم الشركات المصنعة للأسلحة التي تدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي في بريطانيا كبير ومتنوع، ومرتبط بالقطاع الخاص حيث تتحرك هذه الشركات وفق ضوابط وقوانين خاصة، لكنها أيضًا تتمتع بإجراءات التراخيص المفتوحة، التي لا يمكن ضبطها بشكل دقيق، مما يجعل مسألة مراقبتها معقدة وغير واضحة.
إن المملكة المتحدة من الدول الموقعة على معاهدة تجارة الأسلحة. وتهدف هذه المعاهدة إلى وضع معايير دولية مشتركة لتنظيم التجارة الدولية في الأسلحة التقليدية (دخلت حيز التنفيذ في 2014)، وذلك من أجل المساهمة في السلام والأمن والاستقرار الدوليين والحد من المعاناة الإنسانية. وقبل التصريح بتصدير أسلحة أو سلع معينة، يتعين على الدول المصدرة أن تقيم بشكل موضوعي، تحت ضوابطها الوطنية، احتمالات تأثير هذه الصادرات على السلام والأمن أو استخدامها في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ورفض التصدير إذا كانت المخاطر تفوق الفوائد.
وبالتالي فإن الدول مثل المملكة المتحدة التي تزود الكيان الصهيوني بالأسلحة تنتهك المادة 6 من معاهدة تجارة الأسلحة لتصبح شريك بالتواطؤ في الإبادة الجماعية وانتهاكات القانون الدولي الخطيرة، كما تنتهك مثل هذه التحويلات للأسلحة المادة 7 من المعاهدة من خلال المساهمة في انتهاكات القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، بما في ذلك العنف القائم ضد المدنيين وخاصة ضد النساء والأطفال.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المملكة المتحدة من الدول الموقعة على إعلان دبلن السياسي الصادر في نوفمبر 2022 بشأن الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان (EWIPA). وقد حدد هذا الإعلان التزام المملكة المتحدة بتجنب استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المدنية المكتظة بالسكان مثل المدن والبلدات. ولكن تورط بريطانيا في دعم جيش الكيان الإسرائيلي بالأسلحة المدمرة والتي لم يتردد جيش الاحتلال في استخدامها في غزة باستهداف المدنيين والمنشآت المدنية والمدارس والمستشفيات، تسقط التزامها بهذا الإعلان وتجعلها دولة شريك بشكل واضح في تحمل المسؤولية الدولية عن الجرائم المرتكبة في غزة وجنوب لبنان.