تدرس الولايات المتحدة اجراء تعديلات في استراتيجيتها البحرية على ضوء التقارير التي يعدّها جنرالات معنيون بالعمليات العسكرية المباشرة في الشرق الأوسط. اذ يعتبر هؤلاء أن التحديات التي فرضت في البحر الأحمر والأبيض المتوسط، جعلت من الجهد الأميركي مجرد "ممتص للصدمات"، دون أن يثبت قدرة فعلية على التأثير. وتتلخص النواة الأساسية لهذا الطرح بكيفية موازنة الحضور في المحيط الأطلسي والشرق الأوسط مع الموارد المتوفرة، بعدما ثبت النقص في عدد السفن وحاملات الطائرات.
فرضت الأحداث الأخيرة بعد 7 أكتوبر عدداً من النقاشات حول عدد السفن التي يجب أن تمتلكها البحرية الأميركية. يقارن البعض حجم الأساطيل ويجادلون بأن واشنطن "تتخلف عن الركب"، بينما يؤكد آخرون أن الأرقام أقل أهمية من قدرات السفن الحربية. الواقع أن كلا النظريتين يحملان شيئاً من الحقيقة، لكن هناك ما لا يمكن التغاضي عنه أيضاً وهو أن حجم المهمة هي التي تحدد حجم الأساطيل. من ناحية أخرى، فإن السفن الأكثر تطوراً في العالم، والتي أثبتت فعاليتها، هي بالنهاية محدودة بنطاق محدد، ولا يمكن أن تكون في مكانين في وقت واحد. ولهذا يتجه البعض لاقتراح الطائرات المسيّرة والحربية لتكون بديلاً أو مسانداً لعمل الفرقاطات. ويقول رئيس لفريق السياسة القانونية والاستراتيجية في مديرية التخطيط في جيش الحرب الإسرائيلي، عوديد غور لافي، أن هذا "الانتشار قد يعالج التهديدات المباشرة، إلا أنه لا يفعل الكثير لعلاج الضرورة الاستراتيجية الأوسع: استعادة الهيمنة الأميركية وتأمين الممرات البحرية". مع احتمالية مستمرة لحدوث أخطاء إذا توزع الجهد على أكثر من فاعل عسكري في المنطقة عينها، كما حدث في أواخر شباط/ فبراير عام 2024، حيث استهدفت فرقاطة ألمانية عن طريق الخطأ طائرة مسيرة أميركية من طراز MQ-9 Reaper.
كانت المهمة الأساسية التي استُقدم لأجلها الأسطول الأميركي صعبة، "مع عدم القدرة على معالجة الأهداف على البر من البحر، حتى مع التقنيات الحديثة"، بحسب توصيف أستاذ الاستراتيجيات في كلية الحرب البحرية الأميركية، كيفن د. ماكراني، الذي أضاف أن "العمل مع الشركاء البحريين لن يكون سهلا أبداً، وفي بيئة حركية، يصبح هذا أكثر صعوبة". مضيفاً " قدمت العمليات في البحر الأحمر تذكيراً قوياً بالحاجة إلى تحقيق التوازن بين حجم البحرية والتزاماتها ووجود السفن لمواصلة العمليات للوفاء بمهام اليوم والغد... البيئة الدولية مضطربة ومليئة بالمخاطر. لقد أعطت الأحداث الأخيرة القوى البحرية المعنية فرصة للتأمل، حتى يتمكنوا من التفكير بشكل أكثر استراتيجية في المستقبل".
رئيس معهد يوركتاون، سيث كروبسي (شغل منصب ضابط بحري)، في إطار حديثه عن الاستراتيجية الأميركية منتقداً الإجراءات المتبعة يقول أن "البحرية الأمريكية هي سفينة بدون دفة" موضحاً "الحقيقة هي أن مفهومنا الدفاعي الشامل يفتقر إلى التوجيه. نستمر في توظيف استراتيجية كل شيء، في كل مكان، دفعة واحدة لا يمكننا تحملها".
يستخدم كروبسي العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر كمثال ويقول أن "ما تتكبده البحرية من خسائر تم تمويله من دافع الضرائب الأميركي، بتكلفة عشرات المليارات من الدولارات، ويقع على مسافة قريبة من الحوثيين. ومع ذلك، تقع على عاتق البحرية الأميركية بطريقة ما مسؤولية مراقبة منطقة على الجانب الآخر من العالم".
يوافق قائد البحرية الأميركية المتقاعد جون فورتوجنو، أن التقارير حول ارسال أصول تابعة للبحرية الأميركية إلى المياه القريبة من لبنان ليست سارّة، اذ يشير إلى "جهود أخرى تستحق الاهتمام بها وأهمها الجهود الروسية الصينية لعسكرة المحيط المتجمد الشمالي، وممارسة السيطرة على الزيادة الناتجة في الشحن التجاري، فضلاً عن جهود الصين لتقليد بريطانيا العظمى في القرن 19 التي هيمنت ذات يوماً على البحار". مضيفاً أن "الولايات المتحدة تولت هذا الدور بعد الحرب العالمية الثانية، لكن الصين تتحدى الآن واشنطن بهذه الصفة". خلال مبادرة الحزام والطريق، تقوم الصين بتمويل وبناء البنية التحتية على مستوى العالم التي من شأنها تحسين الموانئ ومحطات الشحن وغيرها من البنية التحتية البرية لدعم أسطولها البحري.
الواقع، أن العمليات العسكرية اليمنية أثقلت البحرية الأميركية بالتحديات، حتى أن العثور على أهداف "ذات قيمة عسكرية" لاستهدافها وبالتالي تقليص حجم الاسناد الناري لغزة، لا يزال صعباً.
خلال ندوة أقامها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والمعهد البحري الأميركي، يوم أمس في 7 آب/ أغسطس، أكد قائد الأسطول الخامس الأمريكي، وقائد القوات البحرية، الأدميرال جورج ويكوف، على أن "تحقيق الردع يتطلب أن يكون لديك مركز ثقل لاستهدافه، لكن من الصعب جداً العثور على مركز ثقل مركزي يمكننا أن نعرضه للخطر -أي نستهدفه- لاستخدامه كنقطة ردع محتملة". مضيفاً "لذا فإن تطبيق سياسة ردع كلاسيكية في هذا السيناريو بالذات يمثل تحدياً بعض الشيء".
هذا المشهد يمكن أن يلخصه المحلل في الشؤون البحرية بريان ماكغراث، الذي اعتبر أن "طموحاتنا العالمية تتجاوز بكثير قدراتنا البحرية الحالية".